كان لك معايا – الجزء الثالث والأخير

كان لك معايا – الجزء الثالث والأخير
كان لك معايا – الجزء الثالث والأخير

تفتح مي باب شقتها، تدخل باتجاه الصالة، تبحث عن أمها فتطمئن أنها نامت. تجلس على الأريكة مستلقية، تضع حقيبتها بجانبها، وهي لا تعرف ذلك الشعور الذي يتملكها. تشعر بالسعادة لأنها استطاعت مساعدة يوسف، لكنها في الوقت نفسه تخشى ما سيحدث. غير أن أكثر ما يعكر صفوها هو ذلك الإحساس الذي يقودها نحو يوسف بجنون. تشعر وكأنها كانت تقف على أعلى نقطة في جبل، ثم هوت بلا هوادة، وارتطمت بواقع أن قلبها لا يزال يمتلك القدرة على الحب. كانت تظن أنها قد أوصدته بكل قوتها، لكنها الآن تضعف، بل أكثر من ذلك، تشعر أنها لا تملك قوة السيطرة على تلك المشاعر الجارفة التي تأخذها نحو طريق لا تعلم نهايته.)

(تشاهد صورة أبيها أمامها، فتنظر إليها وكأنها تسأله: هل توافق على ذلك الشعور؟ ولكن بالطبع لن تجد الإجابة. تنهدت ببطء، حتى سمعت صوت باب غرفة أمها يفتح. تتوجه إليها الأم بهدوء وعطف، تحتضنها وتبادرها بالحديث.)

الأم: “فكراني نمت طبعًا؟ تفتكري أقدر أنام من غير ما أطمن عليكي؟”

مي (مازحة): “بصراحة استغربت، لأنك متصلتيش بيا، ولا قولتيلي اتأخرت ليه، فقلت أكيد خدتي العلاج ونمتي.”

الأم (في هدوء وهي تجلس بجانبها): “أولًا مخدتش العلاج، لأني متعودة إنك إنتي اللي تدهولي، ثانيًا متصلتش علشان مضايقكيش.”

مي (باستغراب): “وأنا إيه اللي هيضايقني؟”

الأم: “متفهمنيش غلط، قصدي إني قلت أسيبك تفكري مع نفسك شوية…” (بمكر) “ومع يوسف.”

مي (بخجل): “يوسف؟!”

(تعتدل الأم في جلستها، وتنظر إليها بحنان.)

الأم: “آه يوسف يا مي، أنا أمك، حافظاكي وعارفاكي أكتر من نفسك. من زمان مشوفتكيش بالحالة دي… فرحانة، وهادية، بحس إن لما بيكلمك بتكوني مبسوطة. بصي كده من الآخر، إنتي بتحبي يوسف، صح؟”

مي (ترد بخجل وتردد): “بحبه إيه بس

يا ماما، كل الموضوع إنه في مشكلة وأنا بحاول أساعده… إنتي عارفة إني قافلة باب الموضوع ده من زمان.”

الأم: “طيب، أنا هقولك كلمتين وإنتي حرة يا بنتي… الإنسان ساعات بيفتكر إن قراراته صح، وإنه أكتر حد عارف مصلحة نفسه، لكن العمر يا بنتي بيفرق… في الخبرة، وفهم الناس. وربنا سبحانه وتعالى خلق الكون كله فيه الحلو والوحش، مش معنى إننا قابلنا الوحش في الأول إننا مش هنقابل الحلو. فلما نقابله لازم نحافظ عليه.” (في حب) “إدي لنفسك فرصة يا بنتي، أنا نفسي أطمن عليكي قبل ما أسيبك وأقابل وجه كريم.”

(تحتضنها مي بعاطفة.)

مي: “بعد الشر عنك يا ست الكل!”

الأم: “توعديني؟”

(تنظر إليها مي في خجل.)

مي: “أوعدك.”

حيرت قلبي معاك

يوسف يجلس أمام شرفته في جلسته المعتادة، وصوت السيدة أم كلثوم يصدح في الخلفية بأغنيتها حيرت قلبي معاك، وتحديدًا مقطع:

بدي أشكي لك من نار حبي، بدي أحكي لك عن اللي في قلبي، وأقول لك عن اللي سهرني… وأقول لك عن اللي بكاني…”

يتنهد يوسف مع سماع تلك الكلمات، تنهيدة تدل على الصراع بداخله. تغيب عيناه للحظات، متذكرًا مي، يتأملها في خياله، وهي تتحدث، وهي تبتسم، وهي جادة… كل شيء كان هي، وكأنها الفرصة الوحيدة لاستعادة ذاته الضائعة منذ سنوات.

ولكن ما أصعب تلك الحياة… حينما تبتسم لك، تأتي أيضًا بما لا تشتهيه. لم يكن يتخيل أن تأتيه الخيانة من صديق الدرب، من محسن. يتذكر كيف كانا في ريعان شبابهما، يقاتلان معًا من أجل تحقيق ذاتيهما، يتذكر أول فرحة انتصار، يوم ركضا في الشارع مهللين، والناس تنظر إليهما وكأنهما طفلان أو مجذوبان. يتذكر فرحته بزواجه، وكيف كان محسن بجانبه، واقفًا معه في كل لحظاته.

لماذا تغيّر إلى هذه الدرجة؟
هل السلطة والمال يدمران ذات الإنسان، يجعلان منه آلة نهمة للالتهام والسيطرة؟
أم أنه الحقد؟

هو يعلم تمامًا فشل محسن في كل علاقاته العاطفية. نصحه كثيرًا:
عليك أن تحب، لا أن تسيطر.”

لكن محسن لم يتعلم، بل ظل يعيد نفس الخطأ، وكأنه يهرب من شيء لا يفهمه. لم ينسَ يوسف قصة والدي محسن، كيف كانت والدته مسيطرة في كل القرارات، مما جعل الحياة مستحيلة بينهما. قرر محسن بعد ذلك أن يكون هو صاحب الكلمة في كل شيء، حتى في المشاعر.

يجب أن تحبني كما أريد، تبتسم حينما أريد، تأكل حينما أريد.”

كان يحب أن تخضع له كل النساء بلا تساؤلات. جانب مظلم من شخصية محسن، ربما هو نفسه لا يدركه، لكنه يحيا على أساسه. فشلت تجربة تلو الأخرى، ولم يتعلم، بل كان سعيدًا بعلاقاته المتعددة، رغم أن أغلبها في النهاية تحولت إلى علاقات سامة ومُلوثة. دائرة مغلقة، لن يستطيع الخروج منها.

لكن أكثر ما كان يُقلق يوسف هو تلك اللحظة التي سيواجه فيها صديق العمر… كيف سيكون متماسكًا أمامه؟

هو يعلم في قرارة نفسه أنه يلين سريعًا، فقد علمته زوجته كيف يرقّ، كيف يسامح… لكنها تناست أن تعلّمه كيف ينتقم.

الانتقام رغبة، والرغبة إذا زادت أصبحت شهوة، والشهوات تسيطر على صاحبها.”

هو بالتأكيد لا يريد أن تسيطر عليه فكرة الانتقام، لكنه يعلم أنها ستكون مواجهة صعبة، حتمية، بقرارات يجب أن يتحمل هو وحده عواقبها.

ثم يتذكر مي، يبتسم بهدوء… يدرك أنها ستتحمل معه. لا يعرف حقيقة شعورها، لكنه يرى في عينيها كل الحب.

صوت الموسيقى يضعه في حالة استرخاء واستسلام تام، حينما تشدو أم كلثوم:

وأقول ما شافش الحيرة عليّا لما باسلم، ولا شافش يوم الشوق في عيني راح يتكلم…”

يضحك على نفسه حينما يتنهد، ويشعر أنه الآن كطفل أمام تلك الأنثى، ويتمتم في خجل ملحوظ:

حيرت قلبي معاك…”

 

العودة

يوسف يقف بالقرب من الشركة، ينظر إلى هذا الصرح الكبير الذي بدأ بكيان صغير جدًا. يفخر بهذا الإنجاز الذي حققه، والآن عليه أن يحارب من أجله من جديد. يستند إلى كرسيه، ثم ينظر إلى ساعته، حتى تأتي مي، تفتح باب السيارة، تدخل وتجلس، ثم تحدثه:

مي: أسفة، اتأخرت عليك.”

ينظر إليها يوسف نظرة مطولة، تشعر بالخجل، تحاول أن تخرج من هذا الموقف فتقول بسرعة:

مي: مش يلا بينا ندخل؟

يرد بهدوء وكأنه سعيد بتلك النظرة الخجولة:

يوسف: لا، استني شوية، أنا عايز محسن يكون جوة في مكتبه وكمان شريفة.”

مي: انت هنا من بدري بقى؟

يوسف: معرفتش أنام كويس، انتي مش مدركة ولا متخيلة إيه اللي ممكن يحصل.”

مي: لا، عارفة، علشان كده كنت مصممة أبقى معاك.”

يباغتها بالسؤال:

يوسف: خايفة عليا؟

ترتبك، ثم ترد بتوتر:

مي: يعني… مش مسألة خايفة عليك… هو يعني…” ثم باستسلام: آه يا يوسف، خايفة عليك… ارتحت؟

يبتسم ثم يرد بهدوء:

يوسف: يعني إحساسي مكدبنيش.”

تحمر وجنتاها أكثر، فترد بسرعة محاولة تغيير الموضوع:

مي: انت شايف إن ده وقته؟ بص، أنا هنزل، وانت لما تحب تدخل، ابقى تعالى.”

تعتدل لتفتح باب السيارة، لكن يوسف يمد يده ويمسك بيدها بحب. تنظر إليه، وتشعر أن جسدها كله ينتفض، وضربات قلبها تزداد بقوة عارمة، بينما يحدثها في هدوء، فقد لمح محسن وهو يدخل إلى الشركة:

يوسف: خلاص يا ستّي، هننزل… محسن وصل.”

تسحب مي يدها في هدوء، تحاول أن تتمالك نفسها، ثم تخرج نفسًا عميقًا، وهي تنظر إليه. يبتسم ابتسامة هادئة، ثم يفتح باب السيارة ويخرج منها، وهي الأخرى تسير بجانبه باتجاه الشركة.

المواجهة
يقف محسن أمام مكتبه، يسير بتوتر ملحوظ، ظاهر من حركة يديه، وتعابير وجهه. تفتح شريفة باب المكتب وتدخل مسرعة إليه ثم تحدثه ويبدو عليها التوتر الشديد.

شريفة: في إيه؟ مالك؟ كل اللي يشوفني يقولي روحي لمستر محسن، إيه اللي حصل؟

محسن (ينظر إليها في غضب): يعني مش عارفة إيه اللي حصل؟ (يمسك يديها بقوة) بعتيني تاني لمين يا شريفة؟ انطقي، أديتي الفلاشة لمين تاني؟

شريفة (ترد بخوف): فلاشة إيه يا محسن؟ منا أديتها لك.

محسن (بعنف): بصي يا بت إنتِ، أنا عارف كل حاجة. أوعي تفتكري إن صبري هيعمل حاجة لله وللوطن. أول حاجة باعها كانت إنتِ، يعني من الآخر كده مش عايز لف ودوران. الفلاشة دي راحت لمين تاني؟

شريفة (باستسلام): والله مفيش حد تاني، إنت وصبري وبس.

محسن (بتوتر): بتعملي فيا أنا كده؟ طب يوسف عرف منين؟ قولي لي عرف منين؟

شريفة (تحاول سحب يديها): يعني تفتكر إنّي عبيطة علشان أروح أدي الفلاشة ليوسف؟ أنا في عميل كلمني الصبح وقال لي إنه جاله عرض جديد، وجواب اعتذار رسمي من الشركة. عارفة ده معناه إيه؟ معناه إن يوسف عرف كل حاجة. تقدري تقولي لي ازاي؟

تفتح مي باب شقتها، تدخل باتجاه الصالة، تبحث عن أمها فتطمئن أنها نامت. تجلس على الأريكة مستلقية، تضع حقيبتها بجانبها، وهي لا تعرف ذلك الشعور الذي يتملكها. تشعر بالسعادة لأنها استطاعت مساعدة يوسف، لكنها في الوقت نفسه تخشى ما سيحدث. غير أن أكثر ما يعكر صفوها هو ذلك الإحساس الذي يقودها نحو يوسف بجنون. تشعر وكأنها كانت تقف على أعلى نقطة في جبل، ثم هوت بلا هوادة، وارتطمت بواقع أن قلبها لا يزال يمتلك القدرة على الحب. كانت تظن أنها قد أوصدته بكل قوتها، لكنها الآن تضعف، بل أكثر من ذلك، تشعر أنها لا تملك قوة السيطرة على تلك المشاعر الجارفة التي تأخذها نحو طريق لا تعلم نهايته.) (تشاهد صورة أبيها أمامها، فتنظر إليها وكأنها تسأله: هل توافق على ذلك الشعور؟ ولكن بالطبع لن تجد الإجابة. تنهدت ببطء، حتى سمعت صوت باب غرفة أمها يفتح. تتوجه إليها الأم بهدوء وعطف، تحتضنها وتبادرها بالحديث.) الأم: “فكراني نمت طبعًا؟ تفتكري أقدر أنام من غير ما أطمن عليكي؟” مي (مازحة): “بصراحة استغربت، لأنك متصلتيش بيا، ولا قولتيلي اتأخرت ليه، فقلت أكيد خدتي العلاج ونمتي.” الأم (في هدوء وهي تجلس بجانبها): “أولًا مخدتش العلاج، لأني متعودة إنك إنتي اللي تدهولي، ثانيًا متصلتش علشان مضايقكيش.” مي (باستغراب): “وأنا إيه اللي هيضايقني؟” الأم: “متفهمنيش غلط، قصدي إني قلت أسيبك تفكري مع نفسك شوية…” (بمكر) “ومع يوسف.” مي (بخجل): “يوسف؟!” (تعتدل الأم في جلستها، وتنظر إليها بحنان.) الأم: “آه يوسف يا مي، أنا أمك، حافظاكي وعارفاكي أكتر من نفسك. من زمان مشوفتكيش بالحالة دي… فرحانة، وهادية، بحس إن لما بيكلمك بتكوني مبسوطة. بصي كده من الآخر، إنتي بتحبي يوسف، صح؟” مي (ترد بخجل وتردد): “بحبه إيه بس
يا ماما، كل الموضوع إنه في مشكلة وأنا بحاول أساعده… إنتي عارفة إني قافلة باب الموضوع ده من زمان.” الأم: “طيب، أنا هقولك كلمتين وإنتي حرة يا بنتي… الإنسان ساعات بيفتكر إن قراراته صح، وإنه أكتر حد عارف مصلحة نفسه، لكن العمر يا بنتي بيفرق… في الخبرة، وفهم الناس. وربنا سبحانه وتعالى خلق الكون كله فيه الحلو والوحش، مش معنى إننا قابلنا الوحش في الأول إننا مش هنقابل الحلو. فلما نقابله لازم نحافظ عليه.” (في حب) “إدي لنفسك فرصة يا بنتي، أنا نفسي أطمن عليكي قبل ما أسيبك وأقابل وجه كريم.” (تحتضنها مي بعاطفة.) مي: “بعد الشر عنك يا ست الكل!” الأم: “توعديني؟” (تنظر إليها مي في خجل.) مي: “أوعدك.” حيرت قلبي معاك يوسف يجلس أمام شرفته في جلسته المعتادة، وصوت السيدة أم كلثوم يصدح في الخلفية بأغنيتها “حيرت قلبي معاك“، وتحديدًا مقطع: “بدي أشكي لك من نار حبي، بدي أحكي لك عن اللي في قلبي، وأقول لك عن اللي سهرني… وأقول لك عن اللي بكاني…” يتنهد يوسف مع سماع تلك الكلمات، تنهيدة تدل على الصراع بداخله. تغيب عيناه للحظات، متذكرًا مي، يتأملها في خياله، وهي تتحدث، وهي تبتسم، وهي جادة… كل شيء كان هي، وكأنها الفرصة الوحيدة لاستعادة ذاته الضائعة منذ سنوات. ولكن ما أصعب تلك الحياة… حينما تبتسم لك، تأتي أيضًا بما لا تشتهيه. لم يكن يتخيل أن تأتيه الخيانة من صديق الدرب، من محسن. يتذكر كيف كانا في ريعان شبابهما، يقاتلان معًا من أجل تحقيق ذاتيهما، يتذكر أول فرحة انتصار، يوم ركضا في الشارع مهللين، والناس تنظر إليهما وكأنهما طفلان أو مجذوبان. يتذكر فرحته بزواجه، وكيف كان محسن بجانبه، واقفًا معه في كل لحظاته. لماذا تغيّر إلى هذه الدرجة؟ هل
السلطة والمال يدمران ذات الإنسان، يجعلان منه آلة نهمة للالتهام والسيطرة؟ أم أنه الحقد؟ هو يعلم تمامًا فشل محسن في كل علاقاته العاطفية. نصحه كثيرًا: “عليك أن تحب، لا أن تسيطر.” لكن محسن لم يتعلم، بل ظل يعيد نفس الخطأ، وكأنه يهرب من شيء لا يفهمه. لم ينسَ يوسف قصة والدي محسن، كيف كانت والدته مسيطرة في كل القرارات، مما جعل الحياة مستحيلة بينهما. قرر محسن بعد ذلك أن يكون هو صاحب الكلمة في كل شيء، حتى في المشاعر. “يجب أن تحبني كما أريد، تبتسم حينما أريد، تأكل حينما أريد.” كان يحب أن تخضع له كل النساء بلا تساؤلات. جانب مظلم من شخصية محسن، ربما هو نفسه لا يدركه، لكنه يحيا على أساسه. فشلت تجربة تلو الأخرى، ولم يتعلم، بل كان سعيدًا بعلاقاته المتعددة، رغم أن أغلبها في النهاية تحولت إلى علاقات سامة ومُلوثة. دائرة مغلقة، لن يستطيع الخروج منها. لكن أكثر ما كان يُقلق يوسف هو تلك اللحظة التي سيواجه فيها صديق العمر… كيف سيكون متماسكًا أمامه؟ هو يعلم في قرارة نفسه أنه يلين سريعًا، فقد علمته زوجته كيف يرقّ، كيف يسامح… لكنها تناست أن تعلّمه كيف ينتقم. “الانتقام رغبة، والرغبة إذا زادت أصبحت شهوة، والشهوات تسيطر على صاحبها.” هو بالتأكيد لا يريد أن تسيطر عليه فكرة الانتقام، لكنه يعلم أنها ستكون مواجهة صعبة، حتمية، بقرارات يجب أن يتحمل هو وحده عواقبها. ثم يتذكر مي، يبتسم بهدوء… يدرك أنها ستتحمل معه. لا يعرف حقيقة شعورها، لكنه يرى في عينيها كل الحب. صوت الموسيقى يضعه في حالة استرخاء واستسلام تام، حينما تشدو أم كلثوم: “وأقول ما شافش الحيرة عليّا لما باسلم، ولا شافش يوم الشوق في عيني راح يتكلم…” يضحك على نفسه حينما يتنهد، ويشعر أنه الآن كطفل أمام تلك الأنثى، ويتمتم في خجل ملحوظ: “حيرت قلبي معاك…”   العودة يوسف يقف بالقرب من الشركة، ينظر إلى هذا الصرح الكبير الذي بدأ بكيان صغير جدًا. يفخر بهذا الإنجاز الذي حققه، والآن عليه أن يحارب من أجله من جديد. يستند إلى كرسيه، ثم ينظر إلى ساعته، حتى تأتي مي، تفتح باب السيارة، تدخل وتجلس، ثم تحدثه: مي: “أسفة، اتأخرت عليك.” ينظر إليها يوسف نظرة مطولة، تشعر بالخجل، تحاول أن تخرج من هذا الموقف فتقول بسرعة: مي: “مش يلا بينا ندخل؟“ يرد بهدوء وكأنه سعيد بتلك النظرة الخجولة: يوسف: “لا، استني شوية، أنا عايز محسن يكون جوة في مكتبه وكمان شريفة.” مي: “انت هنا من بدري بقى؟“ يوسف: “معرفتش أنام كويس، انتي مش مدركة ولا متخيلة إيه اللي ممكن يحصل.” مي: “لا، عارفة، علشان كده كنت مصممة أبقى معاك.” يباغتها بالسؤال: يوسف: “خايفة عليا؟“ ترتبك، ثم ترد بتوتر: مي: “يعني… مش مسألة خايفة عليك… هو يعني…” ثم باستسلام: “آه يا يوسف، خايفة عليك… ارتحت؟“ يبتسم ثم يرد بهدوء: يوسف: “يعني إحساسي مكدبنيش.” تحمر وجنتاها أكثر، فترد بسرعة محاولة تغيير الموضوع: مي: “انت شايف إن ده وقته؟ بص، أنا هنزل، وانت لما تحب تدخل، ابقى تعالى.” تعتدل لتفتح باب السيارة، لكن يوسف يمد يده ويمسك بيدها بحب. تنظر إليه، وتشعر أن جسدها كله ينتفض، وضربات قلبها تزداد بقوة عارمة، بينما يحدثها في هدوء، فقد لمح محسن وهو يدخل إلى الشركة: يوسف: “خلاص يا ستّي، هننزل… محسن وصل.” تسحب مي يدها في هدوء، تحاول أن تتمالك نفسها، ثم تخرج نفسًا عميقًا، وهي تنظر إليه. يبتسم ابتسامة هادئة، ثم يفتح باب السيارة ويخرج منها، وهي الأخرى تسير بجانبه باتجاه الشركة. المواجهة يقف محسن أمام مكتبه، يسير بتوتر ملحوظ، ظاهر من حركة يديه، وتعابير وجهه. تفتح شريفة باب المكتب وتدخل مسرعة إليه ثم تحدثه ويبدو عليها التوتر الشديد. شريفة: في إيه؟ مالك؟ كل اللي يشوفني يقولي روحي لمستر محسن، إيه اللي حصل؟ محسن (ينظر إليها في غضب): يعني مش عارفة إيه اللي حصل؟ (يمسك يديها بقوة) بعتيني تاني لمين يا شريفة؟ انطقي، أديتي الفلاشة لمين تاني؟ شريفة (ترد بخوف): فلاشة إيه يا محسن؟ منا أديتها لك. محسن (بعنف): بصي يا بت إنتِ، أنا عارف كل حاجة. أوعي تفتكري إن صبري هيعمل حاجة لله وللوطن. أول حاجة باعها كانت إنتِ، يعني من الآخر كده مش عايز لف ودوران. الفلاشة دي راحت لمين تاني؟ شريفة (باستسلام): والله مفيش حد تاني، إنت وصبري وبس. محسن (بتوتر): بتعملي فيا أنا كده؟ طب يوسف عرف منين؟ قولي لي عرف منين؟ شريفة (تحاول سحب يديها): يعني تفتكر إنّي عبيطة علشان أروح أدي الفلاشة ليوسف؟ أنا في عميل كلمني الصبح وقال لي إنه جاله عرض جديد، وجواب اعتذار رسمي من الشركة. عارفة ده معناه إيه؟ معناه إن يوسف عرف كل حاجة. تقدري تقولي لي ازاي؟
تم نسخ الرابط