رحيل بلا وداع

رحيل بلا وداع
رحيل بلا وداع

فرفعت رأسي إليهم وأنا واوجهتهم بقوةٍ وسخطٍ انبثق من حسرتي:

-أكيد انتوا اللي ضايقتوه بالكلام، أكيد اتخانقتوا معاه وهو ماستحملش، بس لا هو مايعملش كده أبدًا.

-وأهو عمل يا بومة، عمل وانتحر بسببك، دمرتي حياتنا وابني مات مني.

فوجدتُ ياسر يدفعني للخلف أنا ووالدي ويصرخ بصوتٍ هز أرجاء المشفى:

-اطلعوا برة، خرجوهم، مش عايز اشوفهم أبدًا.

التف حولي رجال لم أعرف من أين أتوا، وحاولوا دفعي أنا ووالدي إلا أن والدي صاح بهم غاضبًا:

-اوعوا تلمسوها، اوعوا عن بنتي.

واحتضني والدي بخوفٍ كبير وحركني إلى خارج المشفى، بينما كانت خطواتي ثقيلة وانظر بين حينٍ وآخر بعدم تصديق، متمنيةً أن أراه لأوكد لعقلي الثائر والرافض لانتحاره.

فوجدت “حسام” صديقه يقف بالخارج يبكي بصمت، ركضت نحوه وأنا أبكي وأرجوه:

-عشان خاطري يا حسام قولي إن الخبر ده مش صح وطارق مانتحرش.

-أنا نفسي مش مصدق يا منة، ده كان لسه معايا الصبح وفاطرين مع بعض وكنا بنضحك وبنهزر على كتب كتابكم، امتى ده حصل!

أخبرني بحيرةٍ وحزنٍ عارم، فقلت له برجاء:

-طيب دخلني له، عايزة أشوفه.

-ماينفعش، مفيش حد هيدخل عليه، عشان هو هيتحول للطب الشرعي.

شعرت ببرودةٍ تجتاح جسدي وأنا اسمع لحديثه، بينما  لا يزال عقلي يرفض تصديق ما يحدث، التفتُ أبحث عن والدي ولكنني لم أجده، سوى وهو يأتي من داخل المشفى، فتنهد بقلة حيلة:

-حاولت يا بنتي عشان تدخلي، بس رفضوا، ومشددين الوضع، يلا بينا مالوش لزمة الوقفة كده.

-لا يا بابا، أنا لا يمكن أسيب طارق أبدًا.

اقترب “حسام” منا وهمس بتوجس:

-منة لازم تسمعي كلام والدك، ياسر أخو طارق طلع وممكن ومش هيسيبك إلا وانتي في السجن بأي تهمة، الأفضل إنك تمشي أحسن دلوقتي.

نظرت خلفي  فوجدته بالفعل يقف وهو ينظر نحوي بشرٍ وغل، فشعرت بقشعريرةٍ

تسري في جسدي من نظراته المخيفة، فاستسلمت لأوامر والدي وأنا اتمزق حزنًا على حبيبي طارق.

****

مر يومان وأنا لا أزال أبكي حزنًا ولم أفعل شيئًا سوى النظر إلى صورنا معًا اتمعن بها بحسرة وحيرة وأسأله لِمَ فارقت الحياة؟ لِمَ تركتني وحدي؟! ألم ترأف بفؤادي وانكساره؟!

دخل والدي  إلى غرفتي وعلى وجهه علامات غامضة وإمارات التوتر ترتسم عليه، فاقترب مني وقال بصوتٍ رخيم:

-منة أنا كنت عايز أتكلم معاكي في حاجة ضروري.

خرج همسي مبحوحًا:

-اتفضل يا بابا.

زفر والدي بحيرة وهو يقول:

-أنا وفاة طارق دي مش داخلة دماغي، ومش قادر اصدق، بس اللي مش قادر افهمه حاجة واحدة.

عبست بوجهي وأنا أسأله:

-إيه هي؟!

-وقت ما كنتي في المستشفى مع حسام صاحبه، أنا سيبتك وحاولت ادخل جوه اكلم أي حد من الممرضين واديله قرشين ويدخلك تشوفيه، بس في ممرضة أخدت واديت معاها في الكلام وقالتلي إنهم مشددين حد يدخل عليه التلاجة، وإنه كان جاي مضروب بتلت رصاصات، ازاي يا بنتي واحد منتحر ويموت بتلت رصاصات.

انكمش وجههي في بادئ الامر بعدم فهم، حتى وصل إليّ المغزى من حديث والدي، فوقفتُ بصدمة وأنا أقول:

-أنت متأكد يا بابا، إنها قالتلك كده؟

-أيوه يا بنتي والله، الموضوع فيه حاجة غلط، وطارق مات مقتول أنا قلبي حاسس بكده.

اندفعت والدتي التي يبدو أنها كانت تستمع للحوار، وهي توجه حديثها لوالدي:

-ملناش دعوة يا عبد الله، طارق خلاص مات وسره معاه، بلاش ندخل في حوارات احنا ملناش دخل فيها.

-انتي بتقولي أيه يا ماما، ده طارق!

زفرت والدتي بضيق:

-طارق الله يرحمه يا بنتي مات، بلاش تدخلي نفسك في مشاكل أكبر منك، الناس دي واصلة أوي وهتتأذي منهم، واحنا مش قدهم يا بنتي.

صرختُ بصوت مذبوح بالقهر:

-هقف في وشهم لغاية ما أجيب حق طارق يا ماما ومش هخاف.

-لازم تخافي يا منة، أنا معنديش إلا انتي، وطارق راح للي خلقه، وبعدين ما يمكن الممرضة غلطت يا بنتي وضحكت على أبوكي.

وقف والدي وفاجأني بمفاجأة أخرى جعلتني مصدومة:

-لا ماضحكتش، اللي ماحدش يعرفه إني شوفت جثته بنفسي، الممرضة لما أخدت فلوس مني واتحايلت عليها دخلتني وشوفت ٣ طلقات في جسمه، طارق ما ماتش منتحر وأنا مش قادر اسكت، ضميري بيعذبني.

انهمرت دموعي على وجههي وعاتبتُ والدي:

-ازاي يا بابا تسكت وماتقوليش، كنت قلبت الدنيا وجبت حقه.

استمعتُ إلى صراخ والدتي وهي تُلقي بكل لومها على والدي:

-شوفت يا عبدالله هاتضيع البت اللي حيلتنا، منة أنتي لو اتكلمتي أهله مش هيسكتوا.

التزمتُ الصمت على مضض وأنا أرى انهيارها، فخشيتُ أن يحدث لها شيء بسببي، لذا احتضنتها وأنا أقول بهدوء يناقض نيران الانتقام التي اشتعلت في صدري:

-خلاص يا ماما حقك عليا، اهدي ومش هعمل حاجة.

ابتعدت والدتي عني تسألني بشك:

-بجد يا منة؟!

حركت رأسي إيجابًا ولم استطع التفوه بكلمة أخرى، بينما نظرات والدي جعلتني اتأكد أن ما سأفعله هو الصحيح، الثأر لمن اختارني لأكون عالمه.

خرج والداي وبقيتُ وحدي أفكر مليًا قبل اتخاذ أي خطوة؛ فالتعامل مع هؤلاء الأشخاص يستوجب الحذر، ورغمًا عني مال عقلي إلى تخيلات عن الليلة التي توفى فيها طارق، فتخيلتُ شجارًا حادًا  اندلع بينه وبين أبيه بسببي وبسبب عقد القران، فانتهى الأمر بقتله ولكن لا ليس من الطبيعي أن يقتله والده، ربما والدته؟ حركتُ رأسي من بعدها رافضةً لذلك التخيل، وما أثار جنوني وغضبي وحقدي أنه لو كان طارق قد قُتل بالفعل، سيكون القاتل ذلك المتبجح والمتكبر “ياسر” أخاه..

وبعد وقت طويل من التفكير، قررت أن استعين بحسام صديق عمره، فبحثت في هاتفي عن رقمه بلهفة حتى وجدته أخيرًا في إحدى المحادثات بيني وبين طارق، أجريت اتصالاً به وما أن أتى إليّ صوته حتى قلت بلهفة:

-ألو، حسام أنا أبقى منة خطيبة…

توقفتُ لحظة ابتلع لعابي بحرقة، فسمعته يقول بصوت حزين متفهم:

-أيوه، أهلاً يا منة، أخبارك؟

تنهدتُ بعمق وأنا أجيب بحسرة:

-مش بخير خالص، حسام أنا عايزة أسألك سؤال.

-أكيد اتفضلي أنا تحت أمرك.

قبضتُ يدي وأنا أجاهد تفكيري المظلم، فقلتُ بارتباك:

-أنت قريت التقرير الطب الشرعي بتاع وفاة طارق؟

شعرتُ بتعجبه ولكنني سمعته يجيب بهدوء:

-اه، مات منتحر بعد ما ضرب نفسه بطلقة من مسدسه ومات في الحال.

أغلقتُ عيني بقوة أجاهد نفسي كي لا أصرخ وأخبر العالم بأجمعه عن حقيقة وفاة حبيبي، فقلت له بحذر وغموض:

-وانت مصدق أنه مات منتحر، حسام أنت اكتر واحد عارف وأدرى بصاحبك، هل طارق يموت منتحر، طيب المنتحر مبيبقاش مكتئب مثلاً، معقولة يكون عايش حياته وبيضحك وبيهزر وبيجهز لكتب كتابه وشقته، وفجأة نسمع أنه مات منتحر، طيب أنت شوفت جثته؟

-لا ماشوفتوش، كانوا مشددين الدخول عليه، أهله بس اللي دخلوا.

ابتسمتُ بسخرية، وأنا أتاكد أكثر أن وفاته لم تكن طبيعية، فقال:

-منة، في حاجة عايزة تقوليها؟

تحليتُ بالقوة وأنا أخبره بحديث والدي وشكوكي:

-اه بابا يوم الوفاة، ادى الممرضة فلوس وهي قالتله انه مضروب ٣ طلقات، ولما مصدقش دخلته وشاف جثته بعينه، أظن إن بابا مش من مصلحته إنه هو يألف حاجة زي دي.

-أنتي متأكدة؟؟

-أنا واثقة في بابا، زي ما أنا واثقة إنك الشخص الوحيد اللي تقدر تساعدني ونجيب حق طارق.

قلتُ له وأنا على يقين أنه لن يتركني وحدي، فحكايات طارق عنه لن أنساها أبدًا، وبالفعل استمعت إليه يقول:

-ابعتيلي رقم والدك، أنا محتاج أتكلم معاه وأسأله كام سؤال، واوعي تغلطي وتعملي حاجة يا منة، وأنا اوعدك إن أنا هتأكد بنفسي من الموضوع.

روادني شكوك بسيطة أن يتركني وحدي في مهب الرياح، ولكني تمسكت بحديث طارق عنه، أبديت موافقتي على حديثه:

-تمام، بس عشان خاطري لو عرفت حاجة قولي.

-ده أكيد.

أغلقتُ الاتصال وتسللتُ إلى الخارج حيث كان والدي يجلس أمام التلفاز، فانحنيتُ نحوه وأنا أقول بهمس حتى لا تسمع والدتي:

-بابا، أنا كلمت حسام صاحب طارق أكيد فاكره وهو طلب رقمك عايز يستفسر منك على شوية حاجات.

فرفعت رأسي إليهم وأنا واوجهتهم بقوةٍ وسخطٍ انبثق من حسرتي: -أكيد انتوا اللي ضايقتوه بالكلام، أكيد اتخانقتوا معاه وهو ماستحملش، بس لا هو مايعملش كده أبدًا. -وأهو عمل يا بومة، عمل وانتحر بسببك، دمرتي حياتنا وابني مات مني. فوجدتُ ياسر يدفعني للخلف أنا ووالدي ويصرخ بصوتٍ هز أرجاء المشفى: -اطلعوا برة، خرجوهم، مش عايز اشوفهم أبدًا. التف حولي رجال لم أعرف من أين أتوا، وحاولوا دفعي أنا ووالدي إلا أن والدي صاح بهم غاضبًا: -اوعوا تلمسوها، اوعوا عن بنتي. واحتضني والدي بخوفٍ كبير وحركني إلى خارج المشفى، بينما كانت خطواتي ثقيلة وانظر بين حينٍ وآخر بعدم تصديق، متمنيةً أن أراه لأوكد لعقلي الثائر والرافض لانتحاره. فوجدت “حسام” صديقه يقف بالخارج يبكي بصمت، ركضت نحوه وأنا أبكي وأرجوه: -عشان خاطري يا حسام قولي إن الخبر ده مش صح وطارق مانتحرش. -أنا نفسي مش مصدق يا منة، ده كان لسه معايا الصبح وفاطرين مع بعض وكنا بنضحك وبنهزر على كتب كتابكم، امتى ده حصل! أخبرني بحيرةٍ وحزنٍ عارم، فقلت له برجاء: -طيب دخلني له، عايزة أشوفه. -ماينفعش، مفيش حد هيدخل عليه، عشان هو هيتحول للطب الشرعي. شعرت ببرودةٍ تجتاح جسدي وأنا اسمع لحديثه، بينما  لا يزال عقلي يرفض تصديق ما يحدث، التفتُ أبحث عن والدي ولكنني لم أجده، سوى وهو يأتي من داخل المشفى، فتنهد بقلة حيلة: -حاولت يا بنتي عشان تدخلي، بس رفضوا، ومشددين الوضع، يلا بينا مالوش لزمة الوقفة كده. -لا يا بابا، أنا لا يمكن أسيب طارق أبدًا. اقترب “حسام” منا وهمس بتوجس: -منة لازم تسمعي كلام والدك، ياسر أخو طارق طلع وممكن ومش هيسيبك إلا وانتي في السجن بأي تهمة، الأفضل إنك تمشي أحسن دلوقتي. نظرت خلفي  فوجدته بالفعل يقف وهو ينظر نحوي بشرٍ وغل، فشعرت بقشعريرةٍ
تسري في جسدي من نظراته المخيفة، فاستسلمت لأوامر والدي وأنا اتمزق حزنًا على حبيبي طارق. **** مر يومان وأنا لا أزال أبكي حزنًا ولم أفعل شيئًا سوى النظر إلى صورنا معًا اتمعن بها بحسرة وحيرة وأسأله لِمَ فارقت الحياة؟ لِمَ تركتني وحدي؟! ألم ترأف بفؤادي وانكساره؟! دخل والدي  إلى غرفتي وعلى وجهه علامات غامضة وإمارات التوتر ترتسم عليه، فاقترب مني وقال بصوتٍ رخيم: -منة أنا كنت عايز أتكلم معاكي في حاجة ضروري. خرج همسي مبحوحًا: -اتفضل يا بابا. زفر والدي بحيرة وهو يقول: -أنا وفاة طارق دي مش داخلة دماغي، ومش قادر اصدق، بس اللي مش قادر افهمه حاجة واحدة. عبست بوجهي وأنا أسأله: -إيه هي؟! -وقت ما كنتي في المستشفى مع حسام صاحبه، أنا سيبتك وحاولت ادخل جوه اكلم أي حد من الممرضين واديله قرشين ويدخلك تشوفيه، بس في ممرضة أخدت واديت معاها في الكلام وقالتلي إنهم مشددين حد يدخل عليه التلاجة، وإنه كان جاي مضروب بتلت رصاصات، ازاي يا بنتي واحد منتحر ويموت بتلت رصاصات. انكمش وجههي في بادئ الامر بعدم فهم، حتى وصل إليّ المغزى من حديث والدي، فوقفتُ بصدمة وأنا أقول: -أنت متأكد يا بابا، إنها قالتلك كده؟ -أيوه يا بنتي والله، الموضوع فيه حاجة غلط، وطارق مات مقتول أنا قلبي حاسس بكده. اندفعت والدتي التي يبدو أنها كانت تستمع للحوار، وهي توجه حديثها لوالدي: -ملناش دعوة يا عبد الله، طارق خلاص مات وسره معاه، بلاش ندخل في حوارات احنا ملناش دخل فيها. -انتي بتقولي أيه يا ماما، ده طارق! زفرت والدتي بضيق: -طارق الله يرحمه يا بنتي مات، بلاش تدخلي نفسك في مشاكل أكبر منك، الناس دي واصلة أوي وهتتأذي منهم، واحنا مش قدهم يا بنتي. صرختُ بصوت مذبوح بالقهر: -هقف في وشهم لغاية ما أجيب
حق طارق يا ماما ومش هخاف. -لازم تخافي يا منة، أنا معنديش إلا انتي، وطارق راح للي خلقه، وبعدين ما يمكن الممرضة غلطت يا بنتي وضحكت على أبوكي. وقف والدي وفاجأني بمفاجأة أخرى جعلتني مصدومة: -لا ماضحكتش، اللي ماحدش يعرفه إني شوفت جثته بنفسي، الممرضة لما أخدت فلوس مني واتحايلت عليها دخلتني وشوفت ٣ طلقات في جسمه، طارق ما ماتش منتحر وأنا مش قادر اسكت، ضميري بيعذبني. انهمرت دموعي على وجههي وعاتبتُ والدي: -ازاي يا بابا تسكت وماتقوليش، كنت قلبت الدنيا وجبت حقه. استمعتُ إلى صراخ والدتي وهي تُلقي بكل لومها على والدي: -شوفت يا عبدالله هاتضيع البت اللي حيلتنا، منة أنتي لو اتكلمتي أهله مش هيسكتوا. التزمتُ الصمت على مضض وأنا أرى انهيارها، فخشيتُ أن يحدث لها شيء بسببي، لذا احتضنتها وأنا أقول بهدوء يناقض نيران الانتقام التي اشتعلت في صدري: -خلاص يا ماما حقك عليا، اهدي ومش هعمل حاجة. ابتعدت والدتي عني تسألني بشك: -بجد يا منة؟! حركت رأسي إيجابًا ولم استطع التفوه بكلمة أخرى، بينما نظرات والدي جعلتني اتأكد أن ما سأفعله هو الصحيح، الثأر لمن اختارني لأكون عالمه. خرج والداي وبقيتُ وحدي أفكر مليًا قبل اتخاذ أي خطوة؛ فالتعامل مع هؤلاء الأشخاص يستوجب الحذر، ورغمًا عني مال عقلي إلى تخيلات عن الليلة التي توفى فيها طارق، فتخيلتُ شجارًا حادًا  اندلع بينه وبين أبيه بسببي وبسبب عقد القران، فانتهى الأمر بقتله ولكن لا ليس من الطبيعي أن يقتله والده، ربما والدته؟ حركتُ رأسي من بعدها رافضةً لذلك التخيل، وما أثار جنوني وغضبي وحقدي أنه لو كان طارق قد قُتل بالفعل، سيكون القاتل ذلك المتبجح والمتكبر “ياسر” أخاه.. وبعد وقت طويل من التفكير، قررت أن استعين بحسام صديق عمره، فبحثت في هاتفي عن رقمه بلهفة حتى وجدته أخيرًا في إحدى المحادثات بيني وبين طارق، أجريت اتصالاً به وما أن أتى إليّ صوته حتى قلت بلهفة: -ألو، حسام أنا أبقى منة خطيبة… توقفتُ لحظة ابتلع لعابي بحرقة، فسمعته يقول بصوت حزين متفهم: -أيوه، أهلاً يا منة، أخبارك؟ تنهدتُ بعمق وأنا أجيب بحسرة: -مش بخير خالص، حسام أنا عايزة أسألك سؤال. -أكيد اتفضلي أنا تحت أمرك. قبضتُ يدي وأنا أجاهد تفكيري المظلم، فقلتُ بارتباك: -أنت قريت التقرير الطب الشرعي بتاع وفاة طارق؟ شعرتُ بتعجبه ولكنني سمعته يجيب بهدوء: -اه، مات منتحر بعد ما ضرب نفسه بطلقة من مسدسه ومات في الحال. أغلقتُ عيني بقوة أجاهد نفسي كي لا أصرخ وأخبر العالم بأجمعه عن حقيقة وفاة حبيبي، فقلت له بحذر وغموض: -وانت مصدق أنه مات منتحر، حسام أنت اكتر واحد عارف وأدرى بصاحبك، هل طارق يموت منتحر، طيب المنتحر مبيبقاش مكتئب مثلاً، معقولة يكون عايش حياته وبيضحك وبيهزر وبيجهز لكتب كتابه وشقته، وفجأة نسمع أنه مات منتحر، طيب أنت شوفت جثته؟ -لا ماشوفتوش، كانوا مشددين الدخول عليه، أهله بس اللي دخلوا. ابتسمتُ بسخرية، وأنا أتاكد أكثر أن وفاته لم تكن طبيعية، فقال: -منة، في حاجة عايزة تقوليها؟ تحليتُ بالقوة وأنا أخبره بحديث والدي وشكوكي: -اه بابا يوم الوفاة، ادى الممرضة فلوس وهي قالتله انه مضروب ٣ طلقات، ولما مصدقش دخلته وشاف جثته بعينه، أظن إن بابا مش من مصلحته إنه هو يألف حاجة زي دي. -أنتي متأكدة؟؟ -أنا واثقة في بابا، زي ما أنا واثقة إنك الشخص الوحيد اللي تقدر تساعدني ونجيب حق طارق. قلتُ له وأنا على يقين أنه لن يتركني وحدي، فحكايات طارق عنه لن أنساها أبدًا، وبالفعل استمعت إليه يقول: -ابعتيلي رقم والدك، أنا محتاج أتكلم معاه وأسأله كام سؤال، واوعي تغلطي وتعملي حاجة يا منة، وأنا اوعدك إن أنا هتأكد بنفسي من الموضوع. روادني شكوك بسيطة أن يتركني وحدي في مهب الرياح، ولكني تمسكت بحديث طارق عنه، أبديت موافقتي على حديثه: -تمام، بس عشان خاطري لو عرفت حاجة قولي. -ده أكيد. أغلقتُ الاتصال وتسللتُ إلى الخارج حيث كان والدي يجلس أمام التلفاز، فانحنيتُ نحوه وأنا أقول بهمس حتى لا تسمع والدتي: -بابا، أنا كلمت حسام صاحب طارق أكيد فاكره وهو طلب رقمك عايز يستفسر منك على شوية حاجات.
تم نسخ الرابط