رحيل بلا وداع

رحيل بلا وداع
رحيل بلا وداع

هز والدي رأسه بإيجاب وهمس لي:

-تمام ابعتيه، وان شاء الله نجيب حق طارق.

لم أخبركم أن الشعور الذي تولد لدى والدي الرغبة في الانتقام من عائلة طارق لم يكن وليد اللحظة، فبعد خطوبتي على الفور وتلك الفضائح التي انتشرت عني على وسائل التواصل الاجتماعي، اصطدمت عائلتي بمصيبة أخرى وأكبر وأشد، وهي فصل والدي من عمله في البنك، أصابني حينها اكتئاب وشعرتُ أنني بؤس على مَن حولي.

دخلتُ في نوبة عصبية، فلم أتحمل تلك الصدمات التي كانت من تدبير ياسر، وكدتُ أتهور وأذهب لأواجهه إلا أن طارق ووالدي رافضا تمامًا ما كنت أنوي فعله، وأقنعني طارق بتجاهله.

مرت دقائق بسيطة ووجدتُ والدي يسرع بالخروج من المنزل، فركضتُ خلفه اسأله بلهفة:

-في أيه يا بابا، رايح فين؟

-حسام كلمني وطلب مني انزل اقابله، هروح اشوف في أيه!

سررتُ لأنه أخذ كلامي على محمل الجد، فقلت بحماس:

-طيب استنى اروح البس وآجي معاك.

قال والدي بحزم:

-لا، هو نبه عليا إنك ماتيجيش معايا، سيبيني انزل له وأنا لما أرجع هحكيلك كل حاجة.

استسلمتُ على مضض، وعدتُ إلى غرفتي أجر أذيال خيبتي خلفي، وها أنا رهينة الوقت مرة أخرى، أنظر في عقارب الساعة بلهفة وخوف، حتى سمعت صوت مفاتيح والدي في باب الشقة، فركضتُ نحوه، وقبل أن يدخل، اعترضتُ طريقه بسؤالي:

-ها؟ عملتوا أيه؟

هز كتفيه وأجاب بنبرة خاملة:

-مفيش روحتله وسألني على شوية حاجات وجاوبت وراح معايا المستشفى ووريته الممرضة، وبعدها قالي روح انت ياعم عبد الله.

-وروحت يا بابا!

خرج صوتي معاتبًا، فأخفض والدي صوته وهو ينهرني:

-امال عايزاني أصر واقعد، يا بنتي ده ظابط وفاهم في شغله وأنا مش عايز أأثر عليه، وبعدين أمك عندها حق بلاش تهور واستني واصبري لغاية ما نشوف حسام ده هيوصل لإيه

هو قالي أنه يومين ليكلمك ليكلمني، الصبر يا بنتي.

من أين لي بأن أحظى بالصبر يا أبي؟ لقد أصبح أمرًا بعيد المنال، وأصبحت أنا ورقة خريف هشة، لا قيمة لها في ظل فراق حبيب عمري واختياري الأول والأخير.

***

بعد مرور يومين…

ما زالتُ التزم غرفتي ووحدتي، وأخضع لاكتئابي وأحزاني، أُرهق عقلي من التفكير والتخيلات، وأهلك قلبي من وطأة الأوجاع.

استمعتُ لرنين هاتفي، فأجبتُ على الفور عندما اتأكدت أن المتصل هو حسام:

-ألو، أيوه يا حسام.

-إزيك يا منة، أخبارك؟

لم استطع الصبر وسألته بلهفة ممزوجة بحنق طفيف:

-ها وصلت لإيه؟

-كلام والدك صح، طارق كان مضروب بتلت طلقات مش طلقة واحدة زي ما تقرير الطبي الشرعي بيقول،

معنى كده إن في حاجة حصلت وطارق اتقتل والموضوع كله اتقفل والتقرير اتلعب فيه.

شعرت ببركان ثائر يلتهم مشاعرها، فقلت بسخط:

-اتأكدت ازاي؟

-لا دي حوارات كبيرة وفي النهاية ده شغلي، بس أنا مش هسيب حق طارق ولو على رقبتي.

-وأنا معاك وناخد بحق طارق من اللي قتله، أنا مستعدة أواجه الكون كله عشان بس أجيب له حقه، هو مايستاهلش غير كده مني.

الآن جاءت فرصتي، وسأنتقم له واقتنص بثأره من أفواههم جميعًا، حتى لو حاربتُ العالم كله من أجله، يكفيني أنني لن أصمت واكتفى بالخوف من عائلته، فمحاربي يستحق العناء والأخذ بثأره.

****

بعد مرور عدة أسابيع…

أود أن أخبركم أن قصتي لم تنتهِ عند هذا الحد، الجاني كان ياسر كما توقعتُ، فبعد أن أصر حسام على مساعدتي وفتح قضية وفاة طارق من جديد بمساعدة العديد من أصدقاء طارق الأوفياء من الضباط، استطاعوا بالفعل الحصول على موافقة من جهات عليا لإعادة فتح القضية وخاصةً بعد أن شهدت الممرضة ووالد منة، فأعيد فتح القضية بعد وفاة طارق بأسبوع ونجحت التحقيقات في التوصل إلى القاتل ألا وهو ياسر.

الذي أقر بالفعل بعد صعوبة ومواجهته بالحقائق، بأنه في نفس يوم الوفاة، افتعل شجارًا مع أخيه طارق الذي كان يستعد لحفل عقد قرانه، فقد أعصابه بسبب تمرد طارق عليه في الكلام، ووصل به الأمر إلى حد إهانته، وهذا لم يتحمله ياسر فوجد نفسه يحمل السلاح الناري الخاص بطارق والذي كان موضوعًا جانبًا، ووجهه نحو أخيه ليطلق ثلاق رصاصات دون أن يرمش له جفن، ولم يُدرك فداحة ما ارتكبه إلا عندما وجد أخاه غارقًا في دمائه، ومعالم الحياة تتسرب منه.

  • الآن ياسر تحت وطأة القضاء، وقد تحوّل من قاضٍ مُبجل إلى متهم بالقتل، وعلى وشك صدور حكم بالإعدام عليه، إلا أن عائلته لم تتركه، حيث أوكلوا له أشهر المحامين، ومع ذلك، أثق في عدالة السماء، وأشعر براحة تامة لأنني لم أترك حق طارق، ورغم أن عائلته لم تكف عن إيذائي، فإن هذا لا يهمني، فمن كان معه ربه لن يخاف من العباد.

 

 

هز والدي رأسه بإيجاب وهمس لي: -تمام ابعتيه، وان شاء الله نجيب حق طارق. لم أخبركم أن الشعور الذي تولد لدى والدي الرغبة في الانتقام من عائلة طارق لم يكن وليد اللحظة، فبعد خطوبتي على الفور وتلك الفضائح التي انتشرت عني على وسائل التواصل الاجتماعي، اصطدمت عائلتي بمصيبة أخرى وأكبر وأشد، وهي فصل والدي من عمله في البنك، أصابني حينها اكتئاب وشعرتُ أنني بؤس على مَن حولي. دخلتُ في نوبة عصبية، فلم أتحمل تلك الصدمات التي كانت من تدبير ياسر، وكدتُ أتهور وأذهب لأواجهه إلا أن طارق ووالدي رافضا تمامًا ما كنت أنوي فعله، وأقنعني طارق بتجاهله. مرت دقائق بسيطة ووجدتُ والدي يسرع بالخروج من المنزل، فركضتُ خلفه اسأله بلهفة: -في أيه يا بابا، رايح فين؟ -حسام كلمني وطلب مني انزل اقابله، هروح اشوف في أيه! سررتُ لأنه أخذ كلامي على محمل الجد، فقلت بحماس: -طيب استنى اروح البس وآجي معاك. قال والدي بحزم: -لا، هو نبه عليا إنك ماتيجيش معايا، سيبيني انزل له وأنا لما أرجع هحكيلك كل حاجة. استسلمتُ على مضض، وعدتُ إلى غرفتي أجر أذيال خيبتي خلفي، وها أنا رهينة الوقت مرة أخرى، أنظر في عقارب الساعة بلهفة وخوف، حتى سمعت صوت مفاتيح والدي في باب الشقة، فركضتُ نحوه، وقبل أن يدخل، اعترضتُ طريقه بسؤالي: -ها؟ عملتوا أيه؟ هز كتفيه وأجاب بنبرة خاملة: -مفيش روحتله وسألني على شوية حاجات وجاوبت وراح معايا المستشفى ووريته الممرضة، وبعدها قالي روح انت ياعم عبد الله. -وروحت يا بابا! خرج صوتي معاتبًا، فأخفض والدي صوته وهو ينهرني: -امال عايزاني أصر واقعد، يا بنتي ده ظابط وفاهم في شغله وأنا مش عايز أأثر عليه، وبعدين أمك عندها حق بلاش تهور واستني واصبري لغاية ما نشوف حسام ده هيوصل لإيه
هو قالي أنه يومين ليكلمك ليكلمني، الصبر يا بنتي. من أين لي بأن أحظى بالصبر يا أبي؟ لقد أصبح أمرًا بعيد المنال، وأصبحت أنا ورقة خريف هشة، لا قيمة لها في ظل فراق حبيب عمري واختياري الأول والأخير. *** بعد مرور يومين… ما زالتُ التزم غرفتي ووحدتي، وأخضع لاكتئابي وأحزاني، أُرهق عقلي من التفكير والتخيلات، وأهلك قلبي من وطأة الأوجاع. استمعتُ لرنين هاتفي، فأجبتُ على الفور عندما اتأكدت أن المتصل هو حسام: -ألو، أيوه يا حسام. -إزيك يا منة، أخبارك؟ لم استطع الصبر وسألته بلهفة ممزوجة بحنق طفيف: -ها وصلت لإيه؟ -كلام والدك صح، طارق كان مضروب بتلت طلقات مش طلقة واحدة زي ما تقرير الطبي الشرعي بيقول، معنى كده إن في حاجة حصلت وطارق اتقتل والموضوع كله اتقفل والتقرير اتلعب فيه. شعرت ببركان ثائر يلتهم مشاعرها، فقلت بسخط: -اتأكدت ازاي؟ -لا دي حوارات كبيرة وفي النهاية ده شغلي، بس أنا مش هسيب حق طارق ولو على رقبتي. -وأنا معاك وناخد بحق طارق من اللي قتله، أنا مستعدة أواجه الكون كله عشان بس أجيب له حقه، هو مايستاهلش غير كده مني. الآن جاءت فرصتي، وسأنتقم له واقتنص بثأره من أفواههم جميعًا، حتى لو حاربتُ العالم كله من أجله، يكفيني أنني لن أصمت واكتفى بالخوف من عائلته، فمحاربي يستحق العناء والأخذ بثأره. **** بعد مرور عدة أسابيع… أود أن أخبركم أن قصتي لم تنتهِ عند هذا الحد، الجاني كان ياسر كما توقعتُ، فبعد أن أصر حسام على مساعدتي وفتح قضية وفاة طارق من جديد بمساعدة العديد من أصدقاء طارق الأوفياء من الضباط، استطاعوا بالفعل الحصول على موافقة من جهات عليا لإعادة فتح القضية وخاصةً بعد أن شهدت الممرضة ووالد منة، فأعيد فتح القضية بعد وفاة طارق بأسبوع ونجحت التحقيقات في
التوصل إلى القاتل ألا وهو ياسر. الذي أقر بالفعل بعد صعوبة ومواجهته بالحقائق، بأنه في نفس يوم الوفاة، افتعل شجارًا مع أخيه طارق الذي كان يستعد لحفل عقد قرانه، فقد أعصابه بسبب تمرد طارق عليه في الكلام، ووصل به الأمر إلى حد إهانته، وهذا لم يتحمله ياسر فوجد نفسه يحمل السلاح الناري الخاص بطارق والذي كان موضوعًا جانبًا، ووجهه نحو أخيه ليطلق ثلاق رصاصات دون أن يرمش له جفن، ولم يُدرك فداحة ما ارتكبه إلا عندما وجد أخاه غارقًا في دمائه، ومعالم الحياة تتسرب منه. الآن ياسر تحت وطأة القضاء، وقد تحوّل من قاضٍ مُبجل إلى متهم بالقتل، وعلى وشك صدور حكم بالإعدام عليه، إلا أن عائلته لم تتركه، حيث أوكلوا له أشهر المحامين، ومع ذلك، أثق في عدالة السماء، وأشعر براحة تامة لأنني لم أترك حق طارق، ورغم أن عائلته لم تكف عن إيذائي، فإن هذا لا يهمني، فمن كان معه ربه لن يخاف من العباد.    
تم نسخ الرابط