جروح سطحية

جروح سطحية
جروح سطحية
كان المساء قد حل عندما جلس شادي فى شرفة شقته الجديدة والتي إشتراها وانتقل اليها منذ أياماً قليلة .. كانت الشقة في أحد أحياء حي المعادي الهادئ .. كان شادي قد انتقل لها بعد طلاقه من زوجته بعدة ايام .. كان الطلاق تجربة قاسية بالنسبة له .. ولكن كان الزواج تجربة اشد قسوة بالنسبة له .. فقد عانى شادي مع زوجته السابقة كثيراً ومرت عليه معها العديد من الأيام الصعبة بسبب طبيعتها الحادة .. شادي كان طبيباً متميز ومشهود له بالكفاءة في عمله ولكن بسبب المشاكل التي كانت تثيرها له زوجته في كل وقت كاد يهمل عمله وكل حياته العملية .. ولذلك كان الطلاق هو القرار الأكثر سلامة له .. جلس شادي في شرفة منزله الجديد وهو يستمتع بالموسيقى التي تصدر من البناية المقابلة له .. كانت سمر جارته تجيد العزف على البيانو .. لاحظ شادي ذلك قبل أن يشترى شقته بعدة أيام .. بل انها قد تكون أحد أهم أسبابه موافقته على شراء تلك الشقة .. عندما أتى لمقابلة السمسار الذى كان يتجول معه داخل الشقة ويشرح له مميزاتها .. كان شادي يمر معه في كل الغرف وهو يحاول ان يرى سمر وهى تعزف على البيانو بعد ان سمع صوت الموسيقى وهو يصعد سلم منزله ورأها وهى تعزف عندما فتح له السمسار الشرفة ليجعله يشاهد الشارع من شرفة الشقة .. ومنذ أن أستلم الشقة وقام بالإنتقال لها .. اصبح وجوده في شرفة منزله للاستماع لعزف سمر في السادسة مساء كل يوم فقرة يومية حريص على الا تفوته .. كانت سمر فتاة جميلة ورقيقة .. شعرها الاسود وبشرتها البيضاء الرقيقة وعيونها
الواسعة تجعلها وهى تعزف وكأنها أتت من عالم أخر .. جلس شادي ينظر تجاه شرفة سمر وهو مستمتع جدا بعزفها وينظر الى ملامحها الجميلة متأملاً حتى قطع صوت جرس الباب حفلته التي يحضرها وحيداً .. اتجه شادي الى باب الشقة وهو يمر بين بعض الاثاث الذى لم يتم ترتيبه بعد وبعض الحقائب التي تكاسل عن فتحها .. فتح الباب ليجد صديقه المقرب يحيى .. كان يحيى يوسف والذى يعمل محامى صديق دراسة لشادي .. استمرت صداقتهما من المرحلة الابتدائية حتى وصلا الى الجامعة ورغم اختلاف مسارهم التعليمي والعملي من طالب بكلية الطب وطبيب وعلى الجانب الاخر طالب بكلية الحقوق ومحامى الا ان صداقتهما استمرت طوال فترة دراستهما وبعد عملهما ايضاً .. كان يحيى بشاربه الكبير وجسده القوى وقامته الممشوقة يبدو وكأنه أحد رجال الشرطة .. دخل يحيى بعد ان صافح شادي وهو ينظر الى الشقة متأملاُ _مبروك الشقة يا دكتور ابتسم له شادي وهو يتابع تأمله للشقة _ والله كويس انك عرفت تيجى . ده انا قولت انت هتتوه ابتسم يحيى بثقة مازحا _ مفيش محامى بيتوه يا دكتور _ طب تعالى اتفضل دخل يحيى وهو مازال يجول ببصره فى الشقة _ حلوة الشقة يا شادي . بس محتاجة توضيب _ انا مش حمل كركبة ودوشة عمال دلوقت . انا عايز ارتاح شوية من الدوشة وبعدين الشقة حلوة وانا مرتاح فيها اوى . ادخل البلكونة اقعد انت وانا هاعملنا كوبيتين شاي ترك شادي يحيى يدخل الى الشرفة ودخل هو الى المطبخ لإعداد الشاي . وبمجرد دخول يحيى الى الشرفة لاحظ صوت البيانو وشاهد سمر وهى تعزف فجلس يتابعها مستمتعاً . مرت دقائق حتى أتى شادي ومعه الشاي ولاحظ اندماج يحيى مع الموسيقى فجلس
واضعاُ الشاي بينهما وهو ينظر الى يحيى مبتسماُ _ ايه رأيك بقى ؟ ضحك يحيى دون ان تفارق عينيه نافذة منزل سمر _ اتاريك بتقوللى استريحت للشقة _ بذمتك فى اجمل من كده ..انا أول ما شفتها وهى بتعزف ع البيانو . حسيت اكنها لوحة مرسومة مش انسانة عادية _ وانت طول عمرك رومانسى .. وبتحب الموسيقى ..انا باستغرب انك بقيت دكتور وبتشوف حوادث ودم ..المهم بمناسبة الكلام عن الرومانسية ايه اخبارك مع طليقتك ؟ نظر له شادي وهو يضحك _ فريدة …ودى ينفع تقول عليها بمناسبة الرومانسية . ده احسن حاجة رومانسية عملتها فريدة انها وافقت اننا نتطلق ..انا وفريدة كنا مختلفين فى كل حاجة .. ده انا حتى حاولت كتير ابطلها السجاير لكن معرفتش .. بذمتك شفت قبل كده واحد مبيشربش سجاير يتجوز واحدة بتشرب  سجاير هز يحيى رأسه نافيا وهو يبتسم _بس انتوا ازاى متطلقين وقادرين  تشتغلوا مع بعض فى نفس المستشفى _ فريدة مش حساسة اوى كده زى ما انت فاكر .. حتى واحنا متجوزين مكانتش بتغير عليا ..الموضوع كان بالنسبالها ان انا حاجة بتاعتها مش  بتاعة حد تانى _ لا دى فريدة دى طلعت فريدة من نوعها .. ليك حق تتعلق بجارتك اللوحة المرسومة نظر يحيى وشادي تجاه شقة سمر ولكنها فى تلك اللحظة توقفت فجأة عن العزف ونهضت تجرى الى الداخل بشكل مفاجئ وقد ظهر على وجهها الخوف .. جعل رد فعلها المفاجئ الشاي يسقط من يد يحيى وهو ينظر الى شادي بدهشة .. لم يستطيعا أن يستنتجا ما حدث لسمر .. فالنافذة الواسعة المطلة على الصالة والتي كانا يشاهدان منها سمر وهى تعزف لا تكشف الا هذا الجزء فقط من شقتها .. لم يستطع شادي ان يمنع نفسه من القلق كما لم يستطع ان يمنع يحيى من السخرية منه على قلقه هذا وهو لا يعرفها .. حتى اسمها عرفه بالصدفة عندما سمع والدتها تنادى عليها .. جلس شادي يفكر كيف يطمئن عليها ثم نظر الى يحيى _ طب ايه رأيك اروح اسأل عليها وأشوف ايه اللى حصلها نظر له يحيى وهو يضحك _ يا سلام .. يعنى هتروح تخبط على ناس متعرفهمش وتقولهم مساء الخير انا دكتور شادي وكنت واقف بأبص على بنتكم انا وصاحبى من البلكونة .. وبعدين لقيناها قامت جريت فجأة .. فخير يا جماعة فى ايه شعر شادي ان فكرته بالفعل غبية بشدة _ لا مش هينفع جلس شادي بإحباط وهو يفكر فى أي طريقة أخرى يطمئن بها على سمر .. قاطعه مرة اخرى صوت جرس الباب .. وعندما فتح وجد بواب عمارة سمر والذى اخبره انه كان يسأل على طبيب وأخبره بواب العمارة التى يسكن شادي بها انه طبيب وانه يحتاجه لان والدة سمر قد اصابتها نوبة سكر .. وجد شادي نفسه بعد دقائق قليلة يقف فى شقة سمر معها ويقوم بالكشف على والدتها .. طمأنها على والدتها وكتب لها بعض التحاليل واتفق معها ان تأتى بها الى المستشفى التي يعمل بها .. عرف منها انها معيدة فى معهد الموسيقى وانها تهوى العزف على البيانو منذ ان كانت في عمر السابعة وقد علمها والدها الذى كان استاذا للموسيقى ايضا وتوفى منذ سنة .. كانت الامور كلها تسير بشكل جيد فى طريق تعارفهما الأول وبدا على سمر انها سعيدة بالتعرف على شادي .. قاطع حديثهما جرس الباب .. استأذنت سمر لفتح الباب وبمجرد ان فتحت باب الشقة اندفع الى الداخل شاب فى بداية الثلاثينات .. عرف شادي من حديثه مع سمر انه خطيبها ويدعى شريف .. بدا على شريف منذ دخوله الى شقة سمر انه شخص عصبي .. نظراته الحادة الموجهة الى شادي جعلته يشعر بالارتباك رغم ان سمر شرحت له سبب وجود شادي وما حدث لوالدتها الا انه استمر بملامحه المتجهمة ونظراته الحادة يعلن لشادي انه غير مرحب بوجوده .. جعل هذا شادي يتعجل بالخروج من شقة سمر بعد ان ترك لها ورقة بالتحاليل المطلوبة واسمه واسم المستشفى التي يعمل بها لكى تتابع معه فيما بعد ..
تم نسخ الرابط