عاصفة من القلق بقلم نهى صالح
لأ، مش صح يا سهى، أنا موقفي كان وحش جدًا قدام أخويا، وقدام نفسي أنا بجد مش فاهم إيه اللي إحنا فيه ده؟
أخويا أول مرة يحلف طلاق لأني فهمته وضعنا وحكيت له عن الجحيم اللي أنا فيه، شكلي وشكله كان وحش والناس كانت محرجة والله أعلم فهموا إني مش عاوزهم في البيت ولا إيه؟!
– إيه يعني اللي إحنا فيه، بتقول جحيم؟
انت عايش معايا أنا في جحيم؟
– بجد؟ مش واخدة بالك؟
سهى لازم تبطلي وسواس النضافة اللي عندك ده، اتعالجي يا سهى علشان بجد مش قادر أستحمل العيشة دي.
– يا سلام؟!
مش قادر تستحمل إنك تعيش في مكان نضيف؟ مش قادر تستحمل إنك مش عارف تعمل البيت نادي تجيب فيه أصحابك؟ ولا مش قادر تستحمل إن البيت مينفعش يبقى فندق لقرايبك؟
مش قادر تستحمل إيه؟
طيب اشمعنى أنا استحملت ومستحملة يا أمين؟
– مستحملة إيه؟ أنا عملت فيكِ إيه؟
– يعني والله طالما اتكلمت عن التحمل بقى والعلاج فيعني أنا ممكن أتعالج لكن انت… هينفع تتعالج وتخل…
أدركت في لحظة متأخرة ما ارتكبته في حق أمين بعد انتهت من جملتها، فاقتربت من بسرعة ووضعت وجهه بين يديها وهي تحاول أن توجه نظره إليها:
– أنا آسفة… والله العظيم أنا آسفة بجد مش قصدي.
كان ينظر لها، نظرات جَامِدَة لم تستطع أن تفهم منها أو تحدد شعوره في هذه اللحظة:
– بتبص لي كده ليه؟ متبصشليش كده، طيب قُل لي إنك مش زعلان مني، رد عليَّ باقول لك!!
لم يستطع أن يجيبها، كان لديه الكثير ليواجهها به لكنه لم يستطع، فغادر المنزل وتركها وحيدة، تصارع ضميرها.
كان يتجول في الشوارع بلا هدف، لم يشعر بالوقت، كان يسير في شوارع لم تطأها قدمه من قبل،
لمَاذا لم يعبر لها عن ضيقه، ويحاول أن يحتوي الأمر منذ بدايته، ويصرح لها بأن أعصابه لم تعد تحتمل الخوف الدائم من الجراثيم، والبحث عن الحشرات، لم يستطع أن يعبر لها عن شعوره الدائم بالخزي لأنها كانت تشعر بالقرف والتقزز منه طوال الوقت، هل تعايره الآن بأنه لا ينجب؟
ألم يكن عدم إنجابهما في مصلحتها؟
هل فكرت إن كان لديهما طفل كيف كانت ستشعر بالرعب بسببه وتحول حياته لجحيم وتقضي على طفولته، أو ربما كانت ستشعر تجاهه بالقرف!
وقف فوق كوبري قصر النيل وابتسم في سخرية وهو ينظر لعائلة صغيرة تجلس على مقربة منه، طفل يجلس بجوار والده وفي قبالتهما أمه تطعمه وتطعم زوجها بيد، وفي اليد الأخرى تحمل رضيعًا نائمًا بعمق، لا يحمل همًا في هذه الدنيا، أخذ ينظر للعائلة الصغيرة وهو يفكر بحيرة، هل تشاجرت هذه الأم مع زوجها لأنه لم ينظف يديه جيدًا لذلك جلست لتطعمه؟
أم أنها ستأمره الآن أن يقفز في مياه النيل ليستحم حتى يصبح أكثر نظافة، كان ينتظرأن تقوم الزوجة لتلقي بأطفالها وزوجها ثم تقفز ورائهم في المياه حتى تتخلص من أثر الطعام والرضاعة والأتربة، ثم أفاق على صوت أحد الباعة:
– معسلة أوي يا باطاطا.
تذكر عندما كان يشتهي شراء البطاطا من البائع، كانت سهى تتشاجر معه، وكانت في الحال تذهب لشراء البطاطا وتقوم بطقوس النظافة الشاقة المبالغ فيها، ثم تقدمها له حتى تضمن نظافة طعامه، أو حتى لا يمرض ويصيبها بالعدوى، وكنوع من التمرد استوقف أمين البائع واشترى ثمرتين من البطاطا وجلس يأكلهم نكاية في سهى، حتى وإن لم تراه فهي ستعرف فيما بعد وسيجن جنونها، ربما يمكنه العودة وإدعاء المرض بعد إخبارها، ستكون في قمة جنونها، لن تستطيع أن تطرده كما فعلت مع أقاربه، ولن تقدر على مغادرة المنزل، قرر أن يرهقها بوسواسها، ربما تمل من الإرهاق وبالتالي تخرج من هذا الجحيم، شعر بالملل كونه يعيش داخل مشفى على هيئة منزل، ربما لن يستطيع أن يصبح أبًا، ولن يُعالج من العقم، لكن يجب أن تتعالج سهى، فالعقم لن يقتله لكن الوسواس يمكنه قتلها فعلًا.
عاد للمنزل فوجدها نائمة في غرفة الاستقبال، تضع بجوارها زجاجة كحول ليس بها سوى بضع قطرات، فهم أنها قامت بعملية تنظيف موسعة حتى غالبها النعاس من التعب والإرهاق، وفي هذه اللحظة تأكد فعلًا أن سهى تحتاج للتخلص من هذا المرض، حتى وإن تركته فيما بعد فلابد من العلاج.
نظر لها قليلًا، وابتسم لهدوء ملامحها الرقيقة، تساءل.. هل هي نفس المرأة الثائرة التي كان يتحدث معها قبل خروجه؟
تذكر كيف تحملت مرضه، كيف صبرت معه، حتى هي أصيبت بهذا الوسواس القهري بسببه هو في الأساس، لذلك سيسامحها عن معايرتها له، وسيترك لها القرار في حال إن رغبت بتركه والابتعاد عنه في أي وقت، أو كانت بالفعل تعيش معه متضررة بسبب رغبتها في الأمومة.
وضع يده على جبهتها بحنان وبدأ في إيقاظها، استيقظت ونظرت له نظرة لم يفهمها، هل ستسأله مرة أخرى إن كان قد غسل يديه قبل أن يلمسها؟
لكنها باغتته بسؤال آخر:
– لسه زعلان مني؟
والله مش قصدي… أنا بس زعلت منك لما…
تعجب أن هناك من هو أهم من النظافة وتعقب البكتيريا بالنسبة لها، شعر بمدى أهميته لديها، كانت تنتظره حتى غلبها النعاس، انتظرته حتى تعتذر له وتطمئن عليه، لذلك شعر بالكثير من الأمل فيما يتعلق بالمرحلة القادمة
قاطعها وضمها لصدره بسرعة ليحاول تهدئتها:
– مش زعلان منك يا سهى، مش ممكن أزعل منك وعارف إنك اتحملتي كتير، اتحملتيني واتحملتي عجزي، واتحملتي قرايبي وانتي عندك مشكلة معا…
ابتعدت عنه بسرعة لترد في عصبية:
لأ، مش صح يا سهى، أنا موقفي كان وحش جدًا قدام أخويا، وقدام نفسي أنا بجد مش فاهم إيه اللي إحنا فيه ده؟ أخويا أول مرة يحلف طلاق لأني فهمته وضعنا وحكيت له عن الجحيم اللي أنا فيه، شكلي وشكله كان وحش والناس كانت محرجة والله أعلم فهموا إني مش عاوزهم في البيت ولا إيه؟! – إيه يعني اللي إحنا فيه، بتقول جحيم؟ انت عايش معايا أنا في جحيم؟ – بجد؟ مش واخدة بالك؟ سهى لازم تبطلي وسواس النضافة اللي عندك ده، اتعالجي يا سهى علشان بجد مش قادر أستحمل العيشة دي. – يا سلام؟! مش قادر تستحمل إنك تعيش في مكان نضيف؟ مش قادر تستحمل إنك مش عارف تعمل البيت نادي تجيب فيه أصحابك؟ ولا مش قادر تستحمل إن البيت مينفعش يبقى فندق لقرايبك؟ مش قادر تستحمل إيه؟ طيب اشمعنى أنا استحملت ومستحملة يا أمين؟ – مستحملة إيه؟ أنا عملت فيكِ إيه؟ – يعني والله طالما اتكلمت عن التحمل بقى والعلاج فيعني أنا ممكن أتعالج لكن انت… هينفع تتعالج وتخل… أدركت في لحظة متأخرة ما ارتكبته في حق أمين بعد انتهت من جملتها، فاقتربت من بسرعة ووضعت وجهه بين يديها وهي تحاول أن توجه نظره إليها: – أنا آسفة… والله العظيم أنا آسفة بجد مش قصدي. كان ينظر لها، نظرات جَامِدَة لم تستطع أن تفهم منها أو تحدد شعوره في هذه اللحظة: – بتبص لي كده ليه؟ متبصشليش كده، طيب قُل لي إنك مش زعلان مني، رد عليَّ باقول لك!! لم يستطع أن يجيبها، كان لديه الكثير ليواجهها به لكنه لم يستطع، فغادر المنزل وتركها وحيدة، تصارع ضميرها. كان يتجول في الشوارع بلا هدف، لم يشعر بالوقت، كان يسير في شوارع لم تطأها قدمه من قبل،
