الهروب من الموت
استيقظ حاتم على رنين هاتفه .. كان على الطرف الأخر أمنية تبكى وهى تخبره ان بسمة قد ماتت في حادث سير في باريس .. لم يكن الحلم السيئ خرافة عقله اذاً ولكنه كان إشارة لما سيحدث .
في شقة جميلة جلست جميلة في غرفتها هي وأمنية يبكيان صديقتهما وهما يرتديان ملابس الحداد .. كانا في مقابر عائلتها اليوم صباحاً .. شاهداها وهى تنزل الى قبرها ملفوفة في كفنها الأبيض .. وانتهيا منذ أقل من ساعة من حضور عزاءها .. ولكن لم تقوى أيا منهما ان تبقى وحدها فقد كان الحزن أقوى بكثير من طاقتهما ..
جلست جميلة على فراشها وبجانبها كانت تجلس أمنية وهما غارقتان في دموعهما .. نظرت جميلة حولها بذهول وهى تبكي
_ مش معقول تكون بسمه ماتت اكيد احنا بنحلم اكيد هى لسه عايشه .. اللى احنا فيه ده وهم وهم وهم
امسكت أمنية بيدها وهى تحاول ان تجعلها تتماسك
_ ده قضاء ربنا وملناش اى دخل فيه
_ بس اشمعنى هى .. كل اللى كانوا معاها عاشوا ومحصلهمش اى حاجه .. هى بس اللى ماتت
_استغفر الله العظيم … متقوليش كده كل واحد فينا وله اجل
ارتمت جميلة بين ذراعي أمنية وانهارت كل منهما فى البكاء .. كان فقدان صديقتهما المفاجئ مفجع بالنسبة لهما ولكنهما لم يكونا يعرفا شيئاً عن حلم حاتم السيئ الذى أصبح الأن أمامه واقع يتحقق بموت بسمة .
ذهب حاتم لمقابلة تامر الذى هاتفه وطلب منه مقابلته بشكل عاجل .. كان تامر ولمدة اسبوعين كاملين قد انعزل عن الجميع بعد موت بسمة .. حتى اغنيته التى كان يعدها لم يستطع ان يفعل بها شيء .. تقابل معه حاتم فى أحد الكافتيريات
_ يعنى ايه مسافر سفرك ده مش هيغير حاجه .. احنا كلنا جوانا نفس الوجع .. بس وجودنا جنب بعض اكيد هيخفف علينا الحزن ده
_ بس الحزن اللى جوايا مش عايز يخف يا حاتم
_ هيخف مع الوقت يا تامر لكن السفر ده مش هيحققلك اى حاجه .. لازم نكون جنبك عشان لو حصل اى حاجه نبقى معاك
كانت جملته تلك غريبة جعلت تامر ينظر له متسائلا باستغراب
_ حصل اى حاجه ازاى ؟
رد حاتم بتوتر
_ مش مهم ازاى المهم انك متسافرش
_ بس انا محتاج ابعد شويه .. واول ما احس انى بقيت كويس اكيد هأرجع
لم يكن حاتم لديه ما يضيفه على كلام تامر .. لم يكن يستطيع ان يخبره عن حلمه السيئ ولم يكن يستطيع ان يخبره انه التالي فى قائمة الموت
فى اليوم التالى انطلق تامر بسيارته على الطريق قاصدا مدينة الغردقة .. كان والده يمتلك منزلاً هناك قرر تامر البقاء به لمدة حتى يستطيع ان يتغلب على احزانه .. كان طوال طريقه يفكر فى بسمة وفى ذكرياته معها .. يبدو ان محاولة هروبه لن تكون ناجحة فبسمة لم تكن حباً عادياً بالنسبة له لينساها سريعا او بعد فترة .. لقد كانت كل شيء بالنسبة له .. هى من شجعته لدراسة الموسيقى وكانت تشاركه حلمه ان يصح مطرب شهير .. لقد تخطت حدود الحبيبة بدرجات واصبحت تقبع فى كل مراكز المرأة داخل روحه .. كان الطريق الذى يقطعه قد قارب من نهايته وفجأة .. خرجت سيارة نقل كبيرة فى الاتجاه المقابل ليجد تامر نفسه امامها مباشرة ..
للمرة الثانية يتلقى حاتم نبأ موت بعد هذا الحلم المميت .. موت تامر كان تأكيدا لان حلمه لم يكن حلما عاديا .. الأمر أصبح قاسيا بشدة على عقله الممزق الأن .. لا يعرف ما عليه فعله .. هل يعترف لأصدقائه الباقين بحلمه الذى احتفظ بتفاصيله بداخله تلك الفترة ؟.. ولكن هل سيصدقون ما يقوله ؟. ام سيتهمونه بالجنون ؟.. وهل اذا صدقوا ما يقوله هل سيتهمونه انه اخفى تلك النبوءة القاتلة عن بسمة وتامر مما تسبب فى موتهما ؟.. تلاعب الشيطان بعقله كما يشاء ..
جلس فى غرفته صامتا ومعه ابراهيم الذى كان يتحرك بعصبية داخل الغرفة وهو يهتف
_ لا لا لا لا لا .. مش معقول اللى بيحصل ده
_ اهدى يا ابراهيم متعملش فى نفسك كده
_ انا مش مصدق اللى بيحصل ده .. بسمه تموت وبعدها تامر كمان يموت .. فى ايه ؟ .. ايه اللى بيحصل ده ؟ .. احنا زى ما يكون حد بيلف ورانا عشان يقتلنا
نظر له حاتم وهو صامت لا يجد ما يقوله له
_ ما ترد عليا يا حاتم
_ لو كان عندى رد كنت هارد عليك .. لكن للاسف معنديش اى حاجه ارد بيها .. على الاقل لغايه دلوقت
لم يكن حاتم بالفعل يملك أى شيء يستطيع ان يقوله ردا على ابراهيم .. فلم يكن يعرف ما يجب عليه فعله .. هل يستسلم لقدره فقط ويرضى بما سيحدث وهو يرى اصدقائه وحبيبته يموتون الواحد تلو الأخر أمامه .. ام عليه ان يتدخل ويفعل أى شيء .. ولكن ما الذى يستطيع فعله فى مواجهة الموت ..
ابتعد حاتم لأيام عن رؤية اصدقائه .. حتى أمنية كان يحاول جاهدا الا يتقابل معها او يتواصل تليفونيا الا فى اضيق الحدود .. كان على تخطيط حلمه لقائمة الموت جميلة هى الضحية القادمة وبعدها يأتى ابراهيم ومن بعده أمنية ثم يأتى هو أخيرا .. كان يعرف مدى تعلق ابراهيم بجميلة ويعرف كيف سيكون حاله اذا فقدها وهو لم يكون فى استطاعته تحمل المزيد من حالات الموت المفاجئ لاصدقائه امام عينيه ولم يكن لديه ايضا القدرة على المواساة وهو يعرف المتوفى التالى فى القائمة .. ظل لفترات طويلة يتابع بعض المواقع على شبكة الانترنت .. صفحات خاصة بتفسير الاحلام وصفحات خاصة بالشفافية ورؤى الموت وما يحدث بعد الموت .. كان لديه الكثير من التساؤلات داخل عقله المنهك من كثرة التفكير .. لماذا اختص هو بتلك الرؤية ؟.. لماذا لم تكن أمنية او ابراهيم الاكثر منه التزاما ؟ .. ما هى الاحلام وكيف تنشأ وهل هى تعبير عن مخاوف نفسية فقط ام انها رؤى للمستقبل ؟.. هل من الممكن ان يتوقف هذا الحلم المميت على من ماتوا فقط دون دخول ضحايا جدد الى قائمة الموت ؟..كان السؤال الاهم الذى يسابق كل هذه الاسئلة ويحاول ان يبقى فى الصدارة .. هل يستطيع الهروب من الموت ؟؟..
ساقته قدماه الى المسجد .. بعد ان سمع اذان المغرب وهو يمشى فى الشارع يصارع عقله وافكاره .. لم يكن قد دخل الى المسجد منذ فترة طويلة .. لم يكن ايضا منتظم فى الصلاة .. شعر انه يحتاج الى تلك الخلوة الروحية لدقائق .. تلك اللحظة التى يلامس فيها جبينه الارض ليستشعر انه امام الله حقا .. شعر بارتياح شديد بعد ان انتهى من الصلاة .. بدأ المصلين فى الخروج من المسجد اما هو فبقى فى مكانه عاقدا قدميه وهو ينظر امامه الى الارض وهو يفكر .. كانت نفسه قد هدأت قليلا بعد الصلاة ولكن عقله مازال يمارس دوره فى افساد اى لحظة من لحظات الراحة والصفاء له .. رفع رأسه قليلا فرأى شيخ المسجد يجلس فى أحد الأركان وهو يقرأ القرآن .. بدون تفكير نهض من مكانه واتجه بخطوات سريعة الى شيخ المسجد وجلس امامه مباشرة دون ان ينطق بكلمة وهو ينظر له .. شعر الشيخ به وهو يجلس امامه فرفع رأسه لينظر له ثم اغلق المصحف الذى بيده وهو ينظر الى حاتم مبتسما بود
_ صدق الله العظيم .. ايوه يا ابنى عاوز حاجة ؟
_ كنت عاوز اسألك سؤال
_ اتفضل يا ابنى
_ هى الرؤية ممكن تبقى لأى انسان ؟
_ أكيد
_ ازاى ؟ مش المفروض الرؤى تبقى للصالحين من الناس بس ؟
استيقظ حاتم على رنين هاتفه .. كان على الطرف الأخر أمنية تبكى وهى تخبره ان بسمة قد ماتت في حادث سير في باريس .. لم يكن الحلم السيئ خرافة عقله اذاً ولكنه كان إشارة لما سيحدث . في شقة جميلة جلست جميلة في غرفتها هي وأمنية يبكيان صديقتهما وهما يرتديان ملابس الحداد .. كانا في مقابر عائلتها اليوم صباحاً .. شاهداها وهى تنزل الى قبرها ملفوفة في كفنها الأبيض .. وانتهيا منذ أقل من ساعة من حضور عزاءها .. ولكن لم تقوى أيا منهما ان تبقى وحدها فقد كان الحزن أقوى بكثير من طاقتهما .. جلست جميلة على فراشها وبجانبها كانت تجلس أمنية وهما غارقتان في دموعهما .. نظرت جميلة حولها بذهول وهى تبكي _ مش معقول تكون بسمه ماتت اكيد احنا بنحلم اكيد هى لسه عايشه .. اللى احنا فيه ده وهم وهم وهم امسكت أمنية بيدها وهى تحاول ان تجعلها تتماسك _ ده قضاء ربنا وملناش اى دخل فيه _ بس اشمعنى هى .. كل اللى كانوا معاها عاشوا ومحصلهمش اى حاجه .. هى بس اللى ماتت _استغفر الله العظيم … متقوليش كده كل واحد فينا وله اجل ارتمت جميلة بين ذراعي أمنية وانهارت كل منهما فى البكاء .. كان فقدان صديقتهما المفاجئ مفجع بالنسبة لهما ولكنهما لم يكونا يعرفا شيئاً عن حلم حاتم السيئ الذى أصبح الأن أمامه واقع يتحقق بموت بسمة . ذهب حاتم لمقابلة تامر الذى هاتفه وطلب منه مقابلته بشكل عاجل .. كان تامر ولمدة اسبوعين كاملين قد انعزل عن الجميع بعد موت بسمة .. حتى اغنيته التى كان يعدها لم يستطع ان يفعل بها شيء .. تقابل معه حاتم فى أحد الكافتيريات