اللى إتكسر

_ انا مش باتريق يا طنط .. انا باقول انه فعلا بقى بيغيب وقت طويل بره البيت
ردت حماتها بعنف
_ كل دقيقة بيتأخرها بره البيت بتتحول فلوس ليكى ولبنتك ولبيتك
تحولت نظرات الجميع لها وكأنها أجرمت وتستحق الرجم .. كيف لها ان تناقش زوجها فى أمر تغيبه لفترات طويلة خارج المنزل .. كيف تعبر عن احتياجها العاطفى له واحتياج ابنتها كذلك .. وكأن المرأة ليس لها الا ان تأكل وتنام وتعلم الاطفال وتراعى شؤون المنزل فقط .. البعض يعامل النساء معاملة الاشياء او معاملة العصافير الملونة فى الاقفاص .. لا أكثر من ذلك ..
وصلت علا الى المنزل .. كانت قد مرت على السوق لتأتى ببعض الخضروات والفاكهة للمنزل .. دخلت الى المنزل وهى تمسك الاكياس الكثيرة التى كانت تحملها وفى نفس الوقت كانت تمسك بالهاتف وتكلم صديقتها مروة
_استنى كنت بافتح الباب …. ايوه ايوه انا سمعت اللى قولتيه …..
وضعت الاكياس من يدها على مائدة السفرة وهى مازالت تكمل مكالمتها ومدت يدها لتبحث عن شيء داخل الاكياس التى وضعتها على المائدة
_ لو بيحبك مكانش قال كده .. اللى بيحب حد بيخاف عليه وبيعمل اى حاجة عشانه … ليه يا بنتى وانتوا علاقتكم هشه وضعيفه كده عشان اول ما يزعل منك يسيبك ….
توقفت وهى تنفخ بضيق
_ يوووه ….. لا مفيش اصل طارق كان قايللى أشترى برواز ونسيت ..
سمعت صوت رسالة صوتية يصدرها هاتفها .. نظرت الى الهاتف سريعا وعرفت ان تلك الرسالة الصوتية من زوجها فأكملت مكالمتها سريعا مع صديقتها
_ باقولك ايه اقفلى عشان شاكله باعتلى رسالة …. يا ستى هاسيبك بس وأروح فين والله هاشوف الرسالة بيقوللى فيها ايه وهأكمل كلامى معاكى …..
فتحت رسالة الواتس تستمع اليها فأتاها صوت طارق مرتبك ومتلعثم
_ علا .. مساء الخير .. علا انا مش عايزك تزعلى من اللى هاقولهولك …بس ارجوكى اسمعينى كويس ….
بدا على وجهها القلق .. اوقفت الرسالة وعادت الى مكالمتها مع صديقتها
_ مروة باقولك ايه اقفلى دلوقت وهارجع اتصل بيكى
لم تمهل صديقتها رفاهية الرد واغلقت المكالمة سريعا وعادت لتشغيل الرسالة الصوتية .. كان صوت طارق يأتيها مترددا خجلا يثير القلق
_ انا وانتى مش هينفع نكمل مع بعض ..انا اتجوزت يا علا .. اتجوزت ملك شريكتى فى الشركة بتاعتى …
اوقفت الرسالة وكأنها لا تستطيع سماع المزيد .. انهمرت الدموع من عينيها وهى تضع يدها على فمها وكأنها تكتم صرخة تريد الانطلاق من قلبها .. اسرعت الى غرفتها ودخلتها واغلقت الباب على نفسها من الداخل .. كانت لا تريد أن يراها احد وهى فى تلك الحالة .. رغم ان لا احد بالمنزل فجومانة فى المدرسة وطارق لن يعود فرسالته لها تعنى ذلك .. ولكن كان شعورا خفيا بداخلها بالاختباء هو من يقودها .. كانت تعرف ملك التى اخبرها طارق انه تزوجها .. رأتها من قبل فى حفل خاص بشركتهم .. كانت ملك قد انفصلت عن زوجها الذى اعترض على ان عملها اخذها من اسرتها .. يبدو ان تلك كانت صفة مشتركة بينها وبين طارق .. رجل وامرأة اهملا اسرتيهما يستعدا للزواج واستكمال حياتهما سويا .. امسكت علا بهاتفها مرة اخرى وفتحت رسالة طارق لتستكملها
_ مش عايزك تقلقى مصاريفك انتى ومريم هتوصلك كل اول شهر .. ومش هخليكم ناقصكم حاجه
مرة اخرى يحسب علاقتهما بالمال .. المرأة بالنسبة له هى مجموعة من الاحتياجات المادية فقط .. اذا لبى احتياجاتها فليس لها ان تغضب .. ليس لها أن تحزن .. ليس لها أن تشعر .. لم تكن تستطيع ان تسمع صوته .. صوت من خان حبها وحب ابنته وقرر فى لحظة واحدة ان ينفصل عنها ويتزوج بأخرى ولكنها كانت تريد ان تستكمل رسالته لتعرف ما قال فيها
_ انا عارف انتى بتقولى عليا ايه دلوقت جواكى .. لكن انا مش غلطان يا علا .. انتى بقيتى بعيدة عنى .. مبقتيش فاهمانى ولا حاسة بيا ولا باللى انا عايزه .. عشان كده كان لازم ابعد وابدأ حياتى من جديد
فجأة اصبحت هى التى تتحمل الخطأ .. هى سبب انه تزوج بأخرى .. هو لم يتدخل فى هذا الامر .. هو كان الضحية الذى كان زواجه بأخرى بسببها هى .. هو خانها لانها لم تعد تفهمه أو تشعر به او بما يحتاجه .. فهى وحدها تتحمل اللوم .. هى التى كانت عندما تخبره انه ابتعد بسبب عمله عنها وعن ابنته كانت تتلقى اللوم من الجميع الان ايضا هى من تتحمل جُرم زواجه بأخرى .. يخبرها فى جملة واحدة انه لابد له أن يبتعد ويبدأ حياته مرة أخرى .. وماذا عن حياتها ؟.. لم يفكر فيها .. كل ما يشغل باله احتياجاته هو وحياته هو فقط .. اما هى وابنته فلهم فقط الاحتياجات المادية .. اصبح هو البشرى الوحيد فى ذلك المنزل الذى له احتياجات عاطفية لابد له ان يلبيها .. مازالت الرسالة الصوتية لم تنتهى بعد .. ماذا لديه ليقوله بعد كل ما قاله فى بداية رسالته تلك ؟.. فتحت الرسالة مرة أخرى لتستمع لباقى رسالته
_ انا فكرت انى اجى واقولك بنفسى .. بس ..بس اترددت كتير وحسيت ان الاحسن ليا وليكى اننا منتقابلش وانتى بتسمعى قرارى .. احنا مهما كان كان بينا لحظات كتير حلوة
انتهت رسالته أخيراً .. كان يذكر لها لحظاتهم الحُلوة .. تلك اللحظات التى قرر من قبل ان يحتفظ بها داخل براويز ويقوم بتعليقها على الحائط .. ترك فجأة تلك البراويز والصور والحائط نفسه وذهب ليبدأ حياته من جديد .. وترك لها حائط مليء بالثقوب فقط
فى اليوم التالى وقفت علا فى شرفة منزلها وهى تشير لابنتها التى كانت تتجه الى اتوبيس المدرسة الذى توقف امام المنزل وتستقله وتشير من نافذته لأمها بسعادة .. وقفت علا وهى تتابع بعينيها الاتوبيس وهو يبتعد بهدوء عن المنزل ثم اتجهت الى الداخل .. تحركت بخطوات هادئة نحو الحائط الذى يجمع صورها مع طارق .. تحركت عيناها بين الصور المعلقه على الحائط والدموع متحجرة فى عينيها وهى تنظر الى تلك اللحظات المصورة امامها وعلى وجهها الحيرة .. اقتربت من الحائط تتلمس بيدها الصور بهدوء .. كانت تمرر يدها على وجهها المبتسم فى كل صورة وكأنها كانت تحاول استشعار تلك اللحظة فى صورها القديمة.. تلمست بيديها احد المسامير المثبت بها احدى الصور .. توقفت يدها على المسمار وهى تستعيد فى ذاكرنها الالم الذى كانت تشعر به وسط كل لحظاتها السعيدة .. تذكرت تدخلات والدة طارق .. هجوم والده عليها فى بعض الاحيان .. تذكرت جفاء طارق لها وحدته فى التعامل .. كانت تلك الثقوب التى اعملها طارق فى الحائط كالثقوب التى كانت بداخلها من جراء ما حدث طيلة سنوات حياتها معه .. عادت الى الوراء تنظر الى صورة متكاملة لهذا الحائط الذى اصبح بعد رحيل طارق من المنزل ليس كما كان يصفه حائط الذكريات السعيدة بداخلها .. لكنه بثقوبه التى غرس بها مساميره كان الان حائط وهمى لا وجود له .. يعبر عن انكسارها الذى عاشته طوال تلك السنين ..
اتجهت علا الى الحائط تنزع عنه الصور التى قام طارق بتعليقها الصورة تلو الاخرى .. أتت بكماشة لتنزع المسامير التى ثقب بها حائطها .. كانت كلما نزعت احد تلك المسامير الكبيرة من الحائط تشعر بالارتياح بعض الشيء .. تلك اللحظات التى كانت سعيدة له وحده بكل ما كانت تعانيه من الالم بداخلها منها لابد ان تزول من حائط منزلها .. كانت تنزع المسامير عن حائطها بعنف مثل نفس العنف الذى كانت تعامل به .. لم يشعر بها يوما ولكنه اعتبر انها يكفيها لحظة واحدة سعيدة يقوم بتعليقها على حائط منزلها داخل اطار .. انهكت وهى تفعل ذلك فارتمت مستندة بظهرها على الحائط وهى تلتقط انفاسها المتلاحقة .. لقد فعلت ما كانت تريد فعله فى وجوده .. ازالت من حائط منزلها لحظاته السعيدة كلها .. فالسعادة لا تحبس داخل اطارات زجاجية معلقة على الحائط .. كان لها الحق ان تعيش حياة سعيدة ليست حياة جامدة متحجرة كحائط منزلها .. حائط استطاع زوجها ان يملئ جنباته بالثقوب .. نظرت الى الحائط الخالى من ذكريات زوجها .. ولكنها شعرت ان هذا ليس كافيا ..
أتت بعلب الدهان وقامت بتلوين الحائط بالكامل .. لقد اختار ان يكون له حياة جديدة وهى اختارت ان يكون لها حائط جديد يمتلئ بما تريده هى .. لا يفرض عليها ما يجب ان تكون سعيدة بشأنه .. تركت علا الحائط ودخلت الى غرفة المكتب فى شقتها .. فتحت الكومبيوتر ووصلته بهاتفها .. فتحت بعض برامج تعديل الاصوات وهى تنظر الى شاشة الكمبيوتر وتبتسم .. كانت قد قررت ان تسعد نفسها بأي صورة ..
توقف اتوبيس المدرسة الذى يقل جومانة التى عادت من مدرستها .. اتجهت جومانة الى داخل المنزل وصعدت السلم حتى وصلت الى شقتهم .. فتحت لها علا الباب وهى تبتسم ودعتها للدخول وهى تحجب بيديها عينى جومانة .. ابتسمت جومانة وهى تمشى وامها تسحب يدها
_ ايه يا ماما انتى عملالى مفاجأة ولا ايه ؟
_ مفاجأة حلوة هتعجبك
تتوقف علا بجومانة امام الحائط الذى قامت علا بطلائه بلون ( بستاج ) جميل .. رفعت علا يدها من امام عيني جومانة التى نظرت الى الحائط باللون الذى تحبه وهى تنظر لأمها بسعادة
_ حلو اوى
ابتسمت علا لابنتها
_ مش قولتلك مفاجأة هتعجبك
نظرت جومانة الى الحائط وهى تتأمل اللون الذى تم دهانه للحائط ثم تبتسم وتهز رأسها موافقة على ما قالته أمها
_ فعلا مفاجأة حلوة .. بس هى فين الصور اللى كانت على الحيطة ؟
_ حطتها فى الالبوم .. مش كده احسن ؟
تهز رأسها مرة أخرى موافقة
_ ايوه احسن
_ روحى غيرى هدومك عشان نتغدى
انطلقت جومانة الى غرفتها .. ابتسمت علا وهى تنظر الى الحائط الذى قامت بطلائه بنفسها ثم اتجهت الى مقعد قريب وجلست وأخرجت هاتفها .. كان على الهاتف ملف صوتى .. ابتسمت علا وهى تقوم بتشغيله ليأتى لها صوت طارق
_ علا .. وحشتينى اوى .. انا عارف انى تاعبك معايا .. معلش انا هتأخر شويه .. هاخلص شغل واجى على طول .. انتى عارفة انى مقدرش استغنى عنك .. بحبك ..
كان يبدو ان الملف الصوتى قد تم تجميعه من رسائله الصوتية القديمة .. لكنها استطاعت ان تصيغ من رسائله ما يرضيها هى وليس ما كان يرضيه هو فقط .. استكملت الملف الصوتى وصوت طارق يسألها
_ علا .. انتى لسه بتحبينى ؟؟
ارتسمت ابتسامة ثقة على وجه علا وهى تنظر الى الحائط الفارغ واجابت بهدوء وثقة
_ لا .. مبقتش احبك
النهاية
_ انا مش باتريق يا طنط .. انا باقول انه فعلا بقى بيغيب وقت طويل بره البيت ردت حماتها بعنف _ كل دقيقة بيتأخرها بره البيت بتتحول فلوس ليكى ولبنتك ولبيتك تحولت نظرات الجميع لها وكأنها أجرمت وتستحق الرجم .. كيف لها ان تناقش زوجها فى أمر تغيبه لفترات طويلة خارج المنزل .. كيف تعبر عن احتياجها العاطفى له واحتياج ابنتها كذلك .. وكأن المرأة ليس لها الا ان تأكل وتنام وتعلم الاطفال وتراعى شؤون المنزل فقط .. البعض يعامل النساء معاملة الاشياء او معاملة العصافير الملونة فى الاقفاص .. لا أكثر من ذلك .. وصلت علا الى المنزل .. كانت قد مرت على السوق لتأتى ببعض الخضروات والفاكهة للمنزل .. دخلت الى المنزل وهى تمسك الاكياس الكثيرة التى كانت تحملها وفى نفس الوقت كانت تمسك بالهاتف وتكلم صديقتها مروة _استنى كنت بافتح الباب …. ايوه ايوه انا سمعت اللى قولتيه ….. وضعت الاكياس من يدها على مائدة السفرة وهى مازالت تكمل مكالمتها ومدت يدها لتبحث عن شيء داخل الاكياس التى وضعتها على المائدة _ لو بيحبك مكانش قال كده .. اللى بيحب حد بيخاف عليه وبيعمل اى حاجة عشانه … ليه يا بنتى وانتوا علاقتكم هشه وضعيفه كده عشان اول ما يزعل منك يسيبك …. توقفت وهى تنفخ بضيق _ يوووه ….. لا مفيش اصل طارق كان قايللى أشترى برواز ونسيت .. سمعت صوت رسالة صوتية يصدرها هاتفها .. نظرت الى الهاتف سريعا وعرفت ان تلك الرسالة الصوتية من زوجها فأكملت مكالمتها سريعا مع صديقتها _ باقولك ايه اقفلى عشان شاكله باعتلى رسالة …. يا ستى هاسيبك بس وأروح فين والله هاشوف الرسالة بيقوللى فيها ايه وهأكمل كلامى معاكى …..