عاصفة من القلق بقلم نهى صالح

عاصفة من القلق بقلم نهى صالح
عاصفة من القلق بقلم نهى صالح

 

– معنديش مشكلة مع قرايبك يا أمين، أنا مش وحشة للدرجة أنا بس مش باستحمل حاجة تلوث البيت، واستحملت وكنت ساكتة وأنا باحاول أقاوم بس غصب عني.

– عارف يا سهى، وعارف إنهم زودوها لكن مش دي المشكلة.. سهى افهميني، هو انتِ مش ملاحظة التغيير اللي حصل لك؟

الرعب من المرض والتلوث والحشرات، الهوس اللي بقى عندك بالنضافة، بجد مش واخدة بالك؟

أنا اللي غلطان يا سهى علشان سبتك تتمادي كده وطاوعتك، لازم دكتور يساعدنا.

ابتعدت عنه سهى:

– انت بتقول إيه؟

أنا مهووسة؟

انت قصدك إني اتجننت يعني؟

– هنروح بكرة للدكتور يا سهى علشان نقدر نعيش كويس، نرجع لحياتنا ونزور قرايبنا ويزورونا، نبطل نصرف فلوسنا على الصابون والكحول، الدنيا كلها نسيت كورونا يا حبيبتي إلا انتِ.

– خلاص يا أمين هروح للدكتور وأرجع لحياتي الطبيعية وهتطلقني.

نظر لها في يأس قبل أن يدخل الغرفة الأخرى لينام بعيدًا عن سهى:

– حاضر يا سهى، زي ما تحبي.

كانت هذه أول مرة تصل الأمور بينهما بهذا الشكل، لكن كلماته كانت في قمة المنطق بالنسبة لها، لم تجد حجة لترد بها على كلامه، لم تلاحظ بالفعل أن الجميع تخطى هذه الفترة باستثنائها، كانت تتعجب من تصرفات الجميع، تصرفاتهم العادية التي كانت في يوم من الأيام هي نفس تصرفاتها، كانت معتقدة أنها الآن تتصرف بشكل صحيح، لأن الفيروس سيعود مرة أخرى أو ربما كامنًا ينتظر ضحية بمناعة هشة، لذلك كانت تهتم بالتعقيم للوقاية.

وافقت على الذهاب مع أمين لكن لم تعد علاقتهما كما كانت من قبل، كل منهما يبيت في غرفة مستقلة مع الحفاظ على قواعد النظافة التي وضعتها سهى، وفي العيادة النفسية، جلست سهى أمام الطبيب يسألها ويتحدث معها بينما انتظر أمين بالخارج:

كانت جلسة

سهى الأولى مع الطبيب طويلة بعض الشيء، سألها عن أمين وعن هواياتها وبدأ في استفزازها بإعطائها كوبًا من العصير، وكما توقع رفضته بشدة:

– مبتحبيش تشربي حاجة برة البيت.. بتقرفي؟  (سألها الطبيب)

– لأ، باخاف.

بدأ الطبيب يمسك بطرف خيط مرض سهى ويسألها بعض الأسئلة، وتجيبه بصدق، ثم باغتها بسؤال:

– هو لما كنتِ بتهتمي أوي بنضافة البيت وغسيل الإيدين كذا مرة، مكنتيش بتمرضي انتِ أو أمين؟

صمتت قليلًا كأنها تتذكر:

– لأ، ساعات كان بيحصل، يعني بس مش كتير.

-تعرفي! إحنا بنتعب يا سهى علشان إحنا بشر، فيه عوامل كتير مؤثرة ممكن تتعب الإنسان،  يعني مهما أخد احتياطاته ممكن يحصل عادي!

– يتعب ويموت، مش كده؟

– لأ مش كده يا سهى… ممكن يتعب من غير ما يموت.

– انت مش فاهم يعني إيه تبقى متابع خبر من بعيد، متخيل إن تفاصيله بعيد عنك، ناس بتموت في الشارع، ومطارات تتقفل، وتنام وتصحى تلاقي كل ده حواليك.

– إيه اللي خوفك أكتر يا سهى… مرض أمين وخوفك عليه ولا الفيروس نفسه؟

– الاتنين، في الأول كان اللي بيحصل، الناس على النت كانت بتنشر فيديوهات مرعبة، وتكتب إنها مصابة وناس ماتت، ناس كانت سليمة وكويسة، وشمت الفيروس من الهوا وماتت، مفيش أمان حتى للهوا اللي بنتنفسه.

بعد انتهاء الجلسة، انفرد الطبيب بأمين ليخبره عن حالة سهى بالتفصيل:

– شوف… موضوع الوسواس ده حصل لمدام سهى وحصل لناس تانية كتير، الهلع اللي حصل للناس خلاهم يحسوا بخطر مش هيحميهم منه غير النضافة، فزادت الحالات، وعاوز
أقول لك إنك مش بتعاني مع مراتك زي ما حد بيعاني مع شخص كان عنده وسواس قهري قبل كورونا، لأن المشكلة زادت وبقت معاناة مضاعفة له وللي حواليه.

– طيب هو أنا السبب؟

– انت مش السبب بشكل مباشر، لكن مع خوفها الزيادة من الإصابة، ومن متابعة الأخبار زادت حالة الهلع عندها، فلما حد قريب أوي منها اتصاب وحست إنها ممكن تفقده ده طبعًا كان له تأثير كبير عليها، لكن انت ملكش ذنب، ومع العلاج هي هتتحسن كتير، لكن لمعلوماتك المرض ده علاجه بيطوِّل وبياخد وقت.

نظر له أمين في قلق، فاستطرد الطبيب:

– مش قصدي أقلقك لكن لازم أكون واضح، هنقدر نتحكم في الأعراض لكن هناخد وقتنا، منقدرش نجبرها تبطل عاداتها في التنضيف بشكل واضح، لأن ده هيلفت نظرها لها أكتر ويحسسها بالقلق.

بدأ الطبيب في شرح تفاصيل خطة العلاج لأمين لمساعدته في التخلص من الوسواس والمشاكل النفسية التي تراكمت لديها بسبب هذا الأمر، كان يصف لها الطبيب بعض الأدوية، ويطيل في الجلسات النفسية ويترك لها الحرية لكي تتحدث معه عن كل شيء، فكانت تحكي له عن صديقة طفولتها، ثم عن أمين، وعن مخاوفها من الزمن إن لم تصبح أمًا، ثم تعود مرة أخرى لتقول أنها اختارت أمين ولن تتخلى عنه، وتعود لتخبر الطبيب أنها قررت الطلاق.

كانت تتردد على الطبيب في مواعيد منتظمة بمفردها، ثم يذهب أمين ليطمئن منه عن سير العلاج، كان يوضح له كيف يتعامل مع سهى دون الخوض في تفاصيل الجلسات حفاظًا على خصوصية مريضته، حتى أمام زوجها.

مرت ثمانية أشهر ولازالت علاقة سهى بأمين غير مستقرة، لكن علاقتها بالوسواس اختلفت بعض الشيء، فقد علَّمها الطبيب كيف تتجاهل الأعراض، وكيف تحاول أن تفكر بشكل إيجابي من خلال التأمل، كانت تجد الأمر صعبًا ومرهقًا في البداية، ولم تكن تجد طريقة لتنفيس غضبها وقلقها سوى الشجار مع أمين، لدرجة أنه ذهب ذات مرة للطبيب كمريض يطلب المساعدة قبل أن تتفاقم حالته.

 

  – معنديش مشكلة مع قرايبك يا أمين، أنا مش وحشة للدرجة أنا بس مش باستحمل حاجة تلوث البيت، واستحملت وكنت ساكتة وأنا باحاول أقاوم بس غصب عني. – عارف يا سهى، وعارف إنهم زودوها لكن مش دي المشكلة.. سهى افهميني، هو انتِ مش ملاحظة التغيير اللي حصل لك؟ الرعب من المرض والتلوث والحشرات، الهوس اللي بقى عندك بالنضافة، بجد مش واخدة بالك؟ أنا اللي غلطان يا سهى علشان سبتك تتمادي كده وطاوعتك، لازم دكتور يساعدنا. ابتعدت عنه سهى: – انت بتقول إيه؟ أنا مهووسة؟ انت قصدك إني اتجننت يعني؟ – هنروح بكرة للدكتور يا سهى علشان نقدر نعيش كويس، نرجع لحياتنا ونزور قرايبنا ويزورونا، نبطل نصرف فلوسنا على الصابون والكحول، الدنيا كلها نسيت كورونا يا حبيبتي إلا انتِ. – خلاص يا أمين هروح للدكتور وأرجع لحياتي الطبيعية وهتطلقني. نظر لها في يأس قبل أن يدخل الغرفة الأخرى لينام بعيدًا عن سهى: – حاضر يا سهى، زي ما تحبي. كانت هذه أول مرة تصل الأمور بينهما بهذا الشكل، لكن كلماته كانت في قمة المنطق بالنسبة لها، لم تجد حجة لترد بها على كلامه، لم تلاحظ بالفعل أن الجميع تخطى هذه الفترة باستثنائها، كانت تتعجب من تصرفات الجميع، تصرفاتهم العادية التي كانت في يوم من الأيام هي نفس تصرفاتها، كانت معتقدة أنها الآن تتصرف بشكل صحيح، لأن الفيروس سيعود مرة أخرى أو ربما كامنًا ينتظر ضحية بمناعة هشة، لذلك كانت تهتم بالتعقيم للوقاية. وافقت على الذهاب مع أمين لكن لم تعد علاقتهما كما كانت من قبل، كل منهما يبيت في غرفة مستقلة مع الحفاظ على قواعد النظافة التي وضعتها سهى، وفي العيادة النفسية، جلست سهى أمام الطبيب يسألها ويتحدث معها بينما انتظر أمين بالخارج: كانت جلسة
سهى الأولى مع الطبيب طويلة بعض الشيء، سألها عن أمين وعن هواياتها وبدأ في استفزازها بإعطائها كوبًا من العصير، وكما توقع رفضته بشدة: – مبتحبيش تشربي حاجة برة البيت.. بتقرفي؟  (سألها الطبيب) – لأ، باخاف. بدأ الطبيب يمسك بطرف خيط مرض سهى ويسألها بعض الأسئلة، وتجيبه بصدق، ثم باغتها بسؤال: – هو لما كنتِ بتهتمي أوي بنضافة البيت وغسيل الإيدين كذا مرة، مكنتيش بتمرضي انتِ أو أمين؟ صمتت قليلًا كأنها تتذكر: – لأ، ساعات كان بيحصل، يعني بس مش كتير. -تعرفي! إحنا بنتعب يا سهى علشان إحنا بشر، فيه عوامل كتير مؤثرة ممكن تتعب الإنسان،  يعني مهما أخد احتياطاته ممكن يحصل عادي! – يتعب ويموت، مش كده؟ – لأ مش كده يا سهى… ممكن يتعب من غير ما يموت. – انت مش فاهم يعني إيه تبقى متابع خبر من بعيد، متخيل إن تفاصيله بعيد عنك، ناس بتموت في الشارع، ومطارات تتقفل، وتنام وتصحى تلاقي كل ده حواليك. – إيه اللي خوفك أكتر يا سهى… مرض أمين وخوفك عليه ولا الفيروس نفسه؟ – الاتنين، في الأول كان اللي بيحصل، الناس على النت كانت بتنشر فيديوهات مرعبة، وتكتب إنها مصابة وناس ماتت، ناس كانت سليمة وكويسة، وشمت الفيروس من الهوا وماتت، مفيش أمان حتى للهوا اللي بنتنفسه. بعد انتهاء الجلسة، انفرد الطبيب بأمين ليخبره عن حالة سهى بالتفصيل: – شوف… موضوع الوسواس ده حصل لمدام سهى وحصل لناس تانية كتير، الهلع اللي حصل للناس خلاهم يحسوا بخطر مش هيحميهم منه غير النضافة، فزادت الحالات، وعاوز أقول لك إنك مش بتعاني مع مراتك زي ما حد بيعاني مع شخص كان عنده وسواس قهري قبل كورونا، لأن المشكلة زادت وبقت معاناة مضاعفة له وللي حواليه. – طيب هو أنا السبب؟ –
انت مش السبب بشكل مباشر، لكن مع خوفها الزيادة من الإصابة، ومن متابعة الأخبار زادت حالة الهلع عندها، فلما حد قريب أوي منها اتصاب وحست إنها ممكن تفقده ده طبعًا كان له تأثير كبير عليها، لكن انت ملكش ذنب، ومع العلاج هي هتتحسن كتير، لكن لمعلوماتك المرض ده علاجه بيطوِّل وبياخد وقت. نظر له أمين في قلق، فاستطرد الطبيب: – مش قصدي أقلقك لكن لازم أكون واضح، هنقدر نتحكم في الأعراض لكن هناخد وقتنا، منقدرش نجبرها تبطل عاداتها في التنضيف بشكل واضح، لأن ده هيلفت نظرها لها أكتر ويحسسها بالقلق. بدأ الطبيب في شرح تفاصيل خطة العلاج لأمين لمساعدته في التخلص من الوسواس والمشاكل النفسية التي تراكمت لديها بسبب هذا الأمر، كان يصف لها الطبيب بعض الأدوية، ويطيل في الجلسات النفسية ويترك لها الحرية لكي تتحدث معه عن كل شيء، فكانت تحكي له عن صديقة طفولتها، ثم عن أمين، وعن مخاوفها من الزمن إن لم تصبح أمًا، ثم تعود مرة أخرى لتقول أنها اختارت أمين ولن تتخلى عنه، وتعود لتخبر الطبيب أنها قررت الطلاق. كانت تتردد على الطبيب في مواعيد منتظمة بمفردها، ثم يذهب أمين ليطمئن منه عن سير العلاج، كان يوضح له كيف يتعامل مع سهى دون الخوض في تفاصيل الجلسات حفاظًا على خصوصية مريضته، حتى أمام زوجها. مرت ثمانية أشهر ولازالت علاقة سهى بأمين غير مستقرة، لكن علاقتها بالوسواس اختلفت بعض الشيء، فقد علَّمها الطبيب كيف تتجاهل الأعراض، وكيف تحاول أن تفكر بشكل إيجابي من خلال التأمل، كانت تجد الأمر صعبًا ومرهقًا في البداية، ولم تكن تجد طريقة لتنفيس غضبها وقلقها سوى الشجار مع أمين، لدرجة أنه ذهب ذات مرة للطبيب كمريض يطلب المساعدة قبل أن تتفاقم حالته.  
تم نسخ الرابط