سن رُفيّع  

سن رُفيّع   
سن رُفيّع  

التفتت لها ايمان بعينين محملتين بالدموع

_ وهو ابويا محافظ عليكى .. هو كل الحكايه انه كان عايز يمارس سلطاته مش اكتر .. تقدري تقوليلي هو رفض طارق ليه ؟

_ عشان اخت طارق كانت صاحبتك

خرجت والدتها من الغرفة وتركت ايمان تفكر فيما قالته لها .. استمرت إيمان في التفكير فيما قالته والدتها وهي تتساءل كيف يمكن لعلاقة صداقة بينها وبين أخت طارق أن تكون سببًا لرفض والدها الزواج منه. كانت تشعر بالظلم يلف حياتها من كل جانب وكأنها محاصرة بقرارات لا تملك فيها رأيًا ..  جلست على الأريكة تتنفس بصعوبة محاولة أن تهدأ من غضبها الداخلي .. كانت إيمان تشعر بقلبها ينفطر لم تكن تعرف كيف يمكن لوالدها أن يتجاهل كل ما يريدونه ويقرر ان يتحكم هو فقط في مصائرهم .. لم يكن شيء عادل حقا ان يعيشوا تفاصيل حياتهم القادمة كلها بناء علي رأيه هو فقط دون حتي ان يكون لهم حق المناقشة وابداء الرأي .. وها هو يفكر في ان يضيف لأسرتهم الحبيسة في ظلال آرائه فردا اخر ليمارس عليه تلك السطوة .. فردا اخر ليعيش معهم تلك الظروف القاسية التي يتقاسموها فيما بينهم بصعوبة .. فردا احر يقف لينتظر دوره في طابور تلبية الاحتياجات اليومية التي لا يسع لوالدهم ان يلبيها لهم .. كانت تصارع عقلها تلك الافكار عندما دخل الي غرفتها شقيقها عبد الرحمن بعد ان لمح دموعها التي تنساب علي وجنتيها .. لم تشعر به ايمان وهو يقترب منها حتي جلس امامها وهو ينظر لها بقلق

_ مالك يا ايمان ؟

تنتبه له فتطل ابتسامة باهتة علي وجهها وهي تمد يدها تمسح دموعها ببعض العنف عن

وجهها

_ لا مفيش حاجة .. متاخدش في بالك

_ مفيش حاجة ازاي ؟.. ده انتي بتعيطي

_ وهو يعني العياط بيموت ؟..

_ مبيموتش .. بس بيكسر القلب .. وانتي مش ناقصة كاسرة قلب

كانت كلماته تقطر حزنا بعد ان لمح من فتحة النافذة الصغيرة التي كانت ايمان تجلس امامها طارق وهو يقف مع زوجته وابنه الصغير .. لم يكن أمرا يستعصي علي فهمه ان يعرف ما يختلج داخل قلب شقيقته من أسي وحزن .. ذلك القلب الذي روضته الحياة والزمته الصمت  .. نظر اليها بشفقة لم ترتح لها فهي لطالما عانقت عيناها تلك النظرات التي تأسي لحالها حتي ملتها .. ابتسمت وهي تداعب وجهه بيدها

_ ما قولتلك خلاص بقي مفيش حاجة

_ عايز اتطمن عليكي

_ اتطمن ..

توقفت للحظة عن الحديث وقد طرأ لها شيئا ما ثم استبدلت تلك الملامح الحزينة بابتسامة هادئة

بأقولك ايه .. انا عايزاك في موضوع مهم

_ موضوع ايه ؟

_ هأقولك .. بس لازم توعدني انك متقولش لحد

شعر ببعض القلق من تلك اللهجة الجادة التي تحولت لها شقيقته فجأة ولكنه هز رأسه موافقا علي ما تقوله

_ مش هاقول لحد ابدا

في نفس الوقت الذي كانت ايمان تجكي لشقيقها ما خططت من أجله كان والدها يجلس مع صديقه عبد الرحيم علي المقهى .. كان ابراهيم يفكر فيما قاله له صديقه الذي داعب كتفه وهو يبتسم

_ انت بتفكر في ايه يا ابراهيم ؟.. هي دي عايزه تفكير ؟

_ ده جواز يا عبد الرحيم مش لعبة

_ وانا قولت انه لعبة ؟.. بس الراجل جاهز وشاري وموافق علي كل طلباتك

_ بس سنه …

قاطعه عبد الرحيم مستنكرا

_ ماله سنه ؟.. ده اصغر منك

_ بس اكبر منها وبكتير .. فرق 38 سنة مش شويه يا عبد الرحيم

_ والفلوس اللي عنده مش شويه برضو .. وانت هتعوز ايه غير ان البنت تتستر وتعيش مستريحه ؟

لم يكن في وسع ابراهيم رفض هذا العرض المغري من وجهة نظره .. رجل يريد الزواج من ابنته ولديه المال اللازم للزواج وسينقل عبء حياتها ومتطلباتها عن كاهله .. زيجة مثالية لا يشوبها فارق السن الكبير بينهما ولا موافقة ابنته من عدمها ولا رأي أي من افراد اسرته في تلك الزيجة .. فهو الوحيد الذي يستطيع اتخاذ القرار في هذا الأمر كما اخبره صديقه عبد الرحيم وكما تربي منذ صغره .. فالاباء في الغالب يتوارثون تلك السلطة التي تعطيهم هذا الحق في اغتيال احلام ابناءهم تحت مقصلة خبراتهم واراءهم هم ..

عاد الي المنزل وهو يحمل في جعبته هذا الخبر الذي حاول اقناع نفسه طوال الطريق انه خبر سار سيزفه الي ايمان وباقي افراد اسرته .. فتحت له ايمان الباب فتجاوزها كعادته الي الداخل سوف توقف وهي تغلق الباب والتفت اليها بهدوء

_ تعالي يا ايمان .. عايزك

انخلع قلبها لجملته .. هذا الهدوء الذي يغلف نبرته والذي لم تعتاد عليه منه لابد انه يحمل في طياته شيء سيء .. تحركت خلفه حتي جلس ووقفت امامه وهي تنتظر ما سيقوله لها .. نظر اليها بهدوء وكأنه اراد متعمدا ان يتركها فريسة لعقلها لبعض الوقت ثم التفت عنها ونظر الي باب غرفته وهو يهتف

_ يا ام عبد الرحمن

اتاه صوت سميرة من الداخل وهي تتجه الي خارج الغرفة

_ ايوه يا حاج انا جايه اهو

خرجت سميرة من الغرفة مسرعة واقتربت منه .. اشار لها ابراهيم ان تجلس بجانبه دون ان يحول نظره عن ايمان التي وقفت وهي ترتعد بكل ما فيها .. كانت كل ما تفكر فيه ان والدها قد كشف امرها ولذلك قام باستدعاء والدتها .. كانت تحضر نفسها لما ستقوله له لتدافع عن نفسها عندما وجدته ينظر الي والدتها بهدوء وهو يبتسم

_ مبروك يا ام عبد الرحمن .. بنتك جالها عريس

ارتسمت الفرحة علي وجة سميرة ونظرت الي ايمان هاتفة بسعادة

_ مبروك يا ايمان الف مبروك

وقفت ايمان صامتة وهي تثبت عينيها علي والدها .. كانت أي فتاة ستفرح عندما يخبرها والدها ان هناك من تقدم لخطبتها ولكنها لم تكن تعرف ما هي شروط والدها في اختيار زوج المستقبل لها ولذلك لم تكن لتسعد قلبها بهذا الخبر قبل ان يتم والدها حديثه ويخبرها بما هو اكثر من طلب يدها .. لم يجعلها ابراهيم تنتظر كثيرا نظر لها وهو مازال يحتفظ بابتسامته التي تثير خوفها من هذا العريس المجهول واكمل حديثه بهدوء

_ راجل محترم وعنده بيت ملك ودخل كويس .. وهو اللي هيتكفل بكل حاجة في الجواز .. يعني مش عايز مننا حاجة

اكمل بلهجة الاب الحريص علي ابنته

انا كمان اشترطت عليه انه يقعدها في شقة لوحدها بعيد عن عياله

ارتبكت سميرة بعض الشيء واختلطت فرحتها ببعض الارتباك

_ عياله ؟.. هو عنده ولاد ؟

اكمل وهو يتحاشى نظرات ايمان له

_ اه عنده تلاته من مراته الاولانيه الله يرحمها .. واحد متجوز واتنين تانين واحد بيشتغل والتاني في اخر سنة ليه في الجامعة

صمتت سميرة وقد تلاشت الفرحة تدريجيا عن وجهها وهي تحاول جاهدة استعادتها لترسم ابتسامة موءودة علي وجهها وهي تنظر الي ايمان

_ مبروك يا ايمان

ردت ايمان عليها وهي مازالت تثبت نظرها علي وجه ابيها

_ مبروك علي ايه ؟.. ده عنده ولاد من سني واكبر مني كمان

رد ابراهيم وقد ارتسمت علي وجهه امارات الغضب

_ الراجل مايعيبوش سنه

ردت ايمان بقوة

_ لما يكون بيتجوز واحدة من سنه .. لكن لما يروح يتجوز واحدة قد عياله يبقي يعيبه

رفع ابراهيم وجهه ونظر اليها بغضب

_ يعني ايه ؟

ردت ايمان بثبات

_ يعني مش موافقة

نظر اليها بعينين تنبعث منهما نيران غضبه

_ وانتي مين عشان توافقي ولا ترفضي ؟

بثبات لم تعهده بنفسها من قبل

_ انا الانسانة اللي هتتجوز ودي حياتها .. ومفيش شرع ولا دين ولا تقاليد تجبرني اني اتجوز حد غصب عني .. انا مقدرش اتجوز من غير موافقتك .. بس برضو انت متقدرش تجوزني من غير موافقتي

قالت جملتها واستدارت لتتجه الي غرفتها وهي تسمع من خلفها تهديد ووعيد والدها لها ومحاولات والدتها تهدئته .. لمحت عبد الرحمن شقيقها وهو يقف خلف باب غرفته التي فتحها قليلا وهو يطل فقط بجزء من رأسه يتابع به ما يحدث .. كانت بعينيه نظرة مشجعة لها رغم انه لم يكن يملك القوة ليصبح مثلها فأكتفي بهذا الدور الهامشي في تلك الجلسة العائلية العاصفة .. دخلت ايمان الي غرفتها واغلقت الباب خلفها ليصد عنها صوت ابيها الذي كان يرتفع تدريجيا كلما ابتعدت عنه .. استندت بجسدها علي الباب الذي اغلقته للتو .. كان جسدها يرتعد .. لم تعرف أهذا من الخوف الذي جاهدت لتكتمه داخلها ولا تظهره لوالدها ام من السعادة بهذا الموقف الذي استطاعت اخيرا ان تعلنه في وجه ابيها .. لم تكن تتوقع انها تستطيع فعل ذلك يوما ما .. فلم يكن الأمر سهلا ابدا عليها .. ولكن ها هو يحدث …

مر اليوم دون ان تغادر ايمان غرفتها .. يأتيها عبد الرحمن ليلقي لها ببعض عبارات التشجيع والاعجاب بما قامت به .. شقيقاتها الاصغر منها يدخلن ليجلسن بجانبها دون ان يتكلمن ثم يخرجن مرة اخري .. لعنات والدها وسبابه يصل الي مسامعها كل بضع دقائق يعقبه  زيارة من والدتها تنصحها بصوت عالي ان ترضخ لما يقوله والدها وبصوت منخفض او ببعض الاشارات بيديها او ايماءات برأسها الا تفعل ذلك ..

جلست إيمان على سريرها بعد أن هدأ المنزل تدريجيًا .. لم تعد تسمع صرخات والدها ولا خطوات والدتها التي ظلت تزورها طوال اليوم ..  كان كل شيء ساكنًا بالخارج .. لكن داخلها كان يضج بالأفكار .. أدركت أنها فتحت بابًا لن يُغلق بسهولة وأن والدها لن يقف مكتوف الأيدي .. بدأت تفكر في الخطوة التالية .. وما سيحدث اذا عرف والدها بما خططت له .. تساءلت وهي ترفع رأسها وتنظر إلى النافذة الصغيرة في غرفتها وكأنها تبحث عن ضوء في هذا الظلام الذي تجابهه ..

في اليوم التالي ارسلتها والدتها مع شقيقاتها لقضاء بعض احتياجات المنزل من السوق .. كانت تريد ان تبعدها لبعض الوقت عن والدها عندما يستيقظ من النوم حتي لا يحدث صدام بينهما في بداية اليوم .. وكما توقعت كان اول ما سأل عنه ابراهيم عند استيقاظه وقبل مغادرته الفراش كان عن ايمان وعندما اخبرته انها ارسلتها الي السوق هي وشقيقاتها ظل لعدة ثواني ينظر لها بوجه جامد دون ان يبدي أي ردة فعل علي ذلك .. كانت تخاف ان يخرج كل ما بداخله من غضب تجاهها هي ولكنه لم يفعل شيء ونهض بهدوء مغادرا فراشه وهو يطلب منها ان تقوم بإعداد الشاي له .. خرج ابراهيم من الغرفة ووقف قليلا في صالة المنزل حتي تأكد من دخول سميرة الي المطبخ ثم اتجه الي غرفة ايمان بهدوء .. وقف ابراهيم داخل الغرفة وهو ينظر الي الفراشين الصغيرين والدولاب القديم الصغير المستند علي الجدار .. كان عقله قد حدثه ان رفض ايمان الزواج بتلك الطريقة ومجابهته بقوة هكذا لابد ان وراءها سرا كبيرا .. فأقصي ما كانت تستطيع فعله قبل ذلك ان تعارضه في جملة بسيطة او تعلق علي امر ما .. لكنه حتي عندما رفض زواجها من طارق الذي تقدم لخطبتها لم تبدي اعتراضا _ امامه علي الأقل _ ولم تشعره انها متمسكة به فلماذا الأن تقف امامه وترفض هذا العريس الثري دون خوف .. كان يريد ان يكتشف السر وراء ذلك وكان يثق انه سيجده في غرفتها التي تقضي بها اغلب وقتها .. بدأ يبحث بهمة عن هذا الدليل الذي لا يعرف ما هو .. اسفل فراشها .. داخل الوسادة .. بين ملابسها القليلة داخل الدولاب .. لم تكن الأشياء كثيرة داخل الغرفة ولكن لم يكن البحث سهلاً .. فلابد له ان ينتهي منه قبل ان تنتهي سميرة من اعداد الشاي له .. لم يسفر بحثه عن شيء .. وقف في وسط الغرفة وهو ينظر حوله في ضيق واثناء ذلك لمح طرف كيس صغير اعلي الدولاب .. مد يده ليلتقط الكيس ويفتحه .. وقف ممسكا بما داخل الكيس وهو مصدوم .. كان ما وجده هو اخر شيء يمكن ان يتوقعه …

لم يمضي كثير من الوقت حتي عادت ايمان مع شقيقاتها من السوق .. استقبلتها والدتها بوجه متوتر وانزوت بها بعيدا عن شقيقاتها وهي تسألها والخوف يملئ نبرات صوتها

_ انتي عملتي ايه ؟

_ معملتش حاجة .. انا نزلت انا واخواتي جبنا الحاجات اللي انتي قولتيلي عليها وجينا علي طول

خفضت سميرة من صوتها وهي تقترب من ايمان لتظهر لها ان الأمر خطير

_ اصل روحت اعمل لأبوكي الشاي .. طلعت لقيته خارج من اوضتك ووشه بيقول ان في مصيبة حصلت .. وسأل عليكي مع ان وانا بأصحيه قولتله اني بعتك تجيبي حاجات من السوق انتي واخواتك

ظلت ايمان للحظات واجمة .. استنتجت سريعا ما وجده والدها .. وكانت تعرف انها بذلك اقتربت كثيرا من حافة المواجهة معه .. تحركت الي غرفته كمن يساق لغرفة الاعدام ويعلم ان تلك هي لحظاته الاخيرة في الحياة .. دخلت الغرفة فوجدت والدها يجلس علي طرف الفراش وهو يقبض بيد علي الكيس الصغير الذي وجده في غرفتها وباليد الاخري يمسك بالفراش يعتصره بقوة .. رفع عينيه التي كان ينظر بهما الي الارض لها .. رغم كل طاقة الكراهية التي كان يحملها في عينيه لها الا ان هذا الانكسار الذي لمحته في تلك النظرة اشعرتها ببعض الشفقة تجاهه .. رفع يده بالكيس امامه وهو يضغط كلماته التي تمتلئ بنيران الغضب الذي بداخله

_ ايه ده ؟

حاولت ان تكون ثابتة علي قدر استطاعتها

_ حقن منع الحمل

نبرتها الهادئة زادت من نار قلبه المشتعلة بداخله .. كانت تري يده الممسكة بالفراش تعتصره وكانت تشعر انه كان يود لو كانت عنقها هي التي بين يديه .. خرج صوته متقطعا رغما عنه وكأنه يحاهد ليخرجه من حلقه

_ بتقوليها عادي كده ؟.. مش خايفه اموتك في ايدي ؟

_ لا خايفه .. وكل حته جوايا بتترعش لو كان ده يرضيك

_ مين اللي عملها ؟

_ محدش عمل حاجة

زاد غضبه وهو يهتف فيها بكل ما أوتي من قوة

_ انتي عاوزه تخليني اتجنن يا بت

قبل ان تنطق نهض مندفعا تجاهها وهو يمسك بذراعها بقوة ويرج جسدها بعنف

_ انا هاموتك بس بعد ما اعرف منك الاول مين اللي عملها

كانت سميرة وشقيقات ايمان قد تجمعن علي باب الغرفة .. وقفن ملتحمين يرتجفن بخوف ولكن لم تجرؤ أي منهن علي التدخل .. تساقطت الدموع من عيني ايمان وهي تنظر لوالدها لا تعرف هل لمحت حقا نظرة تعاطف لها في عينيه ام ان هذا ما كانت تتمناه فقط في تلك اللحظة .. نظرت له بأسي والدموع تمتزج بصوتها

_ الحقن دي مش بتاعتي

امسك ابراهيم بها بقوة اكبر وهو يهتف فيها

_ خايفة علي اللي عملها وعايزه تحميه مني يا بنت ال…

رفع يده عاليا ليصفعها ولكن قبل ان يهوي بها علي وجهها اندفع عبد الرحمن الي الغرفة ليمسك بيد والده وهو يهتف فيه

_ ايمان مبتكدبش .. بنتك شريفة ومحدش لمسها .. الحقن مش بتاعتها فعلا

كان لأول مرة يري ابراهيم ابنه يهتف فيه بمثل تلك القوة .. جعله ذلك يتراجع خطوة الي الوراء وهو ينظر له في ذهول

_ انت كنت عارف ؟

هتف عبد الرحمن وكل ذرات وجهه ترتعد من مزيج الغضب والخوف من المواجهة الاولي له مع والده

_ اه كنت عارف .. دي ايمان بنتك .. بنت الحاج ابراهيم .. مكنتش هتعمل حاجة الا لما تقول لاخوها وتتحامي في ضله

كانت كلماته كفيلة بأن تهدأ نيران الغضب قليلا في نفس ابراهيم ولكن لم تكن لتجعل دهشته تتوقف عن التزايد .. نظر لابنه متسائلا

_ اومال الحقن دي بتاعت مين ؟

كان ينتظر الرد من عبد الرحمن ولكنه تفاجئ بسميرة تتقدم وهي تهتف بقوة

_ بتاعتي انا

لم يكن ردها مفاجئ له فقط .. تفاجأت ايمان ومعها عبد الرحمن ايضا بما قالته .. نظرت لها ايمان والدموع تنهمر من عينيها

_ كنتي عارفة ؟

_ اه كنت عارفة من اول ما اديتهالي .. اول ما شوفتها في ايدك كنت عاوزه ازعق فيكي واقولك انك غلط .. لكن حسيت ان في حاجة جوايا بترد عليا وبتقوللي ان انا اللي غلط

التفتت الي ابراهيم وهي تنظر له بقوة

انا اللي غلط اني معملتش ده وقولتلك عليه في العلن بدل ما بنتك تفكر فيه وتعمله في الدرى .. انا اللي غلط اني مش بأقول لا لما تطلب مني حاجة فوق طاقتي .. باخاف علي زعلك وانت عمرك ما خوفت عليا ولا علي صحتي ولا علي حياتي

قوتها اشعرته بالارتباك

_ هو انا غلطان اني طلبت شرع ربنا ؟

اقتربت منه سميرة وهي تهتف بقوة

_ ده مش شرع ربنا .. ربنا مقالكش جيب في عيال حتي لو مراتك مش قادرة .. ربنا مقالكش هات اكتر من طاقتك وانت مش عارف تصرف عليهم

تعثرت الكلمات في فمه

_ بس . بس كان لازم تقوليلي

طرقت بيديها علي فخذيها والدموع تنهمر فجأة من عينيها وهي تهتف

_ خوفت .. كان لازم اقولك بس خوفت .. ما انت معودنا ع الخوف وان الكلام يفضل محشور في زورنا ومنعرفش نقوله

تراجع ابراهيم حتي جلس علي طرف الفراش مرة اخري .. كان لأول مرة يسمح لأسرته ان يروا انكساره .. وقف الجميع مترقبا ما سيفعله .. كانوا يتوقعون ان ينهض الي جولة اخري من الصياح في وجوههم .. لكنه رفع عينيه المملؤة بالدموع وهو يرفع يده بالكيس الصغير وهو ينظر الي ايمان

_ خدي شيليهم في دولابي يا ايمان .. واحفظي الميعاد عشان تبقي تديها لامك في ميعادها

اندفعت ايمان لتجلس عند قدمي والدها وامسكت يده تقبلها وهي تبكي

_ انا اسفة

سحب يده ووضعها علي رأسها وهو يربت عليها بحنان وقد سمح لدموعه ان تنساب دون ان يحبسها

_ انا اللي اسف

هزت رأسها غير مصدقة ان يعتذر والدها لها .. مالت علي يده تقبلها مرة اخري وتختلط قبلتها بدموعها التي تساقطت علي يده ..

في الايام التالية لهذا اليوم جمعتها احاديث طويلة مع والدها .. قررت ان تقترب من والدها اكثر وتذيب الجليد الذي كان بينها وبينه لفترة طويلة  .. كانت تحكي له كل ما بداخلها واصبح هو يستمع لها ويبادلها الحديث .. سمح لها ايضا ان تعمل بعد ان اخبرته ان غادة صديقتها وجدت لها عمل في الشركة التي تعمل بها .. وطلبت منه ان يصطحبها في اول يوم عمل لها ليري الشركة التي ستعمل بها .. كانت سعيدة وهي تري التغيير الذي طرأ علي والدها وعلي علاقته ليس بها هي فقط ولكن مع والدتها واشقاءها ايضا ..

التفتت لها ايمان بعينين محملتين بالدموع _ وهو ابويا محافظ عليكى .. هو كل الحكايه انه كان عايز يمارس سلطاته مش اكتر .. تقدري تقوليلي هو رفض طارق ليه ؟ _ عشان اخت طارق كانت صاحبتك خرجت والدتها من الغرفة وتركت ايمان تفكر فيما قالته لها .. استمرت إيمان في التفكير فيما قالته والدتها وهي تتساءل كيف يمكن لعلاقة صداقة بينها وبين أخت طارق أن تكون سببًا لرفض والدها الزواج منه. كانت تشعر بالظلم يلف حياتها من كل جانب وكأنها محاصرة بقرارات لا تملك فيها رأيًا ..  جلست على الأريكة تتنفس بصعوبة محاولة أن تهدأ من غضبها الداخلي .. كانت إيمان تشعر بقلبها ينفطر لم تكن تعرف كيف يمكن لوالدها أن يتجاهل كل ما يريدونه ويقرر ان يتحكم هو فقط في مصائرهم .. لم يكن شيء عادل حقا ان يعيشوا تفاصيل حياتهم القادمة كلها بناء علي رأيه هو فقط دون حتي ان يكون لهم حق المناقشة وابداء الرأي .. وها هو يفكر في ان يضيف لأسرتهم الحبيسة في ظلال آرائه فردا اخر ليمارس عليه تلك السطوة .. فردا اخر ليعيش معهم تلك الظروف القاسية التي يتقاسموها فيما بينهم بصعوبة .. فردا احر يقف لينتظر دوره في طابور تلبية الاحتياجات اليومية التي لا يسع لوالدهم ان يلبيها لهم .. كانت تصارع عقلها تلك الافكار عندما دخل الي غرفتها شقيقها عبد الرحمن بعد ان لمح دموعها التي تنساب علي وجنتيها .. لم تشعر به ايمان وهو يقترب منها حتي جلس امامها وهو ينظر لها بقلق _ مالك يا ايمان ؟ تنتبه له فتطل ابتسامة باهتة علي وجهها وهي تمد يدها تمسح دموعها ببعض العنف عن
وجهها _ لا مفيش حاجة .. متاخدش في بالك _ مفيش حاجة ازاي ؟.. ده انتي بتعيطي _ وهو يعني العياط بيموت ؟.. _ مبيموتش .. بس بيكسر القلب .. وانتي مش ناقصة كاسرة قلب كانت كلماته تقطر حزنا بعد ان لمح من فتحة النافذة الصغيرة التي كانت ايمان تجلس امامها طارق وهو يقف مع زوجته وابنه الصغير .. لم يكن أمرا يستعصي علي فهمه ان يعرف ما يختلج داخل قلب شقيقته من أسي وحزن .. ذلك القلب الذي روضته الحياة والزمته الصمت  .. نظر اليها بشفقة لم ترتح لها فهي لطالما عانقت عيناها تلك النظرات التي تأسي لحالها حتي ملتها .. ابتسمت وهي تداعب وجهه بيدها _ ما قولتلك خلاص بقي مفيش حاجة _ عايز اتطمن عليكي _ اتطمن .. توقفت للحظة عن الحديث وقد طرأ لها شيئا ما ثم استبدلت تلك الملامح الحزينة بابتسامة هادئة بأقولك ايه .. انا عايزاك في موضوع مهم _ موضوع ايه ؟ _ هأقولك .. بس لازم توعدني انك متقولش لحد شعر ببعض القلق من تلك اللهجة الجادة التي تحولت لها شقيقته فجأة ولكنه هز رأسه موافقا علي ما تقوله _ مش هاقول لحد ابدا في نفس الوقت الذي كانت ايمان تجكي لشقيقها ما خططت من أجله كان والدها يجلس مع صديقه عبد الرحيم علي المقهى .. كان ابراهيم يفكر فيما قاله له صديقه الذي داعب كتفه وهو يبتسم _ انت بتفكر في ايه يا ابراهيم ؟.. هي دي عايزه تفكير ؟ _ ده جواز يا عبد الرحيم مش لعبة _ وانا قولت انه لعبة ؟.. بس الراجل جاهز وشاري وموافق علي كل طلباتك _ بس سنه … قاطعه عبد الرحيم مستنكرا _ ماله سنه
؟.. ده اصغر منك _ بس اكبر منها وبكتير .. فرق 38 سنة مش شويه يا عبد الرحيم _ والفلوس اللي عنده مش شويه برضو .. وانت هتعوز ايه غير ان البنت تتستر وتعيش مستريحه ؟ لم يكن في وسع ابراهيم رفض هذا العرض المغري من وجهة نظره .. رجل يريد الزواج من ابنته ولديه المال اللازم للزواج وسينقل عبء حياتها ومتطلباتها عن كاهله .. زيجة مثالية لا يشوبها فارق السن الكبير بينهما ولا موافقة ابنته من عدمها ولا رأي أي من افراد اسرته في تلك الزيجة .. فهو الوحيد الذي يستطيع اتخاذ القرار في هذا الأمر كما اخبره صديقه عبد الرحيم وكما تربي منذ صغره .. فالاباء في الغالب يتوارثون تلك السلطة التي تعطيهم هذا الحق في اغتيال احلام ابناءهم تحت مقصلة خبراتهم واراءهم هم .. عاد الي المنزل وهو يحمل في جعبته هذا الخبر الذي حاول اقناع نفسه طوال الطريق انه خبر سار سيزفه الي ايمان وباقي افراد اسرته .. فتحت له ايمان الباب فتجاوزها كعادته الي الداخل سوف توقف وهي تغلق الباب والتفت اليها بهدوء _ تعالي يا ايمان .. عايزك انخلع قلبها لجملته .. هذا الهدوء الذي يغلف نبرته والذي لم تعتاد عليه منه لابد انه يحمل في طياته شيء سيء .. تحركت خلفه حتي جلس ووقفت امامه وهي تنتظر ما سيقوله لها .. نظر اليها بهدوء وكأنه اراد متعمدا ان يتركها فريسة لعقلها لبعض الوقت ثم التفت عنها ونظر الي باب غرفته وهو يهتف _ يا ام عبد الرحمن اتاه صوت سميرة من الداخل وهي تتجه الي خارج الغرفة _ ايوه يا حاج انا جايه اهو خرجت سميرة من الغرفة مسرعة واقتربت منه .. اشار لها ابراهيم ان تجلس بجانبه دون ان يحول نظره عن ايمان التي وقفت وهي ترتعد بكل ما فيها .. كانت كل ما تفكر فيه ان والدها قد كشف امرها ولذلك قام باستدعاء والدتها .. كانت تحضر نفسها لما ستقوله له لتدافع عن نفسها عندما وجدته ينظر الي والدتها بهدوء وهو يبتسم _ مبروك يا ام عبد الرحمن .. بنتك جالها عريس ارتسمت الفرحة علي وجة سميرة ونظرت الي ايمان هاتفة بسعادة _ مبروك يا ايمان الف مبروك وقفت ايمان صامتة وهي تثبت عينيها علي والدها .. كانت أي فتاة ستفرح عندما يخبرها والدها ان هناك من تقدم لخطبتها ولكنها لم تكن تعرف ما هي شروط والدها في اختيار زوج المستقبل لها ولذلك لم تكن لتسعد قلبها بهذا الخبر قبل ان يتم والدها حديثه ويخبرها بما هو اكثر من طلب يدها .. لم يجعلها ابراهيم تنتظر كثيرا نظر لها وهو مازال يحتفظ بابتسامته التي تثير خوفها من هذا العريس المجهول واكمل حديثه بهدوء _ راجل محترم وعنده بيت ملك ودخل كويس .. وهو اللي هيتكفل بكل حاجة في الجواز .. يعني مش عايز مننا حاجة اكمل بلهجة الاب الحريص علي ابنته انا كمان اشترطت عليه انه يقعدها في شقة لوحدها بعيد عن عياله ارتبكت سميرة بعض الشيء واختلطت فرحتها ببعض الارتباك _ عياله ؟.. هو عنده ولاد ؟ اكمل وهو يتحاشى نظرات ايمان له _ اه عنده تلاته من مراته الاولانيه الله يرحمها .. واحد متجوز واتنين تانين واحد بيشتغل والتاني في اخر سنة ليه في الجامعة صمتت سميرة وقد تلاشت الفرحة تدريجيا عن وجهها وهي تحاول جاهدة استعادتها لترسم ابتسامة موءودة علي وجهها وهي تنظر الي ايمان _ مبروك يا ايمان ردت ايمان عليها وهي مازالت تثبت نظرها علي وجه ابيها _ مبروك علي ايه ؟.. ده عنده ولاد من سني واكبر مني كمان رد ابراهيم وقد ارتسمت علي وجهه امارات الغضب _ الراجل مايعيبوش سنه ردت ايمان بقوة _ لما يكون بيتجوز واحدة من سنه .. لكن لما يروح يتجوز واحدة قد عياله يبقي يعيبه رفع ابراهيم وجهه ونظر اليها بغضب _ يعني ايه ؟ ردت ايمان بثبات _ يعني مش موافقة نظر اليها بعينين تنبعث منهما نيران غضبه _ وانتي مين عشان توافقي ولا ترفضي ؟ بثبات لم تعهده بنفسها من قبل _ انا الانسانة اللي هتتجوز ودي حياتها .. ومفيش شرع ولا دين ولا تقاليد تجبرني اني اتجوز حد غصب عني .. انا مقدرش اتجوز من غير موافقتك .. بس برضو انت متقدرش تجوزني من غير موافقتي قالت جملتها واستدارت لتتجه الي غرفتها وهي تسمع من خلفها تهديد ووعيد والدها لها ومحاولات والدتها تهدئته .. لمحت عبد الرحمن شقيقها وهو يقف خلف باب غرفته التي فتحها قليلا وهو يطل فقط بجزء من رأسه يتابع به ما يحدث .. كانت بعينيه نظرة مشجعة لها رغم انه لم يكن يملك القوة ليصبح مثلها فأكتفي بهذا الدور الهامشي في تلك الجلسة العائلية العاصفة .. دخلت ايمان الي غرفتها واغلقت الباب خلفها ليصد عنها صوت ابيها الذي كان يرتفع تدريجيا كلما ابتعدت عنه .. استندت بجسدها علي الباب الذي اغلقته للتو .. كان جسدها يرتعد .. لم تعرف أهذا من الخوف الذي جاهدت لتكتمه داخلها ولا تظهره لوالدها ام من السعادة بهذا الموقف الذي استطاعت اخيرا ان تعلنه في وجه ابيها .. لم تكن تتوقع انها تستطيع فعل ذلك يوما ما .. فلم يكن الأمر سهلا ابدا عليها .. ولكن ها هو يحدث … مر اليوم دون ان تغادر ايمان غرفتها .. يأتيها عبد الرحمن ليلقي لها ببعض عبارات التشجيع والاعجاب بما قامت به .. شقيقاتها الاصغر منها يدخلن ليجلسن بجانبها دون ان يتكلمن ثم يخرجن مرة اخري .. لعنات والدها وسبابه يصل الي مسامعها كل بضع دقائق يعقبه  زيارة من والدتها تنصحها بصوت عالي ان ترضخ لما يقوله والدها وبصوت منخفض او ببعض الاشارات بيديها او ايماءات برأسها الا تفعل ذلك .. جلست إيمان على سريرها بعد أن هدأ المنزل تدريجيًا .. لم تعد تسمع صرخات والدها ولا خطوات والدتها التي ظلت تزورها طوال اليوم ..  كان كل شيء ساكنًا بالخارج .. لكن داخلها كان يضج بالأفكار .. أدركت أنها فتحت بابًا لن يُغلق بسهولة وأن والدها لن يقف مكتوف الأيدي .. بدأت تفكر في الخطوة التالية .. وما سيحدث اذا عرف والدها بما خططت له .. تساءلت وهي ترفع رأسها وتنظر إلى النافذة الصغيرة في غرفتها وكأنها تبحث عن ضوء في هذا الظلام الذي تجابهه .. في اليوم التالي ارسلتها والدتها مع شقيقاتها لقضاء بعض احتياجات المنزل من السوق .. كانت تريد ان تبعدها لبعض الوقت عن والدها عندما يستيقظ من النوم حتي لا يحدث صدام بينهما في بداية اليوم .. وكما توقعت كان اول ما سأل عنه ابراهيم عند استيقاظه وقبل مغادرته الفراش كان عن ايمان وعندما اخبرته انها ارسلتها الي السوق هي وشقيقاتها ظل لعدة ثواني ينظر لها بوجه جامد دون ان يبدي أي ردة فعل علي ذلك .. كانت تخاف ان يخرج كل ما بداخله من غضب تجاهها هي ولكنه لم يفعل شيء ونهض بهدوء مغادرا فراشه وهو يطلب منها ان تقوم بإعداد الشاي له .. خرج ابراهيم من الغرفة ووقف قليلا في صالة المنزل حتي تأكد من دخول سميرة الي المطبخ ثم اتجه الي غرفة ايمان بهدوء .. وقف ابراهيم داخل الغرفة وهو ينظر الي الفراشين الصغيرين والدولاب القديم الصغير المستند علي الجدار .. كان عقله قد حدثه ان رفض ايمان الزواج بتلك الطريقة ومجابهته بقوة هكذا لابد ان وراءها سرا كبيرا .. فأقصي ما كانت تستطيع فعله قبل ذلك ان تعارضه في جملة بسيطة او تعلق علي امر ما .. لكنه حتي عندما رفض زواجها من طارق الذي تقدم لخطبتها لم تبدي اعتراضا _ امامه علي الأقل _ ولم تشعره انها متمسكة به فلماذا الأن تقف امامه وترفض هذا العريس الثري دون خوف .. كان يريد ان يكتشف السر وراء ذلك وكان يثق انه سيجده في غرفتها التي تقضي بها اغلب وقتها .. بدأ يبحث بهمة عن هذا الدليل الذي لا يعرف ما هو .. اسفل فراشها .. داخل الوسادة .. بين ملابسها القليلة داخل الدولاب .. لم تكن الأشياء كثيرة داخل الغرفة ولكن لم يكن البحث سهلاً .. فلابد له ان ينتهي منه قبل ان تنتهي سميرة من اعداد الشاي له .. لم يسفر بحثه عن شيء .. وقف في وسط الغرفة وهو ينظر حوله في ضيق واثناء ذلك لمح طرف كيس صغير اعلي الدولاب .. مد يده ليلتقط الكيس ويفتحه .. وقف ممسكا بما داخل الكيس وهو مصدوم .. كان ما وجده هو اخر شيء يمكن ان يتوقعه … لم يمضي كثير من الوقت حتي عادت ايمان مع شقيقاتها من السوق .. استقبلتها والدتها بوجه متوتر وانزوت بها بعيدا عن شقيقاتها وهي تسألها والخوف يملئ نبرات صوتها _ انتي عملتي ايه ؟ _ معملتش حاجة .. انا نزلت انا واخواتي جبنا الحاجات اللي انتي قولتيلي عليها وجينا علي طول خفضت سميرة من صوتها وهي تقترب من ايمان لتظهر لها ان الأمر خطير _ اصل روحت اعمل لأبوكي الشاي .. طلعت لقيته خارج من اوضتك ووشه بيقول ان في مصيبة حصلت .. وسأل عليكي مع ان وانا بأصحيه قولتله اني بعتك تجيبي حاجات من السوق انتي واخواتك ظلت ايمان للحظات واجمة .. استنتجت سريعا ما وجده والدها .. وكانت تعرف انها بذلك اقتربت كثيرا من حافة المواجهة معه .. تحركت الي غرفته كمن يساق لغرفة الاعدام ويعلم ان تلك هي لحظاته الاخيرة في الحياة .. دخلت الغرفة فوجدت والدها يجلس علي طرف الفراش وهو يقبض بيد علي الكيس الصغير الذي وجده في غرفتها وباليد الاخري يمسك بالفراش يعتصره بقوة .. رفع عينيه التي كان ينظر بهما الي الارض لها .. رغم كل طاقة الكراهية التي كان يحملها في عينيه لها الا ان هذا الانكسار الذي لمحته في تلك النظرة اشعرتها ببعض الشفقة تجاهه .. رفع يده بالكيس امامه وهو يضغط كلماته التي تمتلئ بنيران الغضب الذي بداخله _ ايه ده ؟ حاولت ان تكون ثابتة علي قدر استطاعتها _ حقن منع الحمل نبرتها الهادئة زادت من نار قلبه المشتعلة بداخله .. كانت تري يده الممسكة بالفراش تعتصره وكانت تشعر انه كان يود لو كانت عنقها هي التي بين يديه .. خرج صوته متقطعا رغما عنه وكأنه يحاهد ليخرجه من حلقه _ بتقوليها عادي كده ؟.. مش خايفه اموتك في ايدي ؟ _ لا خايفه .. وكل حته جوايا بتترعش لو كان ده يرضيك _ مين اللي عملها ؟ _ محدش عمل حاجة زاد غضبه وهو يهتف فيها بكل ما أوتي من قوة _ انتي عاوزه تخليني اتجنن يا بت قبل ان تنطق نهض مندفعا تجاهها وهو يمسك بذراعها بقوة ويرج جسدها بعنف _ انا هاموتك بس بعد ما اعرف منك الاول مين اللي عملها كانت سميرة وشقيقات ايمان قد تجمعن علي باب الغرفة .. وقفن ملتحمين يرتجفن بخوف ولكن لم تجرؤ أي منهن علي التدخل .. تساقطت الدموع من عيني ايمان وهي تنظر لوالدها لا تعرف هل لمحت حقا نظرة تعاطف لها في عينيه ام ان هذا ما كانت تتمناه فقط في تلك اللحظة .. نظرت له بأسي والدموع تمتزج بصوتها _ الحقن دي مش بتاعتي امسك ابراهيم بها بقوة اكبر وهو يهتف فيها _ خايفة علي اللي عملها وعايزه تحميه مني يا بنت ال… رفع يده عاليا ليصفعها ولكن قبل ان يهوي بها علي وجهها اندفع عبد الرحمن الي الغرفة ليمسك بيد والده وهو يهتف فيه _ ايمان مبتكدبش .. بنتك شريفة ومحدش لمسها .. الحقن مش بتاعتها فعلا كان لأول مرة يري ابراهيم ابنه يهتف فيه بمثل تلك القوة .. جعله ذلك يتراجع خطوة الي الوراء وهو ينظر له في ذهول _ انت كنت عارف ؟ هتف عبد الرحمن وكل ذرات وجهه ترتعد من مزيج الغضب والخوف من المواجهة الاولي له مع والده _ اه كنت عارف .. دي ايمان بنتك .. بنت الحاج ابراهيم .. مكنتش هتعمل حاجة الا لما تقول لاخوها وتتحامي في ضله كانت كلماته كفيلة بأن تهدأ نيران الغضب قليلا في نفس ابراهيم ولكن لم تكن لتجعل دهشته تتوقف عن التزايد .. نظر لابنه متسائلا _ اومال الحقن دي بتاعت مين ؟ كان ينتظر الرد من عبد الرحمن ولكنه تفاجئ بسميرة تتقدم وهي تهتف بقوة _ بتاعتي انا لم يكن ردها مفاجئ له فقط .. تفاجأت ايمان ومعها عبد الرحمن ايضا بما قالته .. نظرت لها ايمان والدموع تنهمر من عينيها _ كنتي عارفة ؟ _ اه كنت عارفة من اول ما اديتهالي .. اول ما شوفتها في ايدك كنت عاوزه ازعق فيكي واقولك انك غلط .. لكن حسيت ان في حاجة جوايا بترد عليا وبتقوللي ان انا اللي غلط التفتت الي ابراهيم وهي تنظر له بقوة انا اللي غلط اني معملتش ده وقولتلك عليه في العلن بدل ما بنتك تفكر فيه وتعمله في الدرى .. انا اللي غلط اني مش بأقول لا لما تطلب مني حاجة فوق طاقتي .. باخاف علي زعلك وانت عمرك ما خوفت عليا ولا علي صحتي ولا علي حياتي قوتها اشعرته بالارتباك _ هو انا غلطان اني طلبت شرع ربنا ؟ اقتربت منه سميرة وهي تهتف بقوة _ ده مش شرع ربنا .. ربنا مقالكش جيب في عيال حتي لو مراتك مش قادرة .. ربنا مقالكش هات اكتر من طاقتك وانت مش عارف تصرف عليهم تعثرت الكلمات في فمه _ بس . بس كان لازم تقوليلي طرقت بيديها علي فخذيها والدموع تنهمر فجأة من عينيها وهي تهتف _ خوفت .. كان لازم اقولك بس خوفت .. ما انت معودنا ع الخوف وان الكلام يفضل محشور في زورنا ومنعرفش نقوله تراجع ابراهيم حتي جلس علي طرف الفراش مرة اخري .. كان لأول مرة يسمح لأسرته ان يروا انكساره .. وقف الجميع مترقبا ما سيفعله .. كانوا يتوقعون ان ينهض الي جولة اخري من الصياح في وجوههم .. لكنه رفع عينيه المملؤة بالدموع وهو يرفع يده بالكيس الصغير وهو ينظر الي ايمان _ خدي شيليهم في دولابي يا ايمان .. واحفظي الميعاد عشان تبقي تديها لامك في ميعادها اندفعت ايمان لتجلس عند قدمي والدها وامسكت يده تقبلها وهي تبكي _ انا اسفة سحب يده ووضعها علي رأسها وهو يربت عليها بحنان وقد سمح لدموعه ان تنساب دون ان يحبسها _ انا اللي اسف هزت رأسها غير مصدقة ان يعتذر والدها لها .. مالت علي يده تقبلها مرة اخري وتختلط قبلتها بدموعها التي تساقطت علي يده .. في الايام التالية لهذا اليوم جمعتها احاديث طويلة مع والدها .. قررت ان تقترب من والدها اكثر وتذيب الجليد الذي كان بينها وبينه لفترة طويلة  .. كانت تحكي له كل ما بداخلها واصبح هو يستمع لها ويبادلها الحديث .. سمح لها ايضا ان تعمل بعد ان اخبرته ان غادة صديقتها وجدت لها عمل في الشركة التي تعمل بها .. وطلبت منه ان يصطحبها في اول يوم عمل لها ليري الشركة التي ستعمل بها .. كانت سعيدة وهي تري التغيير الذي طرأ علي والدها وعلي علاقته ليس بها هي فقط ولكن مع والدتها واشقاءها ايضا ..
تم نسخ الرابط