عاصفة من القلق بقلم نهى صالح

عاصفة من القلق بقلم نهى صالح
عاصفة من القلق بقلم نهى صالح

نهض وأمسك بجهاز التحكم، وأغلق الفيلم، كانت حياة البطل قد وصلت لذروتها كحياتهما تمامًا، لكنه قرر أن يفاجئها بقرار أشد من القرار الذي اتخذه بطل الفيلم ليقلب الأحداث:

– عاوزة تعرفي الدكتور قال إيه؟

نظرت له وهي تتصنع عدم الاهتمام:

– والله زي ما تحب، دي حاجة ثانوية يعني، وواضح إن انت والدكتور شايفين إنها متخصنيش، هو يطلعني بره أوضة الكشف ويتكلم معاك لوحدك، وانت تذل أنفاسي علشان تقول لي، فاللي تشوفه بقى.

– الدكتور قال إننا مش هنقدر نجيب أطفال هناخد وقت على ما ده ممكن يحصل يعني أو ممكن ميحصلش خالص علشان أنا عندي مشكلة، ومحتاج دكتور متخصص في حالتي.

كانت تستمع له حتى أنهى كلامه، بداخلها لم تكن تعرف ماذا عليها أن تفعل؟

هل تحتضنه وتبكي؟

هل تبتسم في وجهه وتخبره أنها غير مهتمة أم تبكي على حالها لأنها ربما لن تحظى بأطفال منه؟

شعرت أنها لو صمتت أكثر من ذلك فربما تخسره، بقرار متسرع ربما يقرره بتهور، فاقتربت منه والتصقت به وهي تضع يدها على كتفه وتسأله بجدية:

– هو الدكتور ده بيعرف المستقبل على كده؟ طيب ما تيجي نسأله مين فينا هيترقى في شغله قبل التاني، أو مين فينا هيموت الأول، أو هاقول لك فكرة أحلى، إيه رأيك نقول له لو مشكلتك اتحلت هنجيب بنت ولا ولد، دي فكرة حلوة وفي مجال تخصصه.

اتسعت عيناه وهو يستمع لما تقوله من هراء:

– بتقولي إيه؟

ده دكتور يا سهى مش عراف، ولما يقول حاجة يبقى…

قاطعته:

– عاوز إيه يا أمين؟

عاوز تطلقني؟ اتفضل طلق، هاروح أتجوز واحد غيرك وممكن مخلفش، أو أتجوز وأخلف ويطلقني… الحياة مليانة سيناريوهات يا أمين مش لازم لو معجبناش واحد فيهم يبقى التاني على مزاجنا، يمكن

نقدر نخلف ويمكن لأ أنا ماعرفش لكن أنا مقررة متجوزش غير مرة واحدة، ومش ناوية أقرر التجربة دي تاني، فلو انت واخد قرار اتفضل نفذه، مش هتحايل عليك ومش هاعيَّط وأقول لك والنبي خليك في حياتي، وقوم ننام علشان عندنا شغل الصبح.

كانت ترقد بجوار أمين وتشعر بأنفاسه متوترة، مستيقظًا يفكر فيما قالته أو يفكر جديًا في الطلاق، لكنها قالت ما لديها وانتهى الأمر، ولا مجال للنقاش من جديد، أما هو فكان مستلقيًا بجوارها يعرف أيضًا أنها لن يغمض لها جفن هذه الليلة، حزنًا أو ندمًا، لا يعرف بالتحديد، لكن ما كان يعرفه كلاهما أنها كانت ليلة من أسوأ الليالي التي مرت على حياتهما.

 

مر وقت… ليس بالكثير لكنه كان ثقيلًا على كليهما حتى تقبل أمين الأمر، استطاعت أن تحتويه وكأنه طفل غاضب، سوَّت معه الأمر، وأخبرته أنها إن اشتاقت للأمومة ستطلب الإنفصال، وعدته وكان وعدها كافيًا بالنسبة له، جلسا سويًا ذات ليلة في هدوء وقررا ألا يسمحا لأحد بالتدخل بينهما، لا أهل ولا أصدقاء، وقررا تسوية الأمر بإجابة مشتركة اتفقا عليها إن سأل أحدهم عن تأخر الإنجاب:

– لن ننجب الآن.

إجابة صادمة لمجتمع يرى أن وظيفة الإنسان هي الزواج والإنجاب ولا يعترف بالزواج الناجح سوى بعد تزيين العلاقة بحفنة من الأطفال ولكنها كانت أيضًا إجابة حازمة، ستغلق الطريق على نصائح، وترشيحات لأسماء أطباء، وحكايات عن تجارب مشابهة استطاعت الإنجاب بعد عشرين أو ثلاثين عامًا.. “لا نريد إنجاب ولا نصائح من أحد” كانت كافية بكتم الأفواه على الأقل في وجودهم، لكن في غيابهم لم يكن الأمر كذلك!

استطاعا أن يتجاوزا هذه العاصفة معًا، كانا يترددان على طبيب آخر، وكانت حياتهما تسير بوتيرة عادية.

انقضى عام آخر بسلام حتى جاءت عاصفة أخرى حقيقة، عاصفة أجبرت الناس على الجلوس في المنازل، وقلبت حياة سهى رأسًا على عقب، بعد الإعلان عن أول حالة لفيروس “كورونا” في مصر، كانت سهى قبل العاصفة تتابع أخبار كورونا على المحطات العالمية، مثلما كانت قبل سنوات  تتابع أخبار “سارس” و “جنون البقر” ومثل هذه الأشياء التي كانت تسمع عنها في نشرات الأخبار، ظنًا منها أن الأمر بعيدًا عنها، حتى الإعلان الأول ثم الثاني وهكذا… توالت أخبار الحالات والوفيات، أصبحت تسمع عن أشخاص تعرفهم رحلوا بسبب الفيروس، وبدأت تصاب بحالات هلع، كان أمين بجوارها مصاب بحالة من الرعب لكنها أقل بعض الشيء، فلا مجال للانهيار الآن، امتلأ المنزل بزجاجات الكحول، والكلور، والمناديل المبللة، كل شيء كانت ترشه سهى بالكحول، حتى جاءت الضربة القاضية وأصيب أمين بالفيروس، تم عزله بعيدًا عن سهى التي أُجبرت على الذهاب لمنزل والدها حتى لا تصاب بالعدوى، كانت تتحدث مع أمين يوميًا عن طريق مكالمات الفيديو، وترى حالته الصحية التي دمرها الفيروس، تشعر به وحيدًا لكنه رفض تمامًا أن تقترب منه حتى، ولما اشتد عليه المرض وتمكن الفيروس من جسده أكثر تلقت منه مكالمة يوصيها بالزواج والإنجاب بعده، وأن تتخطاه تمامًا وتعيش حياة عادية، كانت هذه المكالمة بمثابة الفيروس الذي أصاب عقل سهى، فحتى بعد أن تحسنت صحة أمين، ومرعام ونصف بعد انتهاء الأزمة، كما انخفضت مبيعات الكحول، والمطهرات، وعاد الناس في كل العالم للحياة الطبيعية، لم تعد سهى كما كانت من قبل؛ فقد خرجت من تلك التجربة القاسية بوسواس قهري أربك حياتها وحياة زوجها، كانت تخشى المرض، وتبحث عن الجراثيم في المنزل وكأنها تترصدها، كانت تنظف الأرضيات وتغسل الحيطان خوفًا من الحشرات، وكانت تدفع لعامل النظافة ضعف أجرته حتى يخلصها من القمامة مرتين في اليوم لا مرة واحدة كباقي الجيران،  في كل شبر بالمنزل توجد زجاجة كحول، أصبحت تستحم يوميًا أكثر من ثلاث مرات، وتخشى أن تلمس النقود بيديها فكانت تحمل معها قفازات كتلك التي يستخدمها الأطباء في غرف العمليات، منعت دخول الطعام الجاهز للمنزل، وأصبحت ترهق نفسها في عمل كل شيء خوفًا من التعامل مع الناس في المطاعم، لم يصل الأمر لهذا حد بل أنها تقدمت بطلب إجازة من العمل بل وحاولت إقناع أمين بالاستمرار في العمل عن بُعد لكنه رفض بشدة، جن جنونها وقتها وأصبح رذاذ زجاجة الكحول يطال ملابس وأيدي أمين وهاتفحه ومفاتيحه قبل دخول المنزل، كانت تقف بجواره تراقبه وهو يغسل يديه، حتى تتأكد أنها خالية من الجراثيم، كانا يستهلكان كميات من الصابون تكفي لتمويل مشروع متجر لبيع المنظفات، كان أمين يعاني من هذه الأفعال لكنه كان يجاريها لأنه يشعر ببعض الذنب، ويلتزم بتعليماتها ويتناول الفيتامينات التي تحضرها لتقوية مناعتهما، فلولا مرضه ومكالمته الهاتفية الكئيبة المقبضة ربما كانت سهى في حالة طبيعية.

ورغم كل هذه المعاناة كانت حياتهما لا تخلو من المسامرة في المساء والشجار في الصباح على بعض التفاهات، لكنهما اعتادا على ذلك، كان بينهما حبًا وقوة علاقتهما أكبر من هذه الأمور.

نهض وأمسك بجهاز التحكم، وأغلق الفيلم، كانت حياة البطل قد وصلت لذروتها كحياتهما تمامًا، لكنه قرر أن يفاجئها بقرار أشد من القرار الذي اتخذه بطل الفيلم ليقلب الأحداث: – عاوزة تعرفي الدكتور قال إيه؟ نظرت له وهي تتصنع عدم الاهتمام: – والله زي ما تحب، دي حاجة ثانوية يعني، وواضح إن انت والدكتور شايفين إنها متخصنيش، هو يطلعني بره أوضة الكشف ويتكلم معاك لوحدك، وانت تذل أنفاسي علشان تقول لي، فاللي تشوفه بقى. – الدكتور قال إننا مش هنقدر نجيب أطفال هناخد وقت على ما ده ممكن يحصل يعني أو ممكن ميحصلش خالص علشان أنا عندي مشكلة، ومحتاج دكتور متخصص في حالتي. كانت تستمع له حتى أنهى كلامه، بداخلها لم تكن تعرف ماذا عليها أن تفعل؟ هل تحتضنه وتبكي؟ هل تبتسم في وجهه وتخبره أنها غير مهتمة أم تبكي على حالها لأنها ربما لن تحظى بأطفال منه؟ شعرت أنها لو صمتت أكثر من ذلك فربما تخسره، بقرار متسرع ربما يقرره بتهور، فاقتربت منه والتصقت به وهي تضع يدها على كتفه وتسأله بجدية: – هو الدكتور ده بيعرف المستقبل على كده؟ طيب ما تيجي نسأله مين فينا هيترقى في شغله قبل التاني، أو مين فينا هيموت الأول، أو هاقول لك فكرة أحلى، إيه رأيك نقول له لو مشكلتك اتحلت هنجيب بنت ولا ولد، دي فكرة حلوة وفي مجال تخصصه. اتسعت عيناه وهو يستمع لما تقوله من هراء: – بتقولي إيه؟ ده دكتور يا سهى مش عراف، ولما يقول حاجة يبقى… قاطعته: – عاوز إيه يا أمين؟ عاوز تطلقني؟ اتفضل طلق، هاروح أتجوز واحد غيرك وممكن مخلفش، أو أتجوز وأخلف ويطلقني… الحياة مليانة سيناريوهات يا أمين مش لازم لو معجبناش واحد فيهم يبقى التاني على مزاجنا، يمكن
نقدر نخلف ويمكن لأ أنا ماعرفش لكن أنا مقررة متجوزش غير مرة واحدة، ومش ناوية أقرر التجربة دي تاني، فلو انت واخد قرار اتفضل نفذه، مش هتحايل عليك ومش هاعيَّط وأقول لك والنبي خليك في حياتي، وقوم ننام علشان عندنا شغل الصبح. كانت ترقد بجوار أمين وتشعر بأنفاسه متوترة، مستيقظًا يفكر فيما قالته أو يفكر جديًا في الطلاق، لكنها قالت ما لديها وانتهى الأمر، ولا مجال للنقاش من جديد، أما هو فكان مستلقيًا بجوارها يعرف أيضًا أنها لن يغمض لها جفن هذه الليلة، حزنًا أو ندمًا، لا يعرف بالتحديد، لكن ما كان يعرفه كلاهما أنها كانت ليلة من أسوأ الليالي التي مرت على حياتهما.   مر وقت… ليس بالكثير لكنه كان ثقيلًا على كليهما حتى تقبل أمين الأمر، استطاعت أن تحتويه وكأنه طفل غاضب، سوَّت معه الأمر، وأخبرته أنها إن اشتاقت للأمومة ستطلب الإنفصال، وعدته وكان وعدها كافيًا بالنسبة له، جلسا سويًا ذات ليلة في هدوء وقررا ألا يسمحا لأحد بالتدخل بينهما، لا أهل ولا أصدقاء، وقررا تسوية الأمر بإجابة مشتركة اتفقا عليها إن سأل أحدهم عن تأخر الإنجاب: – لن ننجب الآن. إجابة صادمة لمجتمع يرى أن وظيفة الإنسان هي الزواج والإنجاب ولا يعترف بالزواج الناجح سوى بعد تزيين العلاقة بحفنة من الأطفال ولكنها كانت أيضًا إجابة حازمة، ستغلق الطريق على نصائح، وترشيحات لأسماء أطباء، وحكايات عن تجارب مشابهة استطاعت الإنجاب بعد عشرين أو ثلاثين عامًا.. “لا نريد إنجاب ولا نصائح من أحد” كانت كافية بكتم الأفواه على الأقل في وجودهم، لكن في غيابهم لم يكن الأمر كذلك! استطاعا أن يتجاوزا هذه العاصفة معًا، كانا يترددان على طبيب آخر، وكانت حياتهما تسير بوتيرة عادية. انقضى عام
آخر بسلام حتى جاءت عاصفة أخرى حقيقة، عاصفة أجبرت الناس على الجلوس في المنازل، وقلبت حياة سهى رأسًا على عقب، بعد الإعلان عن أول حالة لفيروس “كورونا” في مصر، كانت سهى قبل العاصفة تتابع أخبار كورونا على المحطات العالمية، مثلما كانت قبل سنوات  تتابع أخبار “سارس” و “جنون البقر” ومثل هذه الأشياء التي كانت تسمع عنها في نشرات الأخبار، ظنًا منها أن الأمر بعيدًا عنها، حتى الإعلان الأول ثم الثاني وهكذا… توالت أخبار الحالات والوفيات، أصبحت تسمع عن أشخاص تعرفهم رحلوا بسبب الفيروس، وبدأت تصاب بحالات هلع، كان أمين بجوارها مصاب بحالة من الرعب لكنها أقل بعض الشيء، فلا مجال للانهيار الآن، امتلأ المنزل بزجاجات الكحول، والكلور، والمناديل المبللة، كل شيء كانت ترشه سهى بالكحول، حتى جاءت الضربة القاضية وأصيب أمين بالفيروس، تم عزله بعيدًا عن سهى التي أُجبرت على الذهاب لمنزل والدها حتى لا تصاب بالعدوى، كانت تتحدث مع أمين يوميًا عن طريق مكالمات الفيديو، وترى حالته الصحية التي دمرها الفيروس، تشعر به وحيدًا لكنه رفض تمامًا أن تقترب منه حتى، ولما اشتد عليه المرض وتمكن الفيروس من جسده أكثر تلقت منه مكالمة يوصيها بالزواج والإنجاب بعده، وأن تتخطاه تمامًا وتعيش حياة عادية، كانت هذه المكالمة بمثابة الفيروس الذي أصاب عقل سهى، فحتى بعد أن تحسنت صحة أمين، ومرعام ونصف بعد انتهاء الأزمة، كما انخفضت مبيعات الكحول، والمطهرات، وعاد الناس في كل العالم للحياة الطبيعية، لم تعد سهى كما كانت من قبل؛ فقد خرجت من تلك التجربة القاسية بوسواس قهري أربك حياتها وحياة زوجها، كانت تخشى المرض، وتبحث عن الجراثيم في المنزل وكأنها تترصدها، كانت تنظف الأرضيات وتغسل الحيطان خوفًا من الحشرات، وكانت تدفع لعامل النظافة ضعف أجرته حتى يخلصها من القمامة مرتين في اليوم لا مرة واحدة كباقي الجيران،  في كل شبر بالمنزل توجد زجاجة كحول، أصبحت تستحم يوميًا أكثر من ثلاث مرات، وتخشى أن تلمس النقود بيديها فكانت تحمل معها قفازات كتلك التي يستخدمها الأطباء في غرف العمليات، منعت دخول الطعام الجاهز للمنزل، وأصبحت ترهق نفسها في عمل كل شيء خوفًا من التعامل مع الناس في المطاعم، لم يصل الأمر لهذا حد بل أنها تقدمت بطلب إجازة من العمل بل وحاولت إقناع أمين بالاستمرار في العمل عن بُعد لكنه رفض بشدة، جن جنونها وقتها وأصبح رذاذ زجاجة الكحول يطال ملابس وأيدي أمين وهاتفحه ومفاتيحه قبل دخول المنزل، كانت تقف بجواره تراقبه وهو يغسل يديه، حتى تتأكد أنها خالية من الجراثيم، كانا يستهلكان كميات من الصابون تكفي لتمويل مشروع متجر لبيع المنظفات، كان أمين يعاني من هذه الأفعال لكنه كان يجاريها لأنه يشعر ببعض الذنب، ويلتزم بتعليماتها ويتناول الفيتامينات التي تحضرها لتقوية مناعتهما، فلولا مرضه ومكالمته الهاتفية الكئيبة المقبضة ربما كانت سهى في حالة طبيعية. ورغم كل هذه المعاناة كانت حياتهما لا تخلو من المسامرة في المساء والشجار في الصباح على بعض التفاهات، لكنهما اعتادا على ذلك، كان بينهما حبًا وقوة علاقتهما أكبر من هذه الأمور.
تم نسخ الرابط