بير مسعود
_ على امك .. ده انت قعدت فى بطنى تسع شهور مش عايزنى اعرف انت بتفكر فى ايه
دخل طارق الي غرفته .. كانت صديقته الايطالية الشقراء قد ارسلت له العديد من الرسائل .. اكتفي بردود مقتضبة واخبرها انه سيذهب الي النوم .. مكث ساعتين في فراشه وهو مفتوح العينين حتي استطاع النوم .. في اليوم التالي وهو يقف في شرفة غرفته كان يفكر في كل ما سمعه عن دنيا .. كان يعرف ان تلك المعلومات التي عرفها الجميع عنها ستجعل الكثير من الرجال يطمعون في التقرب منها .. لم يكن يعرف هل اهتمامه بها وبأمرها مجرد فضول ام ان هناك شيئا اخر لا يعرفه .. افاق من شروده ليجد نفسه كان ينظر باتجاه نافذة شقة دنيا التي كانت تقف في النافذة وتنظر له باستغراب .. دخل الي غرفته سريعا وقد احمر وجهه خجلا ..
في المساء عندما عاد من عمله رأي دنيا تجلس الى منضدة السفرة وهى تمسك فى يدها بعض النقود وامامها تضع العديد من علب الادوية الخاصة بوالدها وتقوم بمحاولة حساب النقود ويبدو عليها الاحباط الشديد وعينيها تنساب منها الدموع .. كان يريد ان يكون بالقرب منها ليمسح عن وجنتيها تلك الدموع التي انسابت من عينيها ولكنها لم تكن تعرف حتي ان هناك من يراها وهي تبكي ..
تسمع دنيا طرقات خفيفة علي باب شقتها وعندما تفتح الباب تفاجئ ببكري يقف امام الباب مبتسما لها
_ مساء الخير
تنظر له بدهشة
_ مساء النور
_ انا بكري .. بكري الحلو ابن المعلم رمضان الحلو صاحب محل قطع غيار السيارات اللي علي ناصية الشارع
_ اه اهلا
_ معلش ان انا جيت كده من
يتوقف حتي رد فعلها ولكنها تستمر في النظر له دون ان تتكلم فيكمل هو حديثه
اصل انا كنت عرفت يعني ان ظروفك المادية مش قد كده
عقدت حاجبيها مستنكرة ما يقوله
_ وده عرفته ازاي ومن مين ؟؟
يبتسم بكري محاولا تخفيف حدة الموقف
_ يا ست الكل احنا في منطقة شعبية .. يعني لو علي اول الشارع واحد عطس اللي في اخر الشارع هيقوله يرحمكم الله
نظر لها فوجدها تنظر له بعدم اقتناع
وعشان اريحك السمسار اللي جابكم هنا صاحب ابويا ومبيخبيش عنه حاجة
_ تمام .. عرفت من السمسار ان ظروفي وحشة .. عايز ايه بقي
يقترب منها اكثر وهو يبتسم
_ عايز اساعدك
_ مقابل ايه ؟
_ هو لازم كل حاجة بمقابل .. مفيش حاجة جدعنة يعني ؟
_ لو زي ما بتقول كده مكنتش طلعتلي لوحدك بالليل وانت عارف ان مش معايا الا بابا وده راجل كبير وعيان
لم يكن امام بكري الا ان ينصرف فقد لمح في عيني دنيا انها لن تلين امام حاجتها للمال وانها ليست كما كان يظن بها .. اتجه ليخرج من منزلها ولكن قبل ان يتجاوز باب المنزل للخارج تفاجئ بيد قوية تجذبه الي الداخل مرة اخري .. كان طارق الذي برز له من الظلام وقد وضع ساعده علي عنق بكري بقوة وهو يهتف فيه بغضب
_ ايه اللي جابك هنا يا بكري ؟
_ وانت مالك يا عم انت جوزها ؟
_ هو ده الرد يعني .. عشان مش جوزها اسيبها أي حد يستغلها
_ مكنتش باستغلها .. انا عرفت انها علي فيض الكريم ومش عارفة تدفع فلوس المحامي اللي قومته عشان تاخد حقها وابوها محتاج فلوس كتير للعلاج .. قولت اعملها بواجب يمكن تلين .. طلعت لا بتلين ولا بتدي سكة فخدت بعضي وماشي اهو
ابعد طارق يده عن عنق بكري وهو يفكر في ما قاله له .. لن يكون بكري اخر من يحاول استغلال ظروفها السيئة .. ورغم انه لم يكن حتي اللحظة يعرف سبب اهتمامه بها لكنه كان يشعر انه يجب عليه ان يفعل شيء ..
في اليوم التالي كانت دنيا تستعد لتخرج من المنزل كان لديها موعد مع المحامي الذي يتولي قضيتها وعندما فتحت الباب وجدت ورقة مطوية فضتها لتجد مكتوب فيها ( روحي عند بير مسعود الساعة 4 ) طوت الورقة مرة اخري والقت بها في حقيبتها واتجهت الي موعدها ..
وفي مكتب المحامي الذي يتولي قضيتها جلست دنيا امام المحامي الذي هز رأسه بٍأٍسف
_ يا مدام دنيا ده مكتب محامي .. وانا عشان انزل واتحرك في قضيتك محتاج مقدم اتعاب
_ يعني مش ممكن تبتدي وترفع القضية وتاخد نسبة من الفلوس اللي هتيجي ؟
_ وهاصرف علي القضية من جيبي لحد ما يحصل ده ؟
خرجت دنيا من مكتب المحامي وهي يائسة فهي لا تملك المال لاستعادة حقها ولا تملك المال لشراء الدواء لوالدها المريض .. كان الامر كله مختلط داخل عقلها تحركت دون هدف حتي وجدت نفسها بالقرب من بير مسعود .. تذكرت الورقة المطوية في حقيبتها فتحت حقيبتها وبحثت عن الورقة حتي وجدتها وقرأت ما فيها .. كان عليها ان تنتظر امام بير مسعود في الساعة الرابعة .. كان اليأس الذي تشعر به افضل دافع يثير فضولها لتري من مرسل تلك الورقة وماذا يريد .. تحركت حتي وصلت الي بير مسعود وتوقفت امامه .. نظرت الي هاتفها لتجد الساعة الرابعة .. وقفت تتلفت حولها لعلها تعرف من هو صاحب تلك الرسالة الغامضة .. لم يطل انتظارها حتي وجدت طفل صغير يقترب منها ويعطيها ظرف صغير وينطلق في طريقه .. حاولت ان تلحق به ولكنه عبر الشارع سريعا واختفي في احد الشوارع وسط المارة .. فتحت الظرف لتجد مبلغ من المال وورقة صغيرة مكتوب بها ( دي فلوس الدوا بتاعة بابا ) .. كان الامر غريبا بالنسبة لها .. من هذا الذي تطوع بتوفير المال اللازم لشراء دواء والدها .. هل هو بكري الذي اتي لها بالأمس ؟.. لم يكن يبدو عليه ان هذا سيكون اسلوبه معها .. ولماذا لم يترك المال امام باب شقتها وتركه مع طفل امام بير مسعود ؟ .. ولماذا هذا المكان بالتحديد ؟ ظلت طول الطريق الي المنزل وهي تفكر في الشخص الذي قام بمساعدتها بتلك الطريقة وحدد ان تلك المساعدة من اجل علاج والدها ..
وفي مساء نفس اليوم كان طارق في غرفته يتابع دنيا وهي تعطي الدواء لوالدها .. كان يبدو علي وجهها بعض الارتياح .. يبدو انه نجح في مساعيه بالنسبة لها .. ولكنه يعرف ان الامر لم يكن لينتهي عند تلك النقطة بالتأكيد فمازال الطامعين بها يحومون حولها كضباع ينتظرون أي سقوط لها لينقضوا عليها ..
كان يراقب منزلها عندما وجد ربيع السمسار يصعد الي منزلها .. وكما توقع حاول ربيع ان يفعل معها كما فعل بكري ولكنها طردته ايضا ولم تقبل منه أي مساعدة مادية ..
في اليوم التالي عرفت دنيا من بعض الجيران ان ربيع خرج له رجل يرتدي لثام وقام بضربه ضربا مبرحا .. في البداية لم تكن تعرف ان لها ثمة علاقة بالامر ولكن عندما وجدت ان ربيع يتجنب حتي النظر لها ايقنت ان من ارسل لها المال هو من قام بالاعتداء علي ربيع من اجل ما فعله معها .. كانت سعيدة لان هناك من يقوم بدور الملاك الحارس لها دون ان يكون لديه طمع في أي مقابل ..
استمر صاحب الرسائل المطوية في ارسال رسائلة واستمرت هي في الذهاب لبير مسعود لمقابلة هذا الطفل الذي يظهر فجأة ويختفي بعد ان يعطيها المال ..
ولكن لم تكن دنيا تريد الاستمرار في الاعتماد علي هذا المجهول الذي يعطيها المال لذلك قررت ان تبحث عن عمل .. دلتها ناهد علي محل رمضان الحلو لتعمل به ولكن عندما تقابلت مع بكري ابنه قررت العدول عن الفكرة .. وقف بكري معها علي باب المحل وهي تستعد للمغادرة وهو ينظر لها بخجل
_ علي فكرة انا مش وحش اوي كده .. مش هانكر ان تفكيري مكانش تمام معاكي لكن بعد اللي عمله طارق معايا زعلت من نفسي اوي
_ طارق مين ؟؟
_ طارق اللي ساكن في العمارة اللي ادامكم ابن الست ناهد الممرضة
كانت مفاجأة لها عندما اخبرها بكري بكل ما حدث مع طارق في تلك الليلة .. كان لابد لها ان تتقابل مع طارق .. ذهبت الي منزله وتقابلت مع والدته وشقيقه عمر .. كانت تحاول تحين الفرصة لتسأل عن طارق ولكن اتت له الاجابة من عمر بشكل عفوي
_ طارق بيخلص شغل وبيروح يقعد عند بير مسعود
اكملت ناهد كلام عمر
_ من صغره وهو بيعشق المكان هناك
لم تكن دنيا تحتاج لدليل اكثر من ذلك لتعرف ان طارق هو ملاكها الحارس .. خرجت من منزل طارق واتجهت علي الفور الي بير مسعود ..
كان طارق يجلس وحيدا عند بير مسعود وهو ينظر الى البحر .. تقترب منه دنيا وتقف الي جانبه.. طارق يشعر بها فينظر اليها بارتباك .. تنظر هي له مبتسمة بود
_ ممكن اقعد
_ اه طبعا
دنيا تجلس الى جانب طارق
_ سألت عمر عليك قاللى انك يأما هتكون فى الشغل يأما هنا ..واحساسى قاللى انك هنا
طارق ينظر لها دون ان يتكلم ولكنه يركز النظر الى عينيها مما يشعرها بالاحراج فتكمل محاولة كسر تلك الحالة
_ اشمعنى بير مسعود اللى بتحب تيجى عنده
_ من وانا صغير .. كنت بالاقى فى المكان ده نفسى
_ كلنا بنحن للاماكن اللي بنرتبط بيها واحنا صغيرين
_ كانت ايام حلوة .. كنا بنعرف نستمتع باللى بنعمله .. كل مابنكبر الفرق بيكبر ما بين اللى بنتمناه واللى نقدر نحققه
_ بس هو مين مسعود اللى البير ده متسمى على اسمه ؟
_ فى ناس بتقول انه كان راجل كبير وبركه واتدفن جنب البير .. وناس تانية بتقول انه بلطجى وقع فى البير وهو بيهرب م البوليس .. بس ابويا كان بيقولى انه عيل صغير كانت مرات ابوه بتعذبه هرب منها ورمى نفسه فى البير
_ وانت مصدق انهى حكاية فيهم
_ محدش عارف .. بس الغريب ان التلاته نوعيات مختلفة .. راجل بركة ومسجل خطر وعيل مظلوم .. وكل واحد بينقى الحكاية اللى تعجبه
نظرت له ودققت النظر الي عينيه .. كانت اول مرة تستطيع ان تلمح تلك النظرة الحنونة بداخلها
_ انت اللي كنت بتبعتلي الفلوس ؟
اومئ برأسة بالايجاب
_ طيب مقولتليش ليه ؟
_ لاني مكنتش عايزك تحسي اني محتاج مقابل للفلوس دي
_ انا عرفت من مامتك انك كنت عايز تسافر .. هي دي فلوس السفر ؟
اومئ برأسه مرة اخري ..
كانت قد عرفت من والدته ان حلم السفر لديه منذ سنوات .. كيف استطاع التخلي عن هذا الحلم من اجلها ببساطة هكذا .. لم تشعر منذ فترة طويلة بأن هناك من يهتم بأمرها بهذا الشكل .. لم يعلق طارق بعد ذلك ولكنها لاحظت نظراته المترددة بينها وبين البحر الممتد امامه .. صمته جعلها تصمت هي ايضا لم يكن ايا منهما يستطيع ان يضيف شيئا ..
في المساء بعد ان عادت دنيا من بير مسعود قامت باعداد العشاء لوالدها .. تخرج من المطبخ وهى تضع على صينية تحملها طبق به بعض الطعام وتتجه الى غرفة والدها وتدخل وتضع الصينيه بجانب الفراش وتبدأ فى هز والدها برفق لتجعله يستيقظ
_ بابا .. بابا .. يلا اصحى عملتلك الاكل
بدأت دنيا تهز والدها برفق .. لكن مع كل لحظة تمر دون استجابة بدأت يداها ترتجفان ودموعها تملأ عينيها .. كان الخوف يضغط على صدرها كأن العالم كله توقف عن الحركة
_ بابا .. اصحى ..بابا
ولكنها لم تتلقي ردا من والدها
بعد وقت قصير كان شوقى يرقد على فراشه في المستشفي وهو غائب عن الوعى تماما وموصل بعدد من الاجهزة والمحاليل فى ذراعه ويقف بجانبه الطبيب يتابع حالته وبجانبه تقف ناهد .. ناهدتفتح باب الغرفة الخاصة بالعناية المركزة وتخرج هى والطبيب ودنيا تراهم وتقف مسرعة واللهفة تملئها والطبيب يتجه مبتعدا وناهد تقترب من دنيا التي يبدو عليها القلق
_طمنينى بابا عامل ايه دلوقت
في شقة طارق بعد ان عادت والدته من المستشفي جلس معها ليطمئن علي حال والد دنيا
_حطوه على جهاز التنفس الصناعى .. ربنا يستر
_هى حالته خطيرة كده
_ تسعين في المية من اللى بيحطوهم على الجهاز ده .. ربنا بيفتكرهم برحمته
_ وانتى قولتى لدنيا كده ؟؟
_ لا طبعا .. هى ناقصة .. دى نايمة على الكرسى ادام باب الاوضة وحالتها صعب اوي
كان طارق يجلس على الأريكة وهو يضغط يديه معًا بقوة .. عيناه متعلقتان بالأرض كأنه يبحث عن إجابة أو حل لكنه لم يجد سوى الصمت والعجز ولكنه شعر انها تحتاجه بجوارها في هذا الوقت .. وبالفعل ذهب للمستشفي ليكون بجوارها في تلك الازمة وبمجرد ان رأته دنيا شعر في عينيها بارتياح لم يراه منذ ان قابلها اول مرة .. خرج الطبيب من الغرفة ومعه ناهد .. اقتربت منهما دنيا تسأل بلهفة
_ ايه الاخبار يادكتور
نظر لها الطبيب بأسف
_ شدى حيلك
دنيا تصرخ وتفقد توازنها وتقع على الارض وناهد تحتضنها محاولة التخفيف عنها وطارق يمد يده ليربت عليها والالم يعتصره ولكنه يعيد يده مره اخرى بجانبه ويقف صامتا والدموع تلمع فى عينيه ..
بعد ان تم دفن والد دنيا وقف الرجال في صوان عزاء اقاموه له في شارعهم .. صوت المقرئ كان يتلو ايات القرأن بينما كان بكرى وطارق وهيثم وبعض الرجال فى الشارع يقفون يتلقون العزاء وبعض سكان الشارع يجلسون على المقاعد .. طارق يميل على بكرى متسائلا
_ هو المقرئ هياخد كام ؟
_ متقلقش .. ابويا قال انه هيحاسبه هو
_ والله الناس فيها الخير .. لموا من بعض عشان الصوان
داخل العزاء كان يجلس ربيع السمسار وبجانبه رمضان والد بكري وصوت المقرئ مازال مستمرا .. رمضان يهز رأسه بأسف وهو يتكلم مع ربيع
_ سبحان من له الدوام ..البنى ادم بيروح فى لحظة
_ على رأيك .. محدش واخد منها حاجة .. بس ياترى بنته هتعيش ازاى لوحدها .. خصوصا انها حلوة وكل الناس عينها عليها
_ اه والله عندك حق والناس وحشة
_ ايوه عشان كده المفروض البنت تتجوز متفضلش كده
_ ربنا يسترها عليها البنت غلبانة
كان ربيع يري في ضعف دنيا فرصة جيدة للتقرب منها .. ابتسم لنفسه وكأنه وجد خطته المقبلة
داخل شقة دنيا كانت دنيا تجلس وهى ترتدى ملابس الحداد وجهها شاحب وعيناها منتفختان من كثرة البكاء وحولها فى جنبات الصالة تجلس السيدات ومنهم ناهد وام حسين ومروة
مروة تميل علي ام حسين هامسة
_ مش مجننى منها الا مناخيرها اللى دايما فوق دى .. اللى ما نطقت مع واحدة فينا بكلمة مع اننا جايين نعزيها
_ ياختى سيبيها تتحرق .. احنا جايين نعمل الواجب عشان الراجل اللى مات
مروة وهي تنظر لدنيا بنظرة مليئة بالغيرة
_ اهى الشقة فضيت عليها ياترى مين اللى هيملاها
لم تكن دنيا تسمع تهامس النساء عليها لكنها كانت تشعر به .. كانت ملابس الحداد التي يرتدينها لا تخفي تغامزهن وتهامسهن عنها .. لم تكن تعرف ما تخفيه القادمة لها ولكنها كانت تخاف ان يكون الاسوء لم تعشه بعد ..
مر اسبوعين بعد هذا العزاء لم تري دنيا فيهم طارق ولو مرة واحدة .. كانت تراه ينزل في الصباح مبكرا ويأتي في المساء ولكنها لم تكن تعرف لماذا ابتعد عنها تماما ولم يتواصل معها .. ذهبت الي بير مسعود لعلها تجده ولكنها لم تستطيع ايجاده حتي اصابها اليأس .. حتي فتحت الباب في يوم لتجد ورقة مطوية كتب فيها ( قابليني 8 الصبح عند بير مسعود ) .. تعجبت من تلك الرسالة المقتضبة ولكن لم يكن امامها الا ان تذهب في الموعد المتفق عليه ..
عندما وصلت إلى بير مسعود، كان الصباح في أوله .. انعكاس الشمس على الماء كان يعكس ألوانًا دافئة .. طارق كان يقف منتصبًا ببدلته الأنيقة ممسكًا بحقيبة جلدية وكأنه شخص مختلف تمامًا عن الذي عرفته سابقًا عندما اقتربت منه، رفع عينيه وابتسم، ابتسامة عكست مزيجًا من الحب والحنين .. قابلته بنظرة معاتبة
_ بقالك اسبوعين مسألتش عليا
ابتسم لها بحب
_ كنت باعمل اللي انا وانتي كنا محتاجينه
_ كنت بتعمل ايه ؟
اشار الي ملابسه وحقيبته التي بيده وهو يبتسم
_ جددت كارنية نقابة المحامين .. انا هارجع اشتغل محامي .. وقضيتك هتبقي اول قضية امسكها
عينيها امتلأت بالدموع من الفرحة
_ ده احلي خبر سمعته في حياتي
ابتسم وهو يمسك يدها بلطف، نبرة صوته كانت مليئة بالحب
_ بس مش هابقي المحامي بتاعك وبس .. توافقي تتجوزيني
خجلت .. لكنها لم تستطع منع ابتسامتها التي عكست سعادة تغمر قلبها .. كانت لحظة شعرت فيها أن العالم بأسره يتراقص من حوله .. لقد استطاعت ان تغير مسار حياة طارق مثلما استطاع هو ايضا ان يغير مسار حياتها
_ على امك .. ده انت قعدت فى بطنى تسع شهور مش عايزنى اعرف انت بتفكر فى ايه دخل طارق الي غرفته .. كانت صديقته الايطالية الشقراء قد ارسلت له العديد من الرسائل .. اكتفي بردود مقتضبة واخبرها انه سيذهب الي النوم .. مكث ساعتين في فراشه وهو مفتوح العينين حتي استطاع النوم .. في اليوم التالي وهو يقف في شرفة غرفته كان يفكر في كل ما سمعه عن دنيا .. كان يعرف ان تلك المعلومات التي عرفها الجميع عنها ستجعل الكثير من الرجال يطمعون في التقرب منها .. لم يكن يعرف هل اهتمامه بها وبأمرها مجرد فضول ام ان هناك شيئا اخر لا يعرفه .. افاق من شروده ليجد نفسه كان ينظر باتجاه نافذة شقة دنيا التي كانت تقف في النافذة وتنظر له باستغراب .. دخل الي غرفته سريعا وقد احمر وجهه خجلا .. في المساء عندما عاد من عمله رأي دنيا تجلس الى منضدة السفرة وهى تمسك فى يدها بعض النقود وامامها تضع العديد من علب الادوية الخاصة بوالدها وتقوم بمحاولة حساب النقود ويبدو عليها الاحباط الشديد وعينيها تنساب منها الدموع .. كان يريد ان يكون بالقرب منها ليمسح عن وجنتيها تلك الدموع التي انسابت من عينيها ولكنها لم تكن تعرف حتي ان هناك من يراها وهي تبكي .. تسمع دنيا طرقات خفيفة علي باب شقتها وعندما تفتح الباب تفاجئ ببكري يقف امام الباب مبتسما لها _ مساء الخير تنظر له بدهشة _ مساء النور _ انا بكري .. بكري الحلو ابن المعلم رمضان الحلو صاحب محل قطع غيار السيارات اللي علي ناصية الشارع _ اه اهلا _ معلش ان انا جيت كده من