طموح رجل تزوج
– أحلامنا… من هنا ورايح تقول أحلامنا وتتكلم عننا بنون الجمع، أنا وانت وولادنا اللي جايين.
لم تكن تعلم ناريمان أنها قطعت على نفسها وعدًا بالشقاء، فبعد أن استقال حسن دون أي تخطيط منه للمستقبل بدأت حياتهما في معاناة حقيقية، لم تدركها في بداية الأمر، فلم تكن قد استفاقت بعد من أحلامها الوردية، تقنع نفسها أن هذه المعاناة ما هي إلا ضريبة طبيعية لِجَني ثمار الكفاح، فحتمًا ستكون فيما بعد زوجة لرجل عصامي صعد على قمة النجاح بفضل مساعدة زوجته، كما أكدت لها أحداث روايتها المفضلة من قبل، ظلت حياتها معه على وتيرة ثابتة، تتحمل ضيقه وضيق ذات يده، لا تشكو أبدًا، كانت تدَّعي الراحة والسعادة أمام والديها حتى لا يتدخل أحدًا في حياتها، لم تكن حتى تخبرهم بمعاملة حماتها السيئة لها منذ أن استقال حسن من وظيفته، فمنذ أن علمت بأمر الاستقالة الذي أخفياه عليها لبضعة أشهر، وذهب هو ليخبرها فقط بعدما سُدَت جميع الأبواب في وجهه وقرر الاستدانة منها، قامت ثورتها على ناريمان، فكيف لم تمنعه أو تخبرها على الأقل، وكأنها قد أتت بناريمان للعمل كمخبرًا خاصًا عليه، وأصبحت تُحَمِلها ما لا طاقة لها به من لوم وعتاب بأنها السبب لما وصل إليه حسن بعدما كان مستقرًا في حياته، ولم تفلح محاولات حسن في إقناع والدته بأن لا تتعامل بهذه الطريقة مع زوجته، فأصبح يضغط على زوجته لتقبل هذه المعاملة بدعوى كِبر السن، واحترام الكبار، وأنه لن يقبل أن يكون عاقًا، ذات مرة في إحدى مشاجراتهم بسبب أمه، طلبت منه أن يجعل والدته تكف عن هذه المعاملة وإلا لن تستقبلها بمنزلها أبدًا فأخبرها أنه تزوجها فقط لأجل إرضاء أمه،
– خراب البيوت مش بالساهل يا بنتي، عندك عيل صغير لازم تتحملي علشانه.
كلمات تبدو منطقية لجعلها تتأقلم مع وضع القهر بشكل مُرضي، طفل صغير سيتربى بين أبوين منفصلين أفضل، أم ينشأ في نزاع يومي بينهما؟
اختارت ناريمان التحمل وظلت تنفق على المنزل من راتبها، متحملة نتيجة قرارها، وظل حسن يتنقل بين وظيفة وأخرى، ويستدين من والدته و إخوته وحتى من والديها، لكن باستثناء قراراته الجنونية واستدانته المستمرة رجلًا طيبًا، فكان يحاول تلبية طلبات زوجته البسيطة، وكان مُقَدِرًا لكفاحها وتنازلها عن الكثير من الأشياء، وممتنًا لتغاضيها عن معاملة والدته السيئة لها، ومع الوقت أجبرت ناريمان نفسها على التأقلم مع شطحات زوجها ومعاملة حماتها واتهامها الدائم عند كل زيارة منها، تتنهد بقوة وتبدأ في مراسم الترحيب وتقبل زيارتها الثقيلة التي حالما تنتهي، تبدأ في شجار كبير مع زوجها، كان يتحملها أيضًا لأنه يرى ما يحدث، واستمرت حياتهما معًا بحُلوها ومُرها حتى جاء لناريمان بفكرة جديدة تمامًا:
– قرض؟ هو إحنا ناقصين ديون؟
قالتها ناريمان وهي لا تجد كلمات تصف شعورها نحو بلاهة هذا الرجل الذي يعشق الديون، فحاول حسن إقناعها هذه المرة أيضًا:
– مشروع العمر، مع اتنين أصحابي من أيام الجامعة، هنفتح مصنع بلاستيك.
جلست بجواره محاولة أن تجعله يتراجع عن فكرة القرض:
– حسن يا حبيبي ما تشوف لك شغلانة في أي شركة، واتقي الله فيّّ مرة واحدة بدل ما أتشل بسببك، يمكن ساعتها ربنا يكرمك وتلاقي لك خال كان عايش في البرازيل تورثه وتحقق أحلامك وأمك تفرح بيك.
– هي مش كانت أحلامنا ونون الجمع وكده؟
– كانت يا حسن، قبل ما أتبهدل معاك، دلوقتي أنا أحلامي ألاقي مرتبك اللي كنت بطران عليه ده… فاكرُه؟
وبعدين يا حبيبي هو انت بتفهم في البلاستيك… الخسارة والديون بقوا إدمان عندك؟
حاول حسن تغيير دفة الحديث وبدأ في شرح فكرة المشروع وجدوى القرض، وكم سيدر من أرباح طائلة بعد عام واحد فقط، لكنها لفتت انتباهه لنقطة لم تكن في حسبانه:
– هتاخد قرض بضمان إيه يا ترى؟
صمت حسن وكأن كل أحلامه تدمرت بسؤالها، أخذ يفكر قليلًا ثم تفتق ذهنه بفكرة ألقاها بوجهها في الحال:
– بضمان شقتنا.
لم تتحمل أن تستمع له أكثر من ذلك فانفجرت في وجهه صارخة:
– انت اتجننت صح؟ عاوز تضيَّع الشقة ونقعد في الشارع؟ والله ساعتها أكون مطربقة الدنيا على دماغك ومديالك ابنك وخالعاك كمان.
جلس حسن يفكر في حل آخر يوفر له أموال شراكته في المشروع دون أن يخاطر بشقته، فذهب لشقيقه الأكبر وأخبره بفكرة مشروعه التي راقت له هو الآخر، فاتفق معه أن يقرضه المبلغ على شرط أن يحصل على نسبة من الأرباح بعد عام بالإضافة لماله وبذلك يكون قد استطاع توفير فوائد القرض التي كان سيدفعها للبنك.
مر عام كامل على بداية المشروع الذي كانت خسارته فادحة، فخرج جميع الشركاء بديون كبيرة، وانتهى الأمر بحسن ككل مرة يحاول فيها تحقيق أحلامه، وكانت الفضيحة هذه المرة مدوية، فلم يتوانى شقيقه إلا بعد ما طلب من حسن أمام والدتهما مبلغ القرض بأسرع وقت ممكن، بل وطلب نسبة أيضًا على المال الذي كان منتظرًا منه أرباح وهمية، حاولت “سعاد” أن تثني نجلها الكبير عن مبلغ الفائدة بدعوى حرمانيته مرة ولأجل صلة الدم بينهما مرة أخرى لكن كان غضب الأخ كبيرًا للغاية، لكنه ولأجل والدته فقط وبعد الكثير من النقاش اقتنع أن يتغاضى عن الفائدة وأن يقبل بسداد المبلغ على ثلاث سنوات رفقة بظروف أخيه، فعاد حسن لناريمان يجر أذيال الخيبة ويبكي أمامها ككل مرة يفشل فيها وكأنها المرة الأولى:
– أنا فاشل… معرفش ليه حظي ملعون كده، هو أنا مش من حقي أشتغل وأخليكم تعيشوا زي الناس؟ أنا غلطان وفاشل.
ودت ناريمان في هذه اللحظة أن تلكمه وتطرحه أرضًا وتنهال عليه بالسباب واللكمات، أرادت أن تقول له أنت لست فاشلًا فحسب بل أكثر الرجال بؤسًا وغباءً على الإطلاق، لكنها كالعادة وقفت بجواره وظلت تحاول أن تخفف عنه تلك الهموم، ففي النهاية هو لا يفعل ذلك سوى لأجل تحسين مستوى معيشتهما، ظلا بعد ذلك يفكران كيف سيقوم بسداد مبلغ القرض، كانت تعرف في قرارة نفسها أن “سعاد” تشعر بشماتة عارمة فيها الآن ولسان حالها يقول “أحسن” ككل مرة يفشل فيها حسن، وكأن ناريمان هي التي استثمرت وفشلت، لكنها كانت تتحمل.
قرر الزوجان أن يقوما بعرض شقتهما للإيجار، واستئجار أخرى بديلة بسعر زهيد في منطقة عادية، بل أقل من العادية، وقام حسن ببيع سيارته التي كان يمتلكها قبل زواجه من ناريمان، وعرضت والدة حسن أن تشتري منه أثاث الشقة، ولولا رفض ناريمان القاطع لكان وافق حسن، واستبدله بآخر مستعمل، لذلك كان مشهد نقل الأثاث من السيارة إلى شقتهما الجديدة في هذا الشارع يبدو عبثيًا للغاية، ولفت نظر الجيران والمارة.
– أحلامنا… من هنا ورايح تقول أحلامنا وتتكلم عننا بنون الجمع، أنا وانت وولادنا اللي جايين. لم تكن تعلم ناريمان أنها قطعت على نفسها وعدًا بالشقاء، فبعد أن استقال حسن دون أي تخطيط منه للمستقبل بدأت حياتهما في معاناة حقيقية، لم تدركها في بداية الأمر، فلم تكن قد استفاقت بعد من أحلامها الوردية، تقنع نفسها أن هذه المعاناة ما هي إلا ضريبة طبيعية لِجَني ثمار الكفاح، فحتمًا ستكون فيما بعد زوجة لرجل عصامي صعد على قمة النجاح بفضل مساعدة زوجته، كما أكدت لها أحداث روايتها المفضلة من قبل، ظلت حياتها معه على وتيرة ثابتة، تتحمل ضيقه وضيق ذات يده، لا تشكو أبدًا، كانت تدَّعي الراحة والسعادة أمام والديها حتى لا يتدخل أحدًا في حياتها، لم تكن حتى تخبرهم بمعاملة حماتها السيئة لها منذ أن استقال حسن من وظيفته، فمنذ أن علمت بأمر الاستقالة الذي أخفياه عليها لبضعة أشهر، وذهب هو ليخبرها فقط بعدما سُدَت جميع الأبواب في وجهه وقرر الاستدانة منها، قامت ثورتها على ناريمان، فكيف لم تمنعه أو تخبرها على الأقل، وكأنها قد أتت بناريمان للعمل كمخبرًا خاصًا عليه، وأصبحت تُحَمِلها ما لا طاقة لها به من لوم وعتاب بأنها السبب لما وصل إليه حسن بعدما كان مستقرًا في حياته، ولم تفلح محاولات حسن في إقناع والدته بأن لا تتعامل بهذه الطريقة مع زوجته، فأصبح يضغط على زوجته لتقبل هذه المعاملة بدعوى كِبر السن، واحترام الكبار، وأنه لن يقبل أن يكون عاقًا، ذات مرة في إحدى مشاجراتهم بسبب أمه، طلبت منه أن يجعل والدته تكف عن هذه المعاملة وإلا لن تستقبلها بمنزلها أبدًا فأخبرها أنه تزوجها فقط لأجل إرضاء أمه،