حنين بقلم عاطف عبد الدايم

حنين بقلم عاطف عبد الدايم
حنين بقلم عاطف عبد الدايم

ظلت حنين للحظات مثبتة نظرها على تلك العجوز التى تجلس على كرسيها المتحرك وهى تنظر تجاه باب الدار الخارجى وكأنها بالفعل تنتظر أن يأتى شخصا ما .. لم تحرك رأسها يمينا أو يساراً للحظة واحدة وكأن اليأس لم يتملك عقلها ان يأتيها من تحب من أسرتها .. كانت حنين تنظر لها وهى تتذكر جدتها الراحلة عندما كانت تجلس فى شرفة منزلهم .. كانت تجلس بنفس الشكل .. قالت بداخلها لعل كل من هم فى نفس العمر متشابهون فى بعض الاشياء .. نهضت حنين وأقتربت بهدوء من مقعد السيدة العجوز وأمسكت بالكرسي المتحرك من الخلف كما كانت تفعل مع جدتها الراحلة .. حبست دموعها وهى تتكلم بصوت مختنق بدموعها

_ أساعدك يا تيتا ؟

جاء صوت السيدة العحوز هادئاً

_ ربنا يخليكى ليا يا قلب تيتا

وقفت حنين فى مكانها مصدومة للحظات .. لم تكن تلك الجدة العجوز تملك فقط نفس هيئة جدتها الراحلة ولكنها تملك ايضاً نفس الصوت تقريباً .. نفس طريقة الرد .. نفس الدفء الذى يخرج مع كلماتها .. تحركت حنين بهدوء لتقف فى مواجهة الجدة المسنة .. كانت الصدمة قوية على حنين .. انها لا تشبه جدتها الراحلة .. انها هى حدتها التى أخبرها والدها ووالدتها انها ماتت منذ أكثر من شهر .. انها جدتها التى كانت تعتقد انها الأن ترقد فى قبرها وهى تجلس على كرسيها المتحرك داخل دار للمسنين .. كيف استطاع والدها ووالدتها ان يحيكا مثل تلك الكذبة الرهيبة .. كيف امتلكا قلوبا قاسية بهذا الشكل ليقوما بمحو انسانة من الوجود .. كانت حنين تقف امام جدتها وبكاءها يمنعها من أن تتكلم بأى كلمة .. لا توجد كلمات

تستطيع أن تسعفها الأن .. فى نفس الوقت كانت جدتها تنظر لها وهى تبكى بحرقة .. لم يكن فى اكثر امانيها سعادة ان ترى حنين بتلك الصدفة المذهلة .. وكأن القدر أراد أن يمنحها نفحات الحياة مرة أخرى بعد أن كانت قد فقدت الأمل تماما فى الحياة  .. لم تكن تتخيل أنها سترى حنين مرة أخرى بعد ان أتت الى تلك الدار مع أبنها وعرفت منه انها ستقيم ما تبقى لها من حياتها من اياماً او اسابيع او شهور قليلة  فى تلك الدار .. كان هذا القرار الذى اتخذه ابنها وزوجته بمثابة قرار باستخراج شهادة الوفاة قبل الموت .

+++++++

داخل غرفة جدة حنين فى الدار .. جلست حنين على طرف الفراش امام جدتها التى لم تبارح كرسيها المتحرك .. كانت دموع حنين وجدتها لا تتوقف وهما ينظران الى بعضهما البعض غير مصدقتين انهما التقيا بعد تجربة الموت الاجبارية تلك .. نظرت حنين الى جدتها وهى تغالب دموعها المتساقطة من عينيها

_ وانتى ازاى وافقتى على كده يا تيتا ؟

نظرت جدتها لها بحزن والضعف يتملك نبرة صوتها

_ مكانش بإيدى والله يا حبيبتى

ردت حنين وقد ازداد بكاءها

_ ازاى ؟.. كان المفروض ترفضى

نظرت جدتها لها بحزن وبدا على ملامحها قلة الحيلة

_ أرفض ؟ ارفض إزاى ؟ . باباكى قاللى ان هو ده الحل الوحيد اللى ادامه ..  وان هو

ومامتك اتفقوا على كده .. وبصراحة هما عندهم حق .. انا حلاص كبرت وبقيت

حمل تقيل عليهم

_ طول عمرك بتلاقيلهم عذر .. بس المرة دى صعب يبقى فى عذر للى اتعمل ده

_ متظلميش باباكى ومامتك .. هما استحملوني فترة طويلة .. وانا بقيت خلاص

لا بأعرف أتحرك ولا أخدم نفسى .. وهما حسوا ان ده ممكن يضرك ويتعبك

عشان بتحاولى تاخدى بالك منى طول ما هما بره البيت …

تنظر الى حنين بحب

_ وهو ده اللى خلانى اوافق على الوضع ده .. باباكى قاللى ان رعايتك ليا ممكن تكون

سبب فى تعطيلك عن دراستك .. وانا اللى جاى فى عمرى مش قد اللى راح

_ وكنتى بتقعدى ادام الباب تبصى على مين ؟

تنساب دموع الجدة

_ عليكى .. كنت بأتمنى ان بعد فترة قلب باباكى يرق ويفكر تانى ويجيبلك عشان

اشوفك

تنهض حنين وتلقى بنفسها بين ذراعى جدتها التى عادت من الموت .. كانت وهى تحتضن جدتها وتشعر بأنفاسها المتلاحقة التى تربت على خديها لتطمئنها ان جدتها مازالت على قيد الحياة يتولد بداخلها شعور  وكأنها هى من أستردت روحها مرة أخرى .. كانت جدتها رغم كل ما حدث معها تنتظر المعجزة لتراها مرة أخرى وقد حدثت المعجزة بالفعل بترتيب إلاهي لم يكن أحد يتوقعه .. وها هى الأن تلتصق بصدر جدتها التى كانت تعتقد انها رحلت عن عالمنا ..

++++++

فى غرفة حنين جلست حنين امام والدها الذى كان يطرق برأسه الى الارض بخجل .. كانت حنين تجلس هادئة لا دموع فى عينيها وكأنها أفرغت كل ما لديها من دموع على صدر جدتها .. رفع أشرف عينيه الى حنين وهو ينظر الى هدوءها الذى زاد من ارتباكه وتلعثمه .. حاول أن يتكلم فخرجت كلماته مضطربة متوترة

_ أوعى تفتكرى ان الموضوع ده كان سهل عليا .. دى أمى .. أمى اللى بأحبها زى

ما انتى بتحبينى أنا ومامتك ويمكن أكتر كمان .. بس جدتك كبرت وتعبت

وانا ومامتك بنشتغل طول اليوم .. وبقى صعب علينا اننا نخدمها أو نستحمل

طلباتها مهما كانت بسيطة

_ بس حضرتك كنت ممكن تقوللى قراراك من غير ما تقول ان هى ماتت

_ مكنتيش هتقتنعى .. وكان ممكن تتعبى .. مامتك قالتلى انك عشان متعلقة اوى

بجدتك فهو ده الحل الوحيد اللى ادامنا .. هتتضايقى .. هتعيطى شوية .. لكن

فى الاخر هترضى باللى حصل لانك معندكيش أمل لانك معندكيش أمل ترجع تانى

لكن لو قولتلك انها فى دار مسنين هتفضلى مشغولة بيها طول الوقت

حنين تنظر الى والدها دون ان ترد

_ حنين .. عايزك تعرفى انى معملتش كده الا لما اتأكدت ان ده فى مصلحتك

ومصلحتنا ومصلحة تيتا كمان .. وزى ما انتى شوفتى انا وديتها دار كويسة وغالية

وفيها رعاية وناس تقدر تخدمها وتقوم بيها وبطلباتها .. لكن احنا هنا مكناش

عارفين نعمل ده ..

تنظر له حنين بعدم اقتناع يجعله ذلك يحاول بحماس اقناعها

_ وبعدين هى هناك هتلاقى ناس من سنها .. ناس تعرف تتكلم معاهم طول اليوم ..

وكمان أكل صحى ورعاية من دكاترة .. وحاجات كتير مكانتش بتلاقيها هنا

ينتهى من كلامه وينظر الى حنين التى تجلس أمامه وقد ثبتت نظرات عينيها عليه بلا تعبير عما يدور بداخلها .. كان وكأنه ممثل مسرحى أدى دوره بمنتهى الاجتهاد وينتظر تصفيق الجمهور .. جاء رد حنين هادئ بلا اى حماس لما كان يقوله لها

_ انا اتفقت مع تيتا انى هاروح ازورها كل اسبوع

_ وانا موافق انا وانتى هنروح كل اسبوع  نزورها .. بس ياريت تكونى فهمتى انا ليه

عملت كده

_ متقلقش يا بابا فهمت

تسللت مشاعر الارتياح الى وجه أشرف .. كان الأمر عبء ثقيل على قلبه .. لم يشعر  من قبل بمثل هذه الحيرة .. عندما هاتفته سمية وأخبرته ان حنين قد عثرت على والدته فى دار المسنين الذى اودعها اياها .. كان قد انتهى لتوه من جلسة عمل ناجحة فى مشروعه الخاص الذى افتتحه مع بعض الاصدقاء .. كان يمنى النفس بنظرات الاعجاب التى سينالها من زوجته عندما يعود الى المنزل ويخبرها بنجاحه فى مشروعه هذا.. ولكن الأمور كلها تعقدت عندما عرف من سمية بما حدث .. لم يكن يتخيل ان صدفة مثل تلك قد تحدث .. رحلة مدرسية تكشف كل ما خطط له هو وزوجته طول عدة أشهر .. قاد سيارته وهو يفكر ماذا عليه أن يقول لحنين عندما يصل الى المنزل .. كان يريد للطريق أن يمتد اكثر من ذلك حتى يهديه عقله الى حل .. وصل الى المنزل فوجد سمية فى انتظاره .. كانت هى الاخرى قلقة وحائرة ومرتبكة .. لم يراها هكذا من قبل .. زاد هذا من ارتباكه أكثر وهو ينظر لها متسائلاً

_ هى فين ؟

ردت سمية

_ فى أوضتها …

اقتربت منه مسرعة وهى تتكلم بارتباك شديد

_ هتقولها ايه ؟

حاول أن يبدو متماسكاً

_  هأقولها الحقيقة

_ هتقولها الحقيقة ازاى ؟ انت عارف هتبقى نظرتها لينا ايه بعد كده ؟

_ معندناش حل تانى …

نظر اليها ببعض الضيق وهو يكمل

_ مش هى دى جملتك

لم تكن تملك هى الأخرى القدرة على المجادلة .. ذهبت لتجلس على مقعدها مرة أخرى مستسلمة .. لولا هذا الموقف الصعب الذى هو فيه امام ابنته لأبدى لنفسه سعادته برؤية زوجته على تلك الحالة لأول مرة منذ زواجه بها ..

الأن وقد انتهى من مهمته الصعبة وأقنع حنين بما كان يريد اقناعها به كان عليه ان يعود الى سمية ليخبرها بما حدث .. نهض أشرف وهو ينظر الى ابنته وهو يبتسم بسعادة

_ متشكر يا حنين انك تفهمتى موقفى

أومئت حنين برأسها موافقة على ما قاله دون أن تعلق ثم أخرجت كارت صغير ومدت به يدها اليه .. التقط أشرف الكارت ونظر اليه وقرأ بياناته ثم نظر الى حنين بإستغراب

_ ده الكارت بتاع الدار .. هتعملى بيه ايه ؟

ردت حنين بهدوء

_ هاحتفظ بيه عشان لما حضرتك تكبر وتبقى فى سن تيتا

خرجت حنين من الغرفة وتركت أشرف الذى وقف ممسكاً بالكارت الذى اعطته له حنين بذهول .. لقد كانت جملتها صفعة على وجهه .. فمثلما فعل هو فى والدته واعطى لنفسه كافة المبررات ليفعل ذلك فها هى ابنته تفاجئه ان هذا قد يكون مصيره هو ايضا اذا وصل الى نفس عمر والدته .. تلك الدار الذى ارتضى ان تكون منفى اجبارى لوالدته وحكم عليها بأن تكون فى نظر ابنته ميتة قد تكون هى منفاه الاجبارى فى المستقبل .. لم تكن تلك ابداً النهاية التى يحلم بها لحياته ولكنه رغماً عنه اختارها لتكون نهايته

النهاية

 

ظلت حنين للحظات مثبتة نظرها على تلك العجوز التى تجلس على كرسيها المتحرك وهى تنظر تجاه باب الدار الخارجى وكأنها بالفعل تنتظر أن يأتى شخصا ما .. لم تحرك رأسها يمينا أو يساراً للحظة واحدة وكأن اليأس لم يتملك عقلها ان يأتيها من تحب من أسرتها .. كانت حنين تنظر لها وهى تتذكر جدتها الراحلة عندما كانت تجلس فى شرفة منزلهم .. كانت تجلس بنفس الشكل .. قالت بداخلها لعل كل من هم فى نفس العمر متشابهون فى بعض الاشياء .. نهضت حنين وأقتربت بهدوء من مقعد السيدة العجوز وأمسكت بالكرسي المتحرك من الخلف كما كانت تفعل مع جدتها الراحلة .. حبست دموعها وهى تتكلم بصوت مختنق بدموعها _ أساعدك يا تيتا ؟ جاء صوت السيدة العحوز هادئاً _ ربنا يخليكى ليا يا قلب تيتا وقفت حنين فى مكانها مصدومة للحظات .. لم تكن تلك الجدة العجوز تملك فقط نفس هيئة جدتها الراحلة ولكنها تملك ايضاً نفس الصوت تقريباً .. نفس طريقة الرد .. نفس الدفء الذى يخرج مع كلماتها .. تحركت حنين بهدوء لتقف فى مواجهة الجدة المسنة .. كانت الصدمة قوية على حنين .. انها لا تشبه جدتها الراحلة .. انها هى حدتها التى أخبرها والدها ووالدتها انها ماتت منذ أكثر من شهر .. انها جدتها التى كانت تعتقد انها الأن ترقد فى قبرها وهى تجلس على كرسيها المتحرك داخل دار للمسنين .. كيف استطاع والدها ووالدتها ان يحيكا مثل تلك الكذبة الرهيبة .. كيف امتلكا قلوبا قاسية بهذا الشكل ليقوما بمحو انسانة من الوجود .. كانت حنين تقف امام جدتها وبكاءها يمنعها من أن تتكلم بأى كلمة .. لا توجد كلمات
تستطيع أن تسعفها الأن .. فى نفس الوقت كانت جدتها تنظر لها وهى تبكى بحرقة .. لم يكن فى اكثر امانيها سعادة ان ترى حنين بتلك الصدفة المذهلة .. وكأن القدر أراد أن يمنحها نفحات الحياة مرة أخرى بعد أن كانت قد فقدت الأمل تماما فى الحياة  .. لم تكن تتخيل أنها سترى حنين مرة أخرى بعد ان أتت الى تلك الدار مع أبنها وعرفت منه انها ستقيم ما تبقى لها من حياتها من اياماً او اسابيع او شهور قليلة  فى تلك الدار .. كان هذا القرار الذى اتخذه ابنها وزوجته بمثابة قرار باستخراج شهادة الوفاة قبل الموت . +++++++ داخل غرفة جدة حنين فى الدار .. جلست حنين على طرف الفراش امام جدتها التى لم تبارح كرسيها المتحرك .. كانت دموع حنين وجدتها لا تتوقف وهما ينظران الى بعضهما البعض غير مصدقتين انهما التقيا بعد تجربة الموت الاجبارية تلك .. نظرت حنين الى جدتها وهى تغالب دموعها المتساقطة من عينيها _ وانتى ازاى وافقتى على كده يا تيتا ؟ نظرت جدتها لها بحزن والضعف يتملك نبرة صوتها _ مكانش بإيدى والله يا حبيبتى ردت حنين وقد ازداد بكاءها _ ازاى ؟.. كان المفروض ترفضى نظرت جدتها لها بحزن وبدا على ملامحها قلة الحيلة _ أرفض ؟ ارفض إزاى ؟ . باباكى قاللى ان هو ده الحل الوحيد اللى ادامه ..  وان هو ومامتك اتفقوا على كده .. وبصراحة هما عندهم حق .. انا حلاص كبرت وبقيت حمل تقيل عليهم _ طول عمرك بتلاقيلهم عذر .. بس المرة دى صعب يبقى فى عذر للى اتعمل ده _ متظلميش باباكى ومامتك .. هما استحملوني فترة طويلة .. وانا بقيت خلاص لا بأعرف أتحرك ولا أخدم
نفسى .. وهما حسوا ان ده ممكن يضرك ويتعبك عشان بتحاولى تاخدى بالك منى طول ما هما بره البيت … تنظر الى حنين بحب _ وهو ده اللى خلانى اوافق على الوضع ده .. باباكى قاللى ان رعايتك ليا ممكن تكون سبب فى تعطيلك عن دراستك .. وانا اللى جاى فى عمرى مش قد اللى راح _ وكنتى بتقعدى ادام الباب تبصى على مين ؟ تنساب دموع الجدة _ عليكى .. كنت بأتمنى ان بعد فترة قلب باباكى يرق ويفكر تانى ويجيبلك عشان اشوفك تنهض حنين وتلقى بنفسها بين ذراعى جدتها التى عادت من الموت .. كانت وهى تحتضن جدتها وتشعر بأنفاسها المتلاحقة التى تربت على خديها لتطمئنها ان جدتها مازالت على قيد الحياة يتولد بداخلها شعور  وكأنها هى من أستردت روحها مرة أخرى .. كانت جدتها رغم كل ما حدث معها تنتظر المعجزة لتراها مرة أخرى وقد حدثت المعجزة بالفعل بترتيب إلاهي لم يكن أحد يتوقعه .. وها هى الأن تلتصق بصدر جدتها التى كانت تعتقد انها رحلت عن عالمنا .. ++++++ فى غرفة حنين جلست حنين امام والدها الذى كان يطرق برأسه الى الارض بخجل .. كانت حنين تجلس هادئة لا دموع فى عينيها وكأنها أفرغت كل ما لديها من دموع على صدر جدتها .. رفع أشرف عينيه الى حنين وهو ينظر الى هدوءها الذى زاد من ارتباكه وتلعثمه .. حاول أن يتكلم فخرجت كلماته مضطربة متوترة _ أوعى تفتكرى ان الموضوع ده كان سهل عليا .. دى أمى .. أمى اللى بأحبها زى ما انتى بتحبينى أنا ومامتك ويمكن أكتر كمان .. بس جدتك كبرت وتعبت وانا ومامتك بنشتغل طول اليوم .. وبقى صعب علينا اننا نخدمها أو نستحمل طلباتها مهما كانت بسيطة _ بس حضرتك كنت ممكن تقوللى قراراك من غير ما تقول ان هى ماتت _ مكنتيش هتقتنعى .. وكان ممكن تتعبى .. مامتك قالتلى انك عشان متعلقة اوى بجدتك فهو ده الحل الوحيد اللى ادامنا .. هتتضايقى .. هتعيطى شوية .. لكن فى الاخر هترضى باللى حصل لانك معندكيش أمل لانك معندكيش أمل ترجع تانى لكن لو قولتلك انها فى دار مسنين هتفضلى مشغولة بيها طول الوقت حنين تنظر الى والدها دون ان ترد _ حنين .. عايزك تعرفى انى معملتش كده الا لما اتأكدت ان ده فى مصلحتك ومصلحتنا ومصلحة تيتا كمان .. وزى ما انتى شوفتى انا وديتها دار كويسة وغالية وفيها رعاية وناس تقدر تخدمها وتقوم بيها وبطلباتها .. لكن احنا هنا مكناش عارفين نعمل ده .. تنظر له حنين بعدم اقتناع يجعله ذلك يحاول بحماس اقناعها _ وبعدين هى هناك هتلاقى ناس من سنها .. ناس تعرف تتكلم معاهم طول اليوم .. وكمان أكل صحى ورعاية من دكاترة .. وحاجات كتير مكانتش بتلاقيها هنا ينتهى من كلامه وينظر الى حنين التى تجلس أمامه وقد ثبتت نظرات عينيها عليه بلا تعبير عما يدور بداخلها .. كان وكأنه ممثل مسرحى أدى دوره بمنتهى الاجتهاد وينتظر تصفيق الجمهور .. جاء رد حنين هادئ بلا اى حماس لما كان يقوله لها _ انا اتفقت مع تيتا انى هاروح ازورها كل اسبوع _ وانا موافق انا وانتى هنروح كل اسبوع  نزورها .. بس ياريت تكونى فهمتى انا ليه عملت كده _ متقلقش يا بابا فهمت تسللت مشاعر الارتياح الى وجه أشرف .. كان الأمر عبء ثقيل على قلبه .. لم يشعر  من قبل بمثل هذه الحيرة .. عندما هاتفته سمية وأخبرته ان حنين قد عثرت على والدته فى دار المسنين الذى اودعها اياها .. كان قد انتهى لتوه من جلسة عمل ناجحة فى مشروعه الخاص الذى افتتحه مع بعض الاصدقاء .. كان يمنى النفس بنظرات الاعجاب التى سينالها من زوجته عندما يعود الى المنزل ويخبرها بنجاحه فى مشروعه هذا.. ولكن الأمور كلها تعقدت عندما عرف من سمية بما حدث .. لم يكن يتخيل ان صدفة مثل تلك قد تحدث .. رحلة مدرسية تكشف كل ما خطط له هو وزوجته طول عدة أشهر .. قاد سيارته وهو يفكر ماذا عليه أن يقول لحنين عندما يصل الى المنزل .. كان يريد للطريق أن يمتد اكثر من ذلك حتى يهديه عقله الى حل .. وصل الى المنزل فوجد سمية فى انتظاره .. كانت هى الاخرى قلقة وحائرة ومرتبكة .. لم يراها هكذا من قبل .. زاد هذا من ارتباكه أكثر وهو ينظر لها متسائلاً _ هى فين ؟ ردت سمية _ فى أوضتها … اقتربت منه مسرعة وهى تتكلم بارتباك شديد _ هتقولها ايه ؟ حاول أن يبدو متماسكاً _  هأقولها الحقيقة _ هتقولها الحقيقة ازاى ؟ انت عارف هتبقى نظرتها لينا ايه بعد كده ؟ _ معندناش حل تانى … نظر اليها ببعض الضيق وهو يكمل _ مش هى دى جملتك لم تكن تملك هى الأخرى القدرة على المجادلة .. ذهبت لتجلس على مقعدها مرة أخرى مستسلمة .. لولا هذا الموقف الصعب الذى هو فيه امام ابنته لأبدى لنفسه سعادته برؤية زوجته على تلك الحالة لأول مرة منذ زواجه بها .. الأن وقد انتهى من مهمته الصعبة وأقنع حنين بما كان يريد اقناعها به كان عليه ان يعود الى سمية ليخبرها بما حدث .. نهض أشرف وهو ينظر الى ابنته وهو يبتسم بسعادة _ متشكر يا حنين انك تفهمتى موقفى أومئت حنين برأسها موافقة على ما قاله دون أن تعلق ثم أخرجت كارت صغير ومدت به يدها اليه .. التقط أشرف الكارت ونظر اليه وقرأ بياناته ثم نظر الى حنين بإستغراب _ ده الكارت بتاع الدار .. هتعملى بيه ايه ؟ ردت حنين بهدوء _ هاحتفظ بيه عشان لما حضرتك تكبر وتبقى فى سن تيتا خرجت حنين من الغرفة وتركت أشرف الذى وقف ممسكاً بالكارت الذى اعطته له حنين بذهول .. لقد كانت جملتها صفعة على وجهه .. فمثلما فعل هو فى والدته واعطى لنفسه كافة المبررات ليفعل ذلك فها هى ابنته تفاجئه ان هذا قد يكون مصيره هو ايضا اذا وصل الى نفس عمر والدته .. تلك الدار الذى ارتضى ان تكون منفى اجبارى لوالدته وحكم عليها بأن تكون فى نظر ابنته ميتة قد تكون هى منفاه الاجبارى فى المستقبل .. لم تكن تلك ابداً النهاية التى يحلم بها لحياته ولكنه رغماً عنه اختارها لتكون نهايته النهاية  
تم نسخ الرابط