ظل العاشق

ظل العاشق
ظل العاشق
ذات مساء، في وقتٍ ما بعد منتصف الليل، كان “يونس” الشاب الثلاثيني ذو الجسد العضلي والملامح القمحية الرجولية، يركب السيارة وجواره رجل في مثل عمره تقريبًا يدعى ادم، يقود السيارة بسرعة فائقة هربًا ممَن يلحقون بهم، كانت أنفاسهم عالية وكأنهم في مارثون عنيف، إلى أن قطع يونس الصمت المشحون بقوله الحذر: -حاول تسوق براحة كدا هنموت. فأجابه الآخر بينما يلتفت خلفه كل حينٍ ومين ليتأكد من ابتعادهم عنهما: -ما انا لو ماسوقتش بسرعة ومسكونا ساعتها هنموت برضو بس في السجن. تنهد يونس بصوتٍ مسموع في قهر وهو يكز على اسنانه، ثم أضاف كأنه يحدث نفسه: -ماكنش المفروض أهرب، أنا غبي.. غبي. فناطحه ادم بقوله الفظ: -الغباء اللي بجد إنك تستسلم وأنت متأكد إنك عمرك ما هتطلع منها. رمقه بنظراتٍ تقطر سخرية وهو يتابع مستنكرًا: -وانا كدا بقى هطلع منها؟ -ايوه، معايا هتطلع منها ومحدش هيساعدك غيري لإن مصلحتنا واحدة. أكد في ثقة تسلقت لأعلى تلال حدقتيه. فيما تشدق يونس بغضب كان مُسلط على نفسه في المقام الاول: -انا ماعرفكش غير بالاسم اصلًا. إلتوى جانب وجهه بشبه ابتسامة مكملًا في برود: -بس انا عارفك كويس، وأنت مصيرك تعرفني ماتقلقش. فلم يملك يونس سوى الصمت وانتظار القدر المحتوم، اما بالنجاة… او بالموت!   ثم بدقائق معدودة، وكأن الموت همَّ بإجابة نداؤه، فطرق ابوابهم معلنًا حضوره.. حيث شعروا فجأة بالرصاص يُمطر السيارة التي يركبونها، حتى اختل توازن السيارة فخرجت عن السيطرة ثم انقلبت عدة مرات بعنف.   مرت عدة أيام على تلك الحادثة، استفاق يونس من غيبوبة قصيرة ليجد نفسه في المستشفى لا يدري المدة التي قضاها فيها.. أخبره الطبيب أنه نجا من ذلك الحادث بمعجزة، وأن رفيقه الآخر قد توفى، ولكن لم تكن تلك الصدمة، بل كانت الصدمة الحقيقية حين أخبره الطبيب أن احتراق
السيارة اثناء الحادث تسبب في تشوه جسيم في وجهه، وأنه لا بد أن يقوم بعملية تجميلية لوجهه حتى يستطع متابعة حياته.   كان يونس امام قرار مصيري في حياته، حيث وسوس له شيطانه أن يستغل ذلك لصالحه وأن يقوم بتلك العملية التجميلية بشرط أن يصبح وجهه نسخة طبق الاصل من وجه “آدم”.. حينها سينجو من السجن، وسيظن الجميع أنه هو مَن مات ولن يلاحقوه، وحينها يتفرغ للتلاعب بهم بطريقته!   بعد ايامٍ تعافى فيها، خرج من المستشفى متوجهًا نحو طبيب تجميل ماهر كان يعرفه مسبقًا لكونه طبيب شرعي سابق وبينهم صداقة سابقة، اقنعه يونس بالقيام بتلك العملية لوجهه دون معرفة اي شخص، رغم رفض الآخر في البداية وقلقه.   وبالفعل أتم يونس العملية التجميلية وأصبح يحمل وجه “آدم السيوفي”! وفي الايام التالية تفرغ بشكلٍ تام لمهمته الجديدة في الحياة؛ حيث أصبح لا يفعل اي شيء سوى البحث في حياة آدم حتى يعرف عنه كل المعلومات التي يحتاجها حتى لا يتم كشفه بسهولة، حتى أنه كان يتدرب على نبرة صوت آدم وملامحه التعبيرية، وساعده في ذلك رجل آدم السيوفي المقرب وذراعه الأيمن، بعد وعد يونس له أن يثأر له ممَن تسببوا في مقتله.   بعد فترة، وصل “يونس” إلى المنزل المنشود والذي كان في احدى المناطق المرموقة، أخذ نفسًا عميقًا وهو يُهيء نفسه لرسم شخصيته الجديدة “آدم السيوفي”، ثم طرق الباب وبعد لحظات فُتح الباب وأدخلته الخادمة للداخل، وبعد قليل أتاه “مدحت”، رجل في بداية الخمسينات من عمره، تهادى التوتر البادي على قسمات مدحت لمرأى يونس، فتعمد أن يُريح جسده للخلف على الاريكة بهدوء تام مثير للقلق في نفس مدحت الذي بدأ حديثه معربًا عن توتره الذي يشن هجومًا كاسحًا على
كافة خلاياه هذه اللحظات: -ماتوقعتش إنك تيجي لحد بيتي! كانت رده التالي كبسط لسطوته رغم خفوته الهادئ: -ما أنت عارف إن آدم السيوفي ماحدش يقدر يتوقعه. سأله محاولًا التماسك بذرات الثبات الهاربة: -عايز إيه يا آدم وجاي لحد بيتي ليه؟ ولكن الآخر لم يتخل عن بروده الحاد المثير لأعصاب الماثل امامه: -نتكلم وهتعرف جاي ليه وهتنفذ اللي أنا عاوزه. جهر باستنكاره الغير مصدق: -دا أنت جاي تهددني بقى؟ اتشحت نبرة “يونس” بالبرود المبطن بوعيد مُخيف: -آدم السيوفي مش بتاع تهديد، بتاع تنفيذ على طول. ابتلع ريقه دون قول شيء مؤكدًا بصمته على حديثه، فيما أكمل آدم بصوته الرخيم: -اتفضل اقعد، واسمعني للأخر قبل ما ترد بأي رد، عشان عرضي مابيتكررش مرتين. تنهد مدحت مطولًا قبل أن يحثه على البدء: -سامعك. احتدت حروفه كحد السيف على رقبة مدحت المهتز امامه: -أنت كنت غلطت في حقي، وحاولت تخوني، وانت عارف نهاية اللي بيخوني إيه، لكن في دية ممكن تقدمهالي بدل حياتك. -دية إيه؟ استفسر في توجس تحول لصدمة تباينت حينما سمعه يضيف: -بنتك ليلى. فـ صاح بذهول: -إيه! بنتي!! مستحيل. نهره يونس بصرامة شكلت مزيج ناري مع عينيه اللتان اشتدتا ظلمتهما: -قولتلك ماتردش قبل ما تفكر كويس، أنا سمعت إنك عايز تجوز بنتك لراجل قدك تقريبًا عشان يحميك ويحمي شغلك مني، بس كل دا مش هيجيب نتيجة معايا لو عايز أدمرك. غمغم في استهجان : -أنت عايزني أبيعلك بنتي!! اخبره بصوت أجش تجانس مع ثقة لا تقبل التشكيك: -أنا هتجوزها، وأظن نسب آدم السيوفي أحسن بكتير وضمان أكبر لحمايتك من الجوازة اللي تعر اللي كنت عايز تجوزهالها. -ليلى مش هتوافق. قالها في تردد ظنًا منه أنها ستكون العائق امام ما يفكر به يونس الذي لوى شفتاه ساخرًا: -ماهي كدا كدا مش موافقة تتجوز واحد قد أبوها!
تم نسخ الرابط