كان لك معايا – الجزء الثالث والأخير
(يفتح يوسف باب المكتب ويدخل في هدوء هو ومي وعاطف. يرتبك محسن ويترك يدي شريفة، ثم يلتفت إلى يوسف ويتجه نحوه ويتحدث معه في خوف).
محسن: يوسف، حمد الله بالسلامة. نورت مكتبك، الشركة كلها منورة بوجودك والله.
يوسف (ينظر إليه بقوة): لا قديم الكلام ده، كملوا كنتوا بتقولوا إيه؟ ولا أقولك أكملك أنا؟
(ينظر محسن إلى عاطف ومي، ويدرك الموقف تمامًا ولكنه يحاول التماسك).
محسن: لا إحنا مكناش بنقول حاجة. ده شريفة كانت باعته بيانات غلط للعملاء، وكنت بفهمها غلطها بس. اتفضل، اتفضل يا يوسف اعقد على مكتبك.
عاطف (ينظر إلى مي في نظرة استغراب، ثم يتحدث يوسف إلى عاطف في هدوء): ما تفرجنا على الفيديوهات دي يا بشمهندس، يمكن يكون مستر محسن مشفهاش ولا حاجة.
(يتجه عاطف إلى المكتب وهو يحرك نظارته).
عاطف: حاضر يا مستر يوسف. (يضع اللاب توب على المكتب ويقوم بتشغيل فيديو السرقة).
يوسف (يتحدث إلى محسن): أنا عارف إنك مش محتاج تتفرج على الفيديو ده، بس علشان ما يكونش في أي كلام تاني بعد اللي هقوله. سيبك إنها استغفلتك، وباعت البيانات لصبري. إنت، بقالك قد إيه بتسرق؟
محسن (يقاطعه بعنف): يوسف، ميصحش اللي بتقوله ده.
يوسف (بالرد بقوة حازمة): إنت تسكت خالص لحد ما أخلص كلامي، فاهم؟ كل التلاعبات في ملف الحسابات موجودة، بحسابك إنت، وكل التحويلات معروفة راحت فين. لكن اللي أنا مستغربه يا أخي، ليه؟ وتيجي منك إنت؟ (يقوم بالخبط على المكتب). أنا قصرت معاك في إيه؟
محسن (يتحدث كأنه يدافع عن حقه): حقي يا أخي، أنا اللي بتعب، أنا اللي بخلص، وإنت بتيجي تاخد على الجاهز. بقالك قد إيه مجتش الشركة؟ بقالك قد إيه متعرفش عنها حاجة؟ من حقي أكون مكانك، الشركة دي
(تحاول شريفة التسلل والخروج من المكتب، لكن يستوقفها يوسف).
يوسف: رايحة فين؟ هو إنتِ فاكرة اللي عملتيه ده هيعدي بالساهل؟ كده كده في قانون يتعامل مع اللي زيك، لكن أنا مش هستخدم أسلوبكم الرخيص. أنا هتعامل بالقانون. اتفضلي اطلعي بره، هنتقابل تاني.
(تخرج شريفة مسرعة، تحاول جمع شتاتها. يتوجه يوسف إلى محسن بالحديث).
يوسف: أما إنت فبرضه القانون هيجيب لي حقّي منك. كل جنيه سرقته، وكل اللي كنت بتحاول تعمله هيتهد على دماغك. هرجعك زي ما كنت للصفر يا محسن، للصفر.
محسن (بعصبية شديدة، وهو يخرج): مش هتقدر يا يوسف، مش هتقدر. كل حاجة تحت إيدي يا يوسف، وريني هتعمل إيه؟
(يخرج محسن ليشاهد مجموعة من الموظفين مجتمعين بالقرب من الباب. يقوم بدفعهم بقوة وهو يتحدث إليهم بعنف).
محسن: واقفين بتتفرجوا على إيه؟ خصم شهر ليكم كلكم، لا رفد.
(ثم يسير باتجاه السلم وينزل مسرعًا).
(تنظر مي إلى يوسف، ويوسف يحاول استجماع قواه، ثم يتحدث إلى الموظفين).
يوسف: مفيش حاجة حصلت يا جماعة، إحنا زي ما إحنا، وهنرجع أقوى من الأول. وأحب أقول لكم إن أول قرار النهاردة، أنا عينت المهندس عاطف مكان مستر محسن. ليه كل الصلاحيات، وهتشاركه في الإدارة. الأنسة مي، وكل واحد فيكم في مكانه زي ما هو. والفترة اللي جاية هتشوفوا تغيير كبير. اتفضلوا على مكاتبكم.
(يتجه الموظفون إلى مكاتبهم، ومي وعاطف ينظرون إلى بعضهم في استغراب شديد. يتجه يوسف ليجلس على كرسي المكتب، ثم يتنهد بقوة. تتجه إليه مي وتضع يديها على كتفه تحاول تهدئته).
صبري يغلق هاتفه ويضعه بقوة على المكتب، ويبدو عليه الانهيار التام. إسراء تقف أمامه في صمت وهدوء، يشعر صبري بالجنون، ويبدأ بالتحدث إلى نفسه:
صبري:
يعني إيه؟ يعني كل اللي عملته راح على الأرض؟ يعني يوسف قدر يقف قصادي تاني؟ وبسبب إيه؟ غباء موظف. هيفضل طول عمره موظف، وحتة بت لا راحت ولا جت.
يقوم صبري برمي الأشياء من على مكتبه بقوة، لتقع على الأرض وتنكسر، كل ذلك وإسراء** تقف في هدوء شديد وتقوم بالتحدث إليه:**
إسراء:
وايه الجديد؟ ما طول عمره بيكسبك، عارف ليه؟ لأنه مش شاغل نفسه بيك، هو شاغل نفسه بنفسه وبس. هيفضل يوسف أزمتك طول حياتك، والفرصة دي مش هتتكرر تاني.
يتجه صبري إليها ويقوم بالإمساك بها بعنف.
صبري:
لا أنا اللي بخلق الفرص يا إسراء، وإنتِ هتفضلي طول عمرك كده. إحنا ما نختلفش عن بعض كتير يا إسراء. إنتِ عندك استعداد تبيعِ أي شيء، ومهما كان، علشان توصلي لأي هدف إنتِ عايزاه. الفرق اللي بيني وبينك إنك ضعيفة، ما بتقدريش تكملِ لآخر، لكن أنا نفسي طويل. هفضل ورا حبيب القلب ده لحد ما أجيبه الأرض، فاهمة؟
إسراء (بترد في هدوء وهي تسحب يديه من عليها):
كان زمان يا صبري. ده أنا تلميذتك. عيب أبقى معاك كل السنين دي وما أتعلمش منك حاجة. إنت اللي علمتني إزاي أنتقم، بس المرة دي أنا هنتقم منك إنت. دقايق وهتلاقي البوليس داخل يقبض عليك. كل بلاويك أنا سلمتها للشرطة، واعترفت على كل حاجة أنا أعرفها. ووريني لما تخرج من السجن هيبقى عندك طاقة تاني تنتقم ولا لأ؟ لأن بلاويك كتير، وأعتقد إنك مش هتخرج بدري أبدًا.
محاولة صبري استيعاب كلامها، وينقلب حديثه إلى هدوء ولطف:
صبري:
يعني إيه يا إسراء؟ إنتِ عملتِ كده بجد؟ يعني بعد العز اللي عيشتِ فيه؟ والعمر ده كله، هتعملي فيا كده؟
يتصاعد في العصبية:
ده أنا أموتك!
إسراء (محافظة على هدوئها):
آه يا صبري، العز اللي عيشتني فيه ده كان علشان خاطر إني بحب يوسف وبس. كنت عاملني لعبة، بتغيظه بيها. بس اكتشفت إني مليش قيمة عنده. واكتشفت كمان إني أنا كلعبة عجبتك.
تدخل الشرطة وصبري** يقف مذهولًا، ولا يستطيع التحدث، وهو ينظر إلى إسراء وعينيه بها رغبة شديدة في الانتقام. تتجه الجنود إليه ويقومون بالإمساك به.**
الضابط (في هدوء):
اتفضل معانا، ومفيش أي داعي للمقاومة.
ينظر صبري إليها ويحدثها بغضب:
صبري:
هقتلك يا إسراء، هقتلك!
إسراء (تنظر إليه وترتسم على شفتيها ابتسامة صغيرة، وهي تشعر بالانتصار).
جنة نعيمى في هواك
يوسف: يجلس على الأريكة بمنزل مي، وهو يرتدي بدلة غاية في الروعة، ويبدو عليه الخجل. بجانبه عاطف، الذي كعادته يمسح نظارته. على الطاولة أمامهم بعض قطع الحلويات والجاتوه. تأتي الأم وهي تحمل صينية وضعت عليها الشربات، وتضعها أمام يوسف وعاطف وتتحدث إليهما:
الأم (وهي تمزج معه):
“مالك يا ابني مكسوف كده ليه؟”
عاطف (مازحًا):
“معلش يا طنط، عريس جديد، متشفهوش في الشركة ده.”
يوسف (يخبطه بركبته ليسكت):
“ولا مكسوف ولا حاجة، بس هي فين مي؟”
الأم (مازحة):
“مستعجل على إيه؟ بكرة تزهق منها، هتفضل معاك العمر كله إن شاء الله.”
تخرج مي من غرفتها، وهي ترتدي فستانًا أسود اللون، باهر الجمال، يجعلها كالقمر المضيء، ويظهر ملامحها الطيبة وبراءتها. ظل يوسف ينظر إليها في صمت، نظرة مطولة تحمل كل معاني الحب واللهفة. لم يقطعه من ذلك الصمت إلا صوت عاطف وهو يحدثه:
عاطف:
“أنا بقول نتوكل على الله ونبعت نجيب المأذون بقى.”
يضحك الجميع، وتقوم الأم فرحة بابنتها، وهي تشدو بزغروطة طويلة، ويوسف لا يزال ينظر إليها، حتى احمرت وجنتاها خجلاً.
فواصل
فرح أسطوري، لــ يوسف و مي، وبحضور كل أفراد الشركة. كان فرحًا تحدث عنه جميع أطياف المجتمع، يجمع بين رجال الأعمال والفنانين، والصحافة والإعلام، وبعض الضيوف من دول أخرى. يوسف ومي كانا في قمة سعادتهما، حيث تألقت مي بفستانها الرائع، الذي جعلها تشع جمالًا في وسط الحضور. أما يوسف، فقد بدا في غاية الفخر والسعادة وهو يقف بجانبها، ويشعر وكأن هذا اليوم هو تتويج لحلمه الذي تحقق أخيرًا.
وحيد: يقف في قفص الاتهام، والقاضي يقوم بالحكم عليه، حكم مخفف ليثبت حالته في ذلك الوقت. ينظر إلى محامي يوسف، وهو يشعر بالارتياح كونه حصل على عقابه المستحق.
شريفة: وُجدت مقتولة في شقتها، ولا أحد يعلم من الجاني حتى هذه اللحظة. وقد أثبتت براءة محسن من تلك القضية، ولكن حكم عليه برد جميع المبالغ التي سحبها من الشركة بدون وجه حق، وخمس سنوات لبقية التهم.
صبري: كعادته، يجلس في محبسه يفكر بالانتقام من يوسف، حتى بعد الحكم عليه بالمؤبد، ليثبت تورطه في أعمال غير مشروعة.
إسراء: قررت الرحيل والسفر إلى دولة أخرى لتبدأ حياتها بهدوء، بعيدًا عن الذكريات، ولتستعيد توازن نفسها مرة أخرى، لربما تعود.
بعد مرور عدة سنوات
يجلس يوسف جلسته المعتادة أمام الشرفة، ولكن في هذه المرة كانت السيدة أم كلثوم تشدو بأغنيتها الشهيرة “روحى وروحك”، وتحديدًا هذا المقطع:
“روحي وروحك في امتزاج في الحب من قبل الوجود، كاس الفراق مالوش علاج والعشق من طبعه الوعود، قالوا الحياة فيها ابتهاج والحب فيه سعد السعود، لكن حياة فيها العذاب والوصل فين لو كان يعود.”
كان يوسف ينظر إلى مي التي كانت تلعب مع ابنتهما أمام حمام السباحة. ينظر إليها في رفق، وحب، وهدوء، تلك التي أعادت إليه حياته، جعلت الحياة تمتلئ كل أركانها بالسعادة. استطاعت أن تكتسب كيانه بالود.
شاهد ابنته الصغيرة وهي تلعب فرحة مع أمها، فهي تشبه أمها إلى حد كبير. يرى فيهما كل ما يحتاج إليه من العالم، لا يريد أي شيء آخر غيرهما. هما إلى الأبد كل شيء.
حتى التفتت مي إليه، ونظرت إليه نظرة مطولة، تحدثت فيها نفسها:
كم أحبته، كم تمنت أن تجد ذلك الحب، والعطاء، والرفق واللين، كم كانت بحاجة إليه، وكم كان بحاجة إليها.
التقيا صدفة بدون ترتيب، وأحبا بعضهما بدون تفسير، واطمئنا إلى بعضهما بدون قيود، والتحمت حياتهما بدون اصفاد.
إن الحب، كلمة من اسهل الكلمات ، ولكنها من اصحب الصفات ، لا يدرك معناها الى من يعيشها حقا ، ويعلم قدرها ، ويستطيع تفهم كل معانيها ، ويزداد يقينا انه حينما يأتي بصدق وإخلاص، يكون هو أفضل مقياس لعطاء الإنسان. هو ما يجعلنا نشعر أننا أحياء، أننا ننبض بتفاصيل الحياة المملة، على استعداد أن نقدم كل التضحيات لمن نحب، أن نتنازل، أن نرضى بكل شيء، وأن نكون على استعداد للتقبل. تقبل الاختلاف، وتقبل تقلبات مشاعرنا، وتقبل الآلام والأحزان، وتقبل لحظات الفرح. تقبل أن يمر العمر، على أن نكون سويًا، على أن نحب.
تمت بفضل الله وحمده
(يفتح يوسف باب المكتب ويدخل في هدوء هو ومي وعاطف. يرتبك محسن ويترك يدي شريفة، ثم يلتفت إلى يوسف ويتجه نحوه ويتحدث معه في خوف). محسن: يوسف، حمد الله بالسلامة. نورت مكتبك، الشركة كلها منورة بوجودك والله. يوسف (ينظر إليه بقوة): لا قديم الكلام ده، كملوا كنتوا بتقولوا إيه؟ ولا أقولك أكملك أنا؟ (ينظر محسن إلى عاطف ومي، ويدرك الموقف تمامًا ولكنه يحاول التماسك). محسن: لا إحنا مكناش بنقول حاجة. ده شريفة كانت باعته بيانات غلط للعملاء، وكنت بفهمها غلطها بس. اتفضل، اتفضل يا يوسف اعقد على مكتبك. عاطف (ينظر إلى مي في نظرة استغراب، ثم يتحدث يوسف إلى عاطف في هدوء): ما تفرجنا على الفيديوهات دي يا بشمهندس، يمكن يكون مستر محسن مشفهاش ولا حاجة. (يتجه عاطف إلى المكتب وهو يحرك نظارته). عاطف: حاضر يا مستر يوسف. (يضع اللاب توب على المكتب ويقوم بتشغيل فيديو السرقة). يوسف (يتحدث إلى محسن): أنا عارف إنك مش محتاج تتفرج على الفيديو ده، بس علشان ما يكونش في أي كلام تاني بعد اللي هقوله. سيبك إنها استغفلتك، وباعت البيانات لصبري. إنت، بقالك قد إيه بتسرق؟ محسن (يقاطعه بعنف): يوسف، ميصحش اللي بتقوله ده. يوسف (بالرد بقوة حازمة): إنت تسكت خالص لحد ما أخلص كلامي، فاهم؟ كل التلاعبات في ملف الحسابات موجودة، بحسابك إنت، وكل التحويلات معروفة راحت فين. لكن اللي أنا مستغربه يا أخي، ليه؟ وتيجي منك إنت؟ (يقوم بالخبط على المكتب). أنا قصرت معاك في إيه؟ محسن (يتحدث كأنه يدافع عن حقه): حقي يا أخي، أنا اللي بتعب، أنا اللي بخلص، وإنت بتيجي تاخد على الجاهز. بقالك قد إيه مجتش الشركة؟ بقالك قد إيه متعرفش عنها حاجة؟ من حقي أكون مكانك، الشركة دي
