كان لك معايا – الجزء الأول

كان لك معايا – الجزء الأول
كان لك معايا – الجزء الأول

الطفل: عم وحيد!
وحيد (مفزوعًا): في إيه ياض؟ مالك؟ حد عملك حاجة؟
الطفل: لا، بس الحكومة قالبة عليك الدنيا، وعمالين يسألوا عليك في كل حتة.
وحيد: الله يسامحك يا أما بلغتي عني؟
محمود (يوجه حديثه له): أمك؟ انت عملت إيه لأمك ياض؟ انطق!
وحيد: يا عم اتخانقت معاها وخدت منها الإسورة اللي في إيديها. بتبلغي عني عشان حتة صيغة يا أما؟
محمود: بقولك إيه، قوم اقلب من هنا. أنا مش ناقص مشاكل. (يوجه حديثه للطفل) وانت ياض، حد عارف إنك جاي هنا؟
الطفل: لا.
محمود: طب خلاص، اقلب من هنا واكفي على الخبر مجور. اخلع يالا ومتجبش سيرة لحد.

يسمع محمود صوت سيرينة الشرطة تقترب من المكان. ينهض لينظر من سور السطح، ويشاهد سيارة الشرطة تقترب منهم.

محمود: شكلهم عرفوا طريقك يا أبو الصحاب. اخلع يا عم!
(ينهض وحيد مسرعًا ويركض باتجاه سطح قريب ويقفز منه. يقوم محمود بلم الشيشة وإطفاء السجائر ويحاول أن يبدو المكان طبيعيًا.)

(أثناء صعود قوات الشرطة للسطح، يدخل الضابط ومعه القوات ويوجه حديثه إلى محمود.)

الضابط: فين وحيد؟ يالا انت!
محمود (في لا مبالاة): وحيد مين يا باشا؟
(يمسكه الضابط من تلابيبه): انت هتستعبط؟ انطق، فين وحيد؟
محمود: مشفتهوش يا باشا، ولا أعرف مكانه فين. السطح عندك اهو، فتش براحتك.
الضابط (موجهًا كلامه للجنود): فتشوا لي المكان. عارف أنا لو عرفت إن ليك علاقة بوحيد أنا هعمل فيك إيه؟
محمود: هو عمل إيه، لا مؤاخذة يا باشا؟
الضابط: سرق أمه وقتلها، عرفت عمل إيه؟
محمود (في ذهول): إيه؟ بتقول إيه يا باشا؟ والله يا باشا لو عرفت حاجة عنه لبلغت معاليك. ده إلا الأم. (في عقله) اللي يخربيتك يا

بعيد.

منزل مي

منزل مي منزل بسيط، ينم عن حياة فوق المتوسطة. غرفتها منمقة ومنظمة، بسيطة التفاصيل، لا تخلو من أن تعطي إيحاءً بالراحة النفسية مع إضاءتها الخافتة، وبعض اللوحات والرسومات التي تضيف إليها البهجة.

تجلس مي على سريرها متكئة، يبدو عليها أنها تفكر بعمق. تفكر كيف أن حياة الإنسان متقلبة، متغيرة، لا تخلو من الأحداث في كل دقيقة تمر. المواقف تستطيع أن تخبرنا عن دوافع لا ندركها. كيف تغير يومها بهذه السرعة، من الهدوء إلى الجنون، من الرهبة إلى التعاطف مع الآخرين. كيف تعاطفت بسرعة مع يوسف، وكيف أن الوقت لا يمهل الإنسان القدرة على اتخاذ القرار.

كيف لنا أن نتغلب على المشاعر التي تؤرقنا وتؤذينا، وتجعلنا ننساق إلى ماضٍ بدون حاضر، وبدون اختيارات؟ وحينما نحاول العودة منها، تظل عالقة في أذهاننا بدون رحمة. نخطئ حينما نحاول الاستسلام لها، وكأننا تعلقنا بقيود منيعة من الأفكار.

ظلت تفكر في يوسف، بعد أن شاهدت ذلك الوجه الشاحب بعد فقدان سيدة. أدركت أنه كان يعتبرها الملاذ الأخير، حضنًا دافئًا يستطيع أن يبوح لها بما يألمه. فقدانه لزوجته التي شاهدت تفاصيل حياتها، والتي انعكست على هدوء منزله المنمق، بروح كلاسيكية. بالطبع، كل ركن من أركان المنزل يستطيع بالضرورة أن يذكره بها. كيف له أن يستطيع البقاء وحيدًا في ظل كل هذه الذكريات المؤلمة؟

“مسكين ذلك الرجل.”

قطع تفكيرها صوت باب غرفتها، وأمها تدخل إليها، حاملة في يديها صينية بها بعض الطعام، وكوب من النسكافيه. اتجهت الأم وجلست بجانبها، واضعة الصينية بجانب مي.

الأم (في لطف):

  • كنت متأكدة أنك ما نمتيش. عارفاكي.

مي (تتحدث بحزن):

  • أنام إزاي بس يا ماما؟ أصلك مشوفتيش حاجة. منظر الست وهي على الأرض كان بشع. إزاي في شخص يقدر يعمل كده؟

الأم (محاولة أن تخفف عنها):

  • يا حبيبتي، القدر مش بيادينا. ربنا بيسبب الأسباب. ابنها كان مجرد سبب، وأنا عارفة ومتأكدة إنه هياخد عقابه، زي ما يستحق. ربك يمهل ولا يهمل. المهم إنتي، مينفعش تفضلي معلقة تفكيرك بالموضوع ده. كتر التفكير هيسببلك مشاكل. لازم تتعلمي إن كل موقف في حياتك بيعدي، ولازم يعدي.

مي:

  • أنا بحاول يا ماما، بس مش قادرة. وبعدين، فعلاً، يوسف صعبان عليا جدًا. انتي مشوفتيش حالته كانت عاملة إزاي.

الأم:

  • يوسف في اختبار يا مي. كل إنسان لازم يكون عنده ابتلاء. بيختلف نوع الابتلاء من شخص للتاني، لكن لازم ياخد قدره من الابتلاء. وبعدين، أول مرة من فترة طويلة أشوفك شاغلة نفسك بحد.

مي (تنتبه):

  • قصدك إيه يا ماما؟

الأم:

  • لا، أبدًا مقصدش. يلا كلي لقمة. مينفعش تسيبي نفسك كده. وبعدين، عملتلك النسكافيه اللي بتحبيه. يلا يا حبيبتي.

(تقوم وتحضنها.)

مي (في عطف):

  • حاضر يا ماما.

منزل يوسف

يوسف يجلس في الصالة شارد الزهن، يشعر بغصة في حلقه، لا يستطيع التنفس. ينظر باتجاه المطبخ تارة، وإلى حمام السباحة تارة أخرى. يحاول جاهدًا أن يتماسك وأن لا يبكي. ينظر إلى صورة زوجته وابنته المعلقة أمامه، وكأنه يتحدث إليها، معاتبًا نفسه: كيف تركها في ذلك اليوم، حينما طلبت منه المجيء معها إلى حفلة ابنتها؟

لا يستطيع أن يمنع نفسه من الشعور بالذنب، حينما قال لها إنه لا يستطيع لأن لديه اجتماعًا طارئًا في العمل. هل يمكن للعمل أن يمنع الإنسان من التمتع بأجمل لحظات تجمعه مع عائلته؟ وكيف لا؟ فإذا كان يريد أن يحقق لهم الراحة، يجب أن يعمل.

يعود ليعاتب نفسه مرة أخرى: لكنه كان يستطيع تأجيل ذلك الاجتماع. يتذكر تلك المكالمة التي أخبرته بحادث زوجته وابنته. يتذكر كيف أنه ظل ممسكًا بالهاتف، لا يستطيع التفكير أو تصديق ما سمع. قام مسرعًا متجهًا إلى المستشفى، ليجد زوجته وابنته كل منهما على سرير، يحاول الأطباء إنعاشهم.

يرى وجه ابنته الملائكي وهو مليء بالخدوش والجروح. يشاهد زوجته وقد تلطخت بالدماء، وانطفأت أمام عينيه. انطلق صوت الأجهزة ليعلن فراق زوجته له، وبعدها بقليل، صوت أجهزة ابنته. كم كره ذلك الصوت المشؤوم!

سقط أرضًا لا تستطيع أن تحمله قدماه. انهار ذلك الرجل القوي، انهار أمام الحب. تهاوت كل سماته في لحظة. أدرك بعدها أنه لا يمكن لأي رجل، مهما كانت قوته، أن يتحمل ذلك الضعف أمام من يحب.

في صمت، استعاد هدوء تفكيره، ونظر إلى صورتها مرة أخرى، محاولًا أن يتحدث إليها بعينيه فقط، وكأنه يقول لها: “سامحيني.”

ثم تذكر فجأة مي. ذلك التقارب بينها وبين زوجته غريب، غريب لدرجة أنه كان يعتقد أنه يجلس أمامها. للحظة، كان سيمسك يديها ليعبر لها عن حبه. كيف سمح لنفسه بذلك التفكير؟ صحيح أنه لا يحب مي، لكنه شاهد زوجته أمامه.

لم يوقفه إلا صوت وقوع سيدة على الأرض. يتذكر كيف هي هادئة ومريحة. كيف أنه يشتم رائحة عطر حبيبته فيها. يحاول أن يمنع نفسه من التفكير فيها، ولكنه بدون إرادة. أمسك هاتفه، وقام بالاتصال بها.

يوسف:

  • الو… طمنيني عليكِ. منمتِيش صح؟

 صباح يوم جديد : شركة يوسف

يجلس محسن على مكتبه، وأمامه تجلس “شريفة”، وهي على علاقة مع محسن. شريفة متوسطة الجمال، ولكن يبدو عليها الخبث والطمع. تتقرب إليه دائمًا من أجل الحصول على المال. يصرف عليها محسن ببذخ في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى يقوم بإذلالها. يستمتع بما يفعله بها، ويشعر دائمًا بالانتصار لملذاته حينما ترضخ له.

يقف في المقابل أحد الموظفين، ويقوم محسن بتوبيخه ليظهر لها قوته في إدارة الشركة.

محسن (بغضب):

  • الكلام ده لو حصل منك تاني، أنا هفصلك من الشركة. فاهم؟

الموظف (بتردد):

  • يا فندم، فعلاً اللي حصل مكنش بايدي. حد دخل على الكمبيوتر يا فندم وسحب الملفات اللي فيه كلها. والمشكلة إن الفلاشة كانت مفيّرسة، وده تسبب إن الأجهزة كلها اللي على الشبكة يبقى فيها مشكلة.

محسن (باستياء):

  • وانت وظيفتك هنا إيه يا أستاذ؟ لما انت المتخصص بتقولي أنا كدة، المفروض أعمل لك إيه؟

الموظف (بهدوء):

  • أنا فعلاً حليت المشكلة يا فندم. دلوقتي احنا لازم نعرف مين اللي له أكسس إنه يدخل على الأجهزة. المرة دي ربنا ستر، وأنا هغير النظام الأمني للأجهزة كلها، لحد ما مستر يوسف يرجع، علشان أخلي مسئوليتي قدامه.

محسن (بحزم):

  • اتفضل يا أستاذ، ومخصوملك نص شهر.

(يخرج الموظف ويبدو عليه ملامح الغضب. ينظر محسن إلى شريفة ويتحدث إليها في تساؤل.)

محسن:

  • تفتكري مين يا شريفة معاه أكسس على الأجهزة بتاعت الشركة؟

شريفة (تتحدث إليه بدلع):

  • تفتكر مين يا مومو؟

محسن (في حزم):

  • أنا وإنتي يا حبيبتي عارفين كويس مين. عملتي كدة ليه؟
الطفل: عم وحيد! وحيد (مفزوعًا): في إيه ياض؟ مالك؟ حد عملك حاجة؟ الطفل: لا، بس الحكومة قالبة عليك الدنيا، وعمالين يسألوا عليك في كل حتة. وحيد: الله يسامحك يا أما بلغتي عني؟ محمود (يوجه حديثه له): أمك؟ انت عملت إيه لأمك ياض؟ انطق! وحيد: يا عم اتخانقت معاها وخدت منها الإسورة اللي في إيديها. بتبلغي عني عشان حتة صيغة يا أما؟ محمود: بقولك إيه، قوم اقلب من هنا. أنا مش ناقص مشاكل. (يوجه حديثه للطفل) وانت ياض، حد عارف إنك جاي هنا؟ الطفل: لا. محمود: طب خلاص، اقلب من هنا واكفي على الخبر مجور. اخلع يالا ومتجبش سيرة لحد. يسمع محمود صوت سيرينة الشرطة تقترب من المكان. ينهض لينظر من سور السطح، ويشاهد سيارة الشرطة تقترب منهم. محمود: شكلهم عرفوا طريقك يا أبو الصحاب. اخلع يا عم! (ينهض وحيد مسرعًا ويركض باتجاه سطح قريب ويقفز منه. يقوم محمود بلم الشيشة وإطفاء السجائر ويحاول أن يبدو المكان طبيعيًا.) (أثناء صعود قوات الشرطة للسطح، يدخل الضابط ومعه القوات ويوجه حديثه إلى محمود.) الضابط: فين وحيد؟ يالا انت! محمود (في لا مبالاة): وحيد مين يا باشا؟ (يمسكه الضابط من تلابيبه): انت هتستعبط؟ انطق، فين وحيد؟ محمود: مشفتهوش يا باشا، ولا أعرف مكانه فين. السطح عندك اهو، فتش براحتك. الضابط (موجهًا كلامه للجنود): فتشوا لي المكان. عارف أنا لو عرفت إن ليك علاقة بوحيد أنا هعمل فيك إيه؟ محمود: هو عمل إيه، لا مؤاخذة يا باشا؟ الضابط: سرق أمه وقتلها، عرفت عمل إيه؟ محمود (في ذهول): إيه؟ بتقول إيه يا باشا؟ والله يا باشا لو عرفت حاجة عنه لبلغت معاليك. ده إلا الأم. (في عقله) اللي يخربيتك يا بعيد. منزل مي منزل مي منزل بسيط، ينم عن حياة فوق المتوسطة. غرفتها منمقة ومنظمة، بسيطة التفاصيل،
لا تخلو من أن تعطي إيحاءً بالراحة النفسية مع إضاءتها الخافتة، وبعض اللوحات والرسومات التي تضيف إليها البهجة. تجلس مي على سريرها متكئة، يبدو عليها أنها تفكر بعمق. تفكر كيف أن حياة الإنسان متقلبة، متغيرة، لا تخلو من الأحداث في كل دقيقة تمر. المواقف تستطيع أن تخبرنا عن دوافع لا ندركها. كيف تغير يومها بهذه السرعة، من الهدوء إلى الجنون، من الرهبة إلى التعاطف مع الآخرين. كيف تعاطفت بسرعة مع يوسف، وكيف أن الوقت لا يمهل الإنسان القدرة على اتخاذ القرار. كيف لنا أن نتغلب على المشاعر التي تؤرقنا وتؤذينا، وتجعلنا ننساق إلى ماضٍ بدون حاضر، وبدون اختيارات؟ وحينما نحاول العودة منها، تظل عالقة في أذهاننا بدون رحمة. نخطئ حينما نحاول الاستسلام لها، وكأننا تعلقنا بقيود منيعة من الأفكار. ظلت تفكر في يوسف، بعد أن شاهدت ذلك الوجه الشاحب بعد فقدان سيدة. أدركت أنه كان يعتبرها الملاذ الأخير، حضنًا دافئًا يستطيع أن يبوح لها بما يألمه. فقدانه لزوجته التي شاهدت تفاصيل حياتها، والتي انعكست على هدوء منزله المنمق، بروح كلاسيكية. بالطبع، كل ركن من أركان المنزل يستطيع بالضرورة أن يذكره بها. كيف له أن يستطيع البقاء وحيدًا في ظل كل هذه الذكريات المؤلمة؟ “مسكين ذلك الرجل.” قطع تفكيرها صوت باب غرفتها، وأمها تدخل إليها، حاملة في يديها صينية بها بعض الطعام، وكوب من النسكافيه. اتجهت الأم وجلست بجانبها، واضعة الصينية بجانب مي. الأم (في لطف): كنت متأكدة أنك ما نمتيش. عارفاكي. مي (تتحدث بحزن): أنام إزاي بس يا ماما؟ أصلك مشوفتيش حاجة. منظر الست وهي على الأرض كان بشع. إزاي في شخص يقدر يعمل كده؟ الأم (محاولة أن تخفف عنها): يا حبيبتي، القدر مش بيادينا. ربنا بيسبب الأسباب. ابنها كان مجرد
سبب، وأنا عارفة ومتأكدة إنه هياخد عقابه، زي ما يستحق. ربك يمهل ولا يهمل. المهم إنتي، مينفعش تفضلي معلقة تفكيرك بالموضوع ده. كتر التفكير هيسببلك مشاكل. لازم تتعلمي إن كل موقف في حياتك بيعدي، ولازم يعدي. مي: أنا بحاول يا ماما، بس مش قادرة. وبعدين، فعلاً، يوسف صعبان عليا جدًا. انتي مشوفتيش حالته كانت عاملة إزاي. الأم: يوسف في اختبار يا مي. كل إنسان لازم يكون عنده ابتلاء. بيختلف نوع الابتلاء من شخص للتاني، لكن لازم ياخد قدره من الابتلاء. وبعدين، أول مرة من فترة طويلة أشوفك شاغلة نفسك بحد. مي (تنتبه): قصدك إيه يا ماما؟ الأم: لا، أبدًا مقصدش. يلا كلي لقمة. مينفعش تسيبي نفسك كده. وبعدين، عملتلك النسكافيه اللي بتحبيه. يلا يا حبيبتي. (تقوم وتحضنها.) مي (في عطف): حاضر يا ماما. منزل يوسف يوسف يجلس في الصالة شارد الزهن، يشعر بغصة في حلقه، لا يستطيع التنفس. ينظر باتجاه المطبخ تارة، وإلى حمام السباحة تارة أخرى. يحاول جاهدًا أن يتماسك وأن لا يبكي. ينظر إلى صورة زوجته وابنته المعلقة أمامه، وكأنه يتحدث إليها، معاتبًا نفسه: كيف تركها في ذلك اليوم، حينما طلبت منه المجيء معها إلى حفلة ابنتها؟ لا يستطيع أن يمنع نفسه من الشعور بالذنب، حينما قال لها إنه لا يستطيع لأن لديه اجتماعًا طارئًا في العمل. هل يمكن للعمل أن يمنع الإنسان من التمتع بأجمل لحظات تجمعه مع عائلته؟ وكيف لا؟ فإذا كان يريد أن يحقق لهم الراحة، يجب أن يعمل. يعود ليعاتب نفسه مرة أخرى: لكنه كان يستطيع تأجيل ذلك الاجتماع. يتذكر تلك المكالمة التي أخبرته بحادث زوجته وابنته. يتذكر كيف أنه ظل ممسكًا بالهاتف، لا يستطيع التفكير أو تصديق ما سمع. قام مسرعًا متجهًا إلى المستشفى، ليجد زوجته وابنته كل منهما على سرير، يحاول الأطباء إنعاشهم. يرى وجه ابنته الملائكي وهو مليء بالخدوش والجروح. يشاهد زوجته وقد تلطخت بالدماء، وانطفأت أمام عينيه. انطلق صوت الأجهزة ليعلن فراق زوجته له، وبعدها بقليل، صوت أجهزة ابنته. كم كره ذلك الصوت المشؤوم! سقط أرضًا لا تستطيع أن تحمله قدماه. انهار ذلك الرجل القوي، انهار أمام الحب. تهاوت كل سماته في لحظة. أدرك بعدها أنه لا يمكن لأي رجل، مهما كانت قوته، أن يتحمل ذلك الضعف أمام من يحب. في صمت، استعاد هدوء تفكيره، ونظر إلى صورتها مرة أخرى، محاولًا أن يتحدث إليها بعينيه فقط، وكأنه يقول لها: “سامحيني.” ثم تذكر فجأة مي. ذلك التقارب بينها وبين زوجته غريب، غريب لدرجة أنه كان يعتقد أنه يجلس أمامها. للحظة، كان سيمسك يديها ليعبر لها عن حبه. كيف سمح لنفسه بذلك التفكير؟ صحيح أنه لا يحب مي، لكنه شاهد زوجته أمامه. لم يوقفه إلا صوت وقوع سيدة على الأرض. يتذكر كيف هي هادئة ومريحة. كيف أنه يشتم رائحة عطر حبيبته فيها. يحاول أن يمنع نفسه من التفكير فيها، ولكنه بدون إرادة. أمسك هاتفه، وقام بالاتصال بها. يوسف: الو… طمنيني عليكِ. منمتِيش صح؟  صباح يوم جديد : شركة يوسف يجلس محسن على مكتبه، وأمامه تجلس “شريفة”، وهي على علاقة مع محسن. شريفة متوسطة الجمال، ولكن يبدو عليها الخبث والطمع. تتقرب إليه دائمًا من أجل الحصول على المال. يصرف عليها محسن ببذخ في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى يقوم بإذلالها. يستمتع بما يفعله بها، ويشعر دائمًا بالانتصار لملذاته حينما ترضخ له. يقف في المقابل أحد الموظفين، ويقوم محسن بتوبيخه ليظهر لها قوته في إدارة الشركة. محسن (بغضب): الكلام ده لو حصل منك تاني، أنا هفصلك من الشركة. فاهم؟ الموظف (بتردد): يا فندم، فعلاً اللي حصل مكنش بايدي. حد دخل على الكمبيوتر يا فندم وسحب الملفات اللي فيه كلها. والمشكلة إن الفلاشة كانت مفيّرسة، وده تسبب إن الأجهزة كلها اللي على الشبكة يبقى فيها مشكلة. محسن (باستياء): وانت وظيفتك هنا إيه يا أستاذ؟ لما انت المتخصص بتقولي أنا كدة، المفروض أعمل لك إيه؟ الموظف (بهدوء): أنا فعلاً حليت المشكلة يا فندم. دلوقتي احنا لازم نعرف مين اللي له أكسس إنه يدخل على الأجهزة. المرة دي ربنا ستر، وأنا هغير النظام الأمني للأجهزة كلها، لحد ما مستر يوسف يرجع، علشان أخلي مسئوليتي قدامه. محسن (بحزم): اتفضل يا أستاذ، ومخصوملك نص شهر. (يخرج الموظف ويبدو عليه ملامح الغضب. ينظر محسن إلى شريفة ويتحدث إليها في تساؤل.) محسن: تفتكري مين يا شريفة معاه أكسس على الأجهزة بتاعت الشركة؟ شريفة (تتحدث إليه بدلع): تفتكر مين يا مومو؟ محسن (في حزم): أنا وإنتي يا حبيبتي عارفين كويس مين. عملتي كدة ليه؟
تم نسخ الرابط