عاصفة من القلق بقلم نهى صالح

عاصفة من القلق بقلم نهى صالح
عاصفة من القلق بقلم نهى صالح

كانت سهى تنجح مرة وتفشل في الأخرى، كان ملحوظًا أنها عادت للتواصل القليل مع الأهل، كانت فقط تتجنب التلامس، والقبلات، تحرص على غسل يديها بعد كل مرة تلمس فيها شخص، أو عملة، عشرون ثانية فقط كما أخبرها الطبيب كافية لتتأكد من نظافة يدها، انخفض استخدامها للكحول لكنه لم ينتهي، زجاجة صغيرة في حقيبتها كافية، كانت أحيانًا تنتكس عندما تصاب ببعض الأنفلوانزا لكنها تعود مرة أخرى للتحكم في وسواسها، فقد كانت تخشى أن تعود لحياة الجحيم الذي تحدث عنه أمين، كانت مع الوقت تشعر بالشفقة عليه، لما يتحمل كل هذا؟

هل لأنه مريض أيضًا، أم بسبب حبه لها؟

كانت تواجه الطبيب بمخاوفها، وكانت ممتنة لوجوده في حياتها، وممتنة لأمين لاقتراحه بالذهاب للطبيب، ممتنة لأنه تحمل كل هذه الفوضى، كانت تتساءل من منهما يستحق جائزة الأكثر احتمالًا؟

لكنها كانت متيقنة تمام اليقين أن علاقتهما قوية، أقوى من عواصف الحياة، وحتى بدون أطفال، وبرغم كل هذه الوساوس والمخاوف، ارتضت واقتنعت بفكرة أنه لا يوجد طفل يستطيع تعويض مكان أمين في حياتها، ولا رجل آخريمكنه أن يأخذ مكان هذا الرجل أبدًا.

أما هو فلم يتغير الكثير في حياته منذ مواجهته معها، كل صباح، يستيقظ مثاقلًا، يذهب لعمله، وفي بعض الأحيان يمرعلى الطبيب ليطمئن على رحلة علاج زوجته، أو للحديث عن أي شيء، كان الطبيب يرى أن زيارة أمين له جزء لا يتجزأ من علاج سهى، فأمين بحاجة لأن يكون مهيئًا للتعامل معها نفسيًا، في بعض الأحيان كان يخبر سهى بأنه ذاهبًا لمقابلة صديق له بمكان عام كما أخبره الطبيب بمواجهة منى بمخاوفها بشكل تدريجي وبحذر، ثارت في البداية لكنها تقبلت في نهاية الأمر مع بعض المحاذير التي تضعها

للوقاية.

في صباح أحد الأيام وصلت رسالة لأمين من هاتف سهى تطلب فيها مقابلته في مقهى كبير بجوار العمل، كانا يتقابلن فيه قبل الزواج.

شعور قوي بالقلق أصبح معتادًا عليه تغلغل في صدره، أصبح القلق هو شعورًا ملازمًا له منذ فترة، وكأنه ظل ثقيل يرافقه ويراقبه، ويضغط عليه بالتساؤلات:

– ماذا لو تركته سهى؟

ماذا سيحدث إن قررت الطلاق والابتعاد؟

هل سيشعر بالراحة ويغادره القلق إن ابتعد عن سهى؟

كثير من الأسئلة كانت تقفز في رأسه يوميًا، تتلاعب به قبل نومه، تؤثر عللا أداؤه في العمل، لكنه كان مدركًا أسباب القلق، وكان دائمًا يحاول التغلب على شعوره بأنه ينتظر كارثة، كانت رسالة سهى سببًا جديدًا لقلقه الذي ظل يحيط به كغيمة سوداء، انقشعت من فوق رأسه حينما وجد سهى تنتظره وعلى وجهها شبه ابتسامة، اقترب منها ببطء وسحب المقعد الذي أمامها وجلس لالتقاط أنفاسه:

– خير، انتِ كويسة، فيه حاجة حصلت؟

أشارت سهى للنادل الذي فهم إشارتها للتو، ودخل المطبخ لإحضار طلبًا لها وهي تراقبه بعينها حتى اختفى ثم ردَّت بحدة:

– طبعًا فيه حاجة، انت إزاي نسيت؟

ابتلع ريقه وتساءل في نفسه: هل ستطلب الطلاق؟

حان وقت الفراق وشعرأن أسباب قلقه كادت أن تترجم لحقيقة، ربما هذا أفضل، سيعاني قليلًا لكن مع مرور الوقت سيعتاد، هو قد وعدها بتنفيذ ذلك حينما تطلب.

استطردت بنفس الحدة:

– هو النهاردة كام في الشهر؟

قطب حاجبيه، وأمسك هاتفه ليرى تاريخ اليوم، ثم نظر إليها متفاجِئًا:

– معقول! فات على جوازنا خمس سنين؟

ابتسمت بحزن:

– لأ، فات سنة على بدايتنا الجديدة سوا، تعالى نحتفل ونبدأ من جديد.

زفر بعمق وهو يحاول أن يبدو جادًا:

– غالبًا بقى عندي اضطراب قلق.

ضحكت سهى وأمسكت يديه:

– ولا يهمك أعرف دكتور ممتاز هوديك عنده.

اقترب منهم النادل وهو يرتدي قفازات مطاطية ويحمل بين يديه علبة كرتونية وضعها أمامهما ثم نظر لأمين نظرة ذات مغزى لكنه لم يفهمها، ثم قام بتهنئته وانصرف، قصَّت سهى عليه كيف أحضرت كعكة الاحتفال، وقفازات، وطلبت من النادل غسل يده لأنها مصابة بوسواس نظافة، لكنها تريد الاحتفال بعيد زواجها في المقهى الذي وُلد فيه حبها، فتعاطف معها النادل وقام بمساعدتها، أخرجت سكين من حقيبتها، وأطباق بلاستيكية، ونظرت لأمين وهي تعطيه قطعة من الكعك:

– تقريبًا هو متعاطف معاك انت… عنده حق برضه مش كده؟!

في هذه اللحظة شعر أمين بارتياح شديد، ربما لم يتخلص من شعوره بالقلق، لكنه كان ممتنًا لهذه اللحظة.

كان هناك فقط سؤال يدور في ذهنه تردد قليلًا قبل أن يباغتها به:

– تدخلي سينما؟

أومأت بابتسامة:

– وتعزمني على العشا  كمان بس في بيتنا… انت اللي هتطبخ.

لم تُشفى سهى من الوسواس ولا من مخاوفها بالكامل، وربما لن تصبح أمًا أيضًا، كانت لازالت تتردد على الطبيب، تُلقي أمامه بكل همومها، كانت تخشى أن تتراكم مشكلاتها وتنمو فتتحول لوحش عملاق يلتهم حياتها، لكنها فقط تعلّّمت التعامل مع الحياة كما هي، وقررت أن تعيش رغم كل شيء، فهناك في الحياة ما يستحق الصراع لأجله.

كانت سهى تنجح مرة وتفشل في الأخرى، كان ملحوظًا أنها عادت للتواصل القليل مع الأهل، كانت فقط تتجنب التلامس، والقبلات، تحرص على غسل يديها بعد كل مرة تلمس فيها شخص، أو عملة، عشرون ثانية فقط كما أخبرها الطبيب كافية لتتأكد من نظافة يدها، انخفض استخدامها للكحول لكنه لم ينتهي، زجاجة صغيرة في حقيبتها كافية، كانت أحيانًا تنتكس عندما تصاب ببعض الأنفلوانزا لكنها تعود مرة أخرى للتحكم في وسواسها، فقد كانت تخشى أن تعود لحياة الجحيم الذي تحدث عنه أمين، كانت مع الوقت تشعر بالشفقة عليه، لما يتحمل كل هذا؟ هل لأنه مريض أيضًا، أم بسبب حبه لها؟ كانت تواجه الطبيب بمخاوفها، وكانت ممتنة لوجوده في حياتها، وممتنة لأمين لاقتراحه بالذهاب للطبيب، ممتنة لأنه تحمل كل هذه الفوضى، كانت تتساءل من منهما يستحق جائزة الأكثر احتمالًا؟ لكنها كانت متيقنة تمام اليقين أن علاقتهما قوية، أقوى من عواصف الحياة، وحتى بدون أطفال، وبرغم كل هذه الوساوس والمخاوف، ارتضت واقتنعت بفكرة أنه لا يوجد طفل يستطيع تعويض مكان أمين في حياتها، ولا رجل آخريمكنه أن يأخذ مكان هذا الرجل أبدًا. أما هو فلم يتغير الكثير في حياته منذ مواجهته معها، كل صباح، يستيقظ مثاقلًا، يذهب لعمله، وفي بعض الأحيان يمرعلى الطبيب ليطمئن على رحلة علاج زوجته، أو للحديث عن أي شيء، كان الطبيب يرى أن زيارة أمين له جزء لا يتجزأ من علاج سهى، فأمين بحاجة لأن يكون مهيئًا للتعامل معها نفسيًا، في بعض الأحيان كان يخبر سهى بأنه ذاهبًا لمقابلة صديق له بمكان عام كما أخبره الطبيب بمواجهة منى بمخاوفها بشكل تدريجي وبحذر، ثارت في البداية لكنها تقبلت في نهاية الأمر مع بعض المحاذير التي تضعها
للوقاية. في صباح أحد الأيام وصلت رسالة لأمين من هاتف سهى تطلب فيها مقابلته في مقهى كبير بجوار العمل، كانا يتقابلن فيه قبل الزواج. شعور قوي بالقلق أصبح معتادًا عليه تغلغل في صدره، أصبح القلق هو شعورًا ملازمًا له منذ فترة، وكأنه ظل ثقيل يرافقه ويراقبه، ويضغط عليه بالتساؤلات: – ماذا لو تركته سهى؟ ماذا سيحدث إن قررت الطلاق والابتعاد؟ هل سيشعر بالراحة ويغادره القلق إن ابتعد عن سهى؟ كثير من الأسئلة كانت تقفز في رأسه يوميًا، تتلاعب به قبل نومه، تؤثر عللا أداؤه في العمل، لكنه كان مدركًا أسباب القلق، وكان دائمًا يحاول التغلب على شعوره بأنه ينتظر كارثة، كانت رسالة سهى سببًا جديدًا لقلقه الذي ظل يحيط به كغيمة سوداء، انقشعت من فوق رأسه حينما وجد سهى تنتظره وعلى وجهها شبه ابتسامة، اقترب منها ببطء وسحب المقعد الذي أمامها وجلس لالتقاط أنفاسه: – خير، انتِ كويسة، فيه حاجة حصلت؟ أشارت سهى للنادل الذي فهم إشارتها للتو، ودخل المطبخ لإحضار طلبًا لها وهي تراقبه بعينها حتى اختفى ثم ردَّت بحدة: – طبعًا فيه حاجة، انت إزاي نسيت؟ ابتلع ريقه وتساءل في نفسه: هل ستطلب الطلاق؟ حان وقت الفراق وشعرأن أسباب قلقه كادت أن تترجم لحقيقة، ربما هذا أفضل، سيعاني قليلًا لكن مع مرور الوقت سيعتاد، هو قد وعدها بتنفيذ ذلك حينما تطلب. استطردت بنفس الحدة: – هو النهاردة كام في الشهر؟ قطب حاجبيه، وأمسك هاتفه ليرى تاريخ اليوم، ثم نظر إليها متفاجِئًا: – معقول! فات على جوازنا خمس سنين؟ ابتسمت بحزن: – لأ، فات سنة على بدايتنا الجديدة سوا، تعالى نحتفل ونبدأ من جديد. زفر بعمق وهو يحاول أن يبدو جادًا: – غالبًا بقى عندي اضطراب قلق. ضحكت سهى وأمسكت يديه: – ولا يهمك أعرف دكتور ممتاز هوديك عنده. اقترب منهم
النادل وهو يرتدي قفازات مطاطية ويحمل بين يديه علبة كرتونية وضعها أمامهما ثم نظر لأمين نظرة ذات مغزى لكنه لم يفهمها، ثم قام بتهنئته وانصرف، قصَّت سهى عليه كيف أحضرت كعكة الاحتفال، وقفازات، وطلبت من النادل غسل يده لأنها مصابة بوسواس نظافة، لكنها تريد الاحتفال بعيد زواجها في المقهى الذي وُلد فيه حبها، فتعاطف معها النادل وقام بمساعدتها، أخرجت سكين من حقيبتها، وأطباق بلاستيكية، ونظرت لأمين وهي تعطيه قطعة من الكعك: – تقريبًا هو متعاطف معاك انت… عنده حق برضه مش كده؟! في هذه اللحظة شعر أمين بارتياح شديد، ربما لم يتخلص من شعوره بالقلق، لكنه كان ممتنًا لهذه اللحظة. كان هناك فقط سؤال يدور في ذهنه تردد قليلًا قبل أن يباغتها به: – تدخلي سينما؟ أومأت بابتسامة: – وتعزمني على العشا  كمان بس في بيتنا… انت اللي هتطبخ. لم تُشفى سهى من الوسواس ولا من مخاوفها بالكامل، وربما لن تصبح أمًا أيضًا، كانت لازالت تتردد على الطبيب، تُلقي أمامه بكل همومها، كانت تخشى أن تتراكم مشكلاتها وتنمو فتتحول لوحش عملاق يلتهم حياتها، لكنها فقط تعلّّمت التعامل مع الحياة كما هي، وقررت أن تعيش رغم كل شيء، فهناك في الحياة ما يستحق الصراع لأجله.
تم نسخ الرابط