طموح رجل تزوج

طموح رجل تزوج
طموح رجل تزوج

– صوتكم عِلي شوية؟ قولي شويات يا شيخة، منكم لله من ساعة ما دخلتوا العمارة وانتم صدعتوني وقرفتوني في عيشتي وطلعتوا جيرة ما يعلم بيها إلا ربنا.

– مين الولية دي؟

سألت سعاد وهي تنظر ناحية سميرة بعصبية بالغة، فسرعان ما ردت ناريمان:

– دي الست سميرة جارتنا في الشقة اللي قصادنا.

نظرت لها سعاد متحفزة وهي تقترب منها:

– آااه، هو انتِ بقى الولية المجنونة اللي عمالة تصوت كل شوية في ودان ابني، اصبري عليَّ بس، أخلص من تدبيسة ابني السودا دي وأروق لك، ده أنا جاية لك مخصوص.

ارتفعت همهمات الجيران مستنكرين إهانة سميرة أمامهم من السيدة الغريبة، بينما رفعت سميرة حاجبيها وهي تمسك بتلابيب سعاد وتجرها أمامهم:

– مجنونة؟ أنا مجنونة… ده انتِ يومك مش معدي النهاردة.

كانت سعاد تحاول تخليص نفسها من بين يدي سميرة، وفي تلك اللحظة دخل حسن لشقته ليجد مشهدًا عبثيًا يشبه تلك الأحلام التي يراها في قيلولته، يحاول شق الجمع بين الناس حتى شاهد والدته تحاول الخلاص من يد الجارة وتصرخ في وجهها:

– احترمي نفسك يا ست انتِ وسيبيني باقول لك، أحسن والله هاضربك بالجز…

لم تمهل سميرة فرصة لسعاد أن تكمل جملة واحدة، فتركتها فجأة ثم خلعت حذائها وانهالت عليها ضربًا، وعَضًا، ولم يفلح حسن أو حماه في تخليص سعاد من بين يديها بينما كانت ناريمان تقف بجوار والدتها تشاهدان الحدث في شماتة مستترة وتعاطف مصطنع، استطاع حسن ووالد ناريمان تخليص سعاد بصعوبة من بين براثن سميرة التي كانت تحاول أن تصل لجسد سعاد مرة أخرى لتستكمل ضربها:

– وحياة ديني لو لمحتك في الشارع لأفرج الناس عليكِ ومحدش هيعرف ينجدك مني.

ثم اتجهت لشقتها وهي تتمتم:

– عاوزة تضربيني بقى! قال البيت

بيت أبونا والأغراب يبهدلونا.

كان شعور سعاد في هذه اللحظة مريرًا، فقد تم الاعتداء عليها وإهانة كرامتها أمام ابنها وزوجته ووالديها، والجيران أيضًا، كيف ستنظر في عيني ناريمان مرة أخرى، وكيف ستواجه كل هذه الأعين التي شهدت قتل كبرياءها بعد دعسه تحت حذاء سميرة، وسرعان ما حملت حالها وغادرت منزل ولدها، وهي تخبره أمام زوجته أنها كانت السبب في إهانتها، وإهانته، وظلت تدعو عليه أن يظل فقيرًا محاطًا بالديون إن استمر بهذه الزيجة ولم يرد إهانة أمه.

لم يجد والدا سميرة سببًا لتواجدهما في منزل ابنتهما، فغادرا بصمت تاركين ابنتهم في مواجهة مع زوجها الذي جلس صامتًا يحاول أن يلملم كبرياؤه الذ أهدرته سميرة بعد إهانة والدته، ويفكر بعمق بالغ في كلام والدته عن أن ناريمان هي سبب كل هذه المشكلات.

اقتربت منه سميرة وجلست على مقربة منه ثم بدأت تتحدث له بارتباك:

– حسن؛ على فكرة أنا ماليش ذنب في اللي حصل والله، انت عارف أكيد… صح؟

– ومالكيش ذنب في إيه كمان؟… أنا شوفتك على فكرة… شوفتك وانتِ بتحاولي تداري ابتسامتك لما سميرة كانت بتضرب أمي، يمكن مش انتِ السبب إنها عملت كده، لكن… مش قادر أسامحك على شماتتك فيها.

نظرت له سميرة وضحكت بسخرية تعجب منها حسن:

– بتضحكي تاني؟

– آه يا حسن، ما لو مضحكتش هاتجنن، فيه إيه في حياتنا مش بيضحك، ده أنا حياتي معاك ممكن تتعمل فيلم كوميدي، عارف الكوميديا السودا؟ حياتي معاك كده بالظبط، فيها بطلة حياتها مرار عايشة مع راجل مستهتر، متدلع، معندوش مسؤولية، شالته واتحملته ووقفت جنبه، سابت بيتها واتمرمطت وجت تعيش معاه في شقة معفنة علشان يسد ديونه اللي تراكمت عليه بسبب غباؤه، وبعدين تيجي أمه تهين مراته وتشمت فيها، وتضحك عليها وهي شايفة ابنها عمال يقع ويوقعها معاه، علشان ممنعتهوش يحلم ويحقق طموحه، أمك بتهينني علشان سيبتك تحلم يا حسن، وفي الآخر ابنها جاي يلومني على فشله وفشلها في تربيته.

– كل ده في قلبك وعايشة معايا؟ انتِ فعلًا ممثلة شاطرة.

– أيوة صح، قدرت أمثل دوري كويس وضَحكت الجمهور عليَّ، ضحكت الناس عليَّ، بس كفاية بقى خلاص، كفاية مرمطة وقرف، اوعى تفتكر إني كنت عايشة معاك علشان مستفيدة من وراك حاجة، بالعكس، أنا كان ممكن أسيبك وأعيش حياة كويسة، أصرف على نفسي وعلى ابني وأكفي نفسي شر البهدلة.

– وإيه اللي منعك؟

– علشان حبيتك، كنت شايفة فيك حاجة محدش شايفها حتى أمك، كنت شايفاك راجل عاوز يبني مستقبل، بيفشل كل مرة بس على الأقل بيحاول، ومش هاكدب عليك، مرضتش أحرم ابنك إنه يكبر معانا في حياة طبيعية، بس أنا غبية، علشان انت مبيطمرش فيك حاجة، يمكن اللي حصل ده خير ليَّ علشان أفوق وأبطَّل غباء.

طوال هذا اليوم ظلت ناريمان بغرفتها مع صغيرها، بينما ذهب حسن لمنزل والدته التي استقبلته بفتور تام:

– جاي ليه يا حسن، عاوز فلوس، ولا طردتك هي وأهلها؟

– عارفة أنا كنت عاوز أسيب شغلي وأفتح مشروع ليه؟ علشان كان نفسي مرة واحدة أعمل حاجة أنا عاوزها، كل مرة انتِ اللي بتعملي بدالي وتختاري مكاني، كلية مبحبهاش ووظيفة مش على مزاجي، حتى الجواز كان على مزاجك، كل حاجة، ولما عملت اللي أنا عاوزه وفشلت بقيتي فرحانة فيَّ.

– اتفلق يا حسن… أنا عملت كده علشان مصلحتك وانت شوفت بنفسك لما مشيت بدماغك حصل إيه… بس اتفلق، سد ديونك واعمل اللي يعجبك.

قام حسن ليتوجه إلى الباب مغادرًا ثم عاد مرة أخرى وجلس بجوار والدته باكيًا:

– طيب ادعي لي… متدعيش عليَّ تاني.

نظرت له بعينٍ دامعة، وهي تضع يدها على رأسه:

– روح يا ابني ربنا يرضيك ويراضيك ويوفقك، أنا عمري ما دعيت عليك يا حبيبي، ولو عملتها في ساعة غضب قلبي مبيطاوعنيش أقول آمين.

غادر حسن منزل والدته، وهو يشعر بالراحة لأول مرة، وقرر أن يظل مستقرًا في وظيفته، حتى تنتهي مدة سداد ديونه، وعادت الحياة تدريجيًا بينه وبين زوجته بعد فترة كبيرة من الفتور.

لم يهدأ صياح سميرة على الجيران وأهل الشارع، لكنها ذات يوم طرقت باب شقة ناريمان، فاستقبلها حسن بجفاف شديد:

– خير يا ستي؟ إحنا لا نضفنا ولا زعقنا ولا جينا جنبك خالص.

– حقك عليَّ، ومراتك كمان حقها عليَّ.

– وأمي اللي ضربتيها؟

– لأ… أمك لأ، أنا جاية أعتذر بس علشان انتم زي ولادي، وكنت سبب في مشكلة بينكم، أنا سمعت خناقتكم يوم ماضربت أم… ما علينا… يوم الخناقة، عاوزة بس أنصحك تخلي بالك من بيتك ومراتك، أنا عندي بنت في سنها كده سافرت وسابتني وبتكافح مع جوزها، وأنا متحملة غربتها، وأمه كمان متحملة غربته… الأهل بيحبوا يشوفوا نجاح عيالهم حتى لو هيبعدوا عنهم، خلي الكلمتين دول في بالك يمكن ربنا جعلك تيجي تسكن هنا علشان تسمعهم مني.

منذ هذا اليوم تغيرت علاقة ناريمان وحسن بجارتهما، كان حسن يتعامل معها ببعض التحفظ، فهو لا زال غاضبًا منها بسبب ما فعلته مع أمه، على عكس ناريمان التي كانت تقضي معها الوقت الذي يكون فيه زوجها بعمله، وتتشاركان في عمل بعض أصناف الطعام، كان أهل الحي يتعجبون من التحول الذي أصاب سميرة، فلم تعد تتشاجر، وأصبحت أكثر هدوءًا كما كانت قبل وفاة زوجها، بينما اتخذت سعاد قرار بعدم الذهاب لشقة ابنها بحجة عدم الاحتكاك بسميرة… خوفًا منها، حتى رحلت سميرة عن الحياة في العام التالي، ولم تفكر سعاد في زيارة ابنها بشقته أبدًا، كانت تكتفي بزيارة حسن مع حفيدها بمنزلها، بعدما صارحت حسن بأنها لا تريد أن يكون لها صلة بزوجته مرة أخرى وكان هذا الأمر مريحًا لناريمان أيضًا وساعد على استقرار علاقتها بحسن.

مرت الثلاث سنوات واستطاع حسن وناريمان سداد ديونهما، بل أنه وجد وظيفة أخرى براتب أعلى، وكانت زوجته تساعده براتبها في نفقات المعيشة، ورغم أن سعاد كانت سعيدة باستقراره في وظيفة ثابتة، لكنها لم تكن تعرف أنه ما زال يحاول جاهدًا أن يترك وظيفته ويدخل شريكًا في مشروعات لا يفقه عنها شيئا، لكن ناريمان كانت تقف له بالمرصاد.

في صباح أحد الأيام كانت هناك سيارة كبيرة تقف أسفل منزلهم، ويقف حسن بجوارها ليشرف على العمال وهم ينقلون أثاثهم الراقي من شقتهم الفقيرة إلى السيارة، ليعودا به ومعه إلى شقتهما بعد غياب سنوات، أما ناريمان فكانت تتأكد من أنها انتهت من حزم كل الأشياء الصغيرة التي يمكن وضعها بصناديق كرتونية، لفت نظرها صندوقًا صغيرًا كان فوق خزانة الملابس غطته الأتربة ويبدو أنها لم تلتفت له منذ مدة، فتحته فوجدت به بعض الكتب والمجلات القديمة، وجدت بينهم كتابًا ذو أوراقٍ صفراء… كان الكتاب لرواية عنوانها “طُموح رجل تزوَّج” ابتسمت قليلا ثم تحولت تلك الابتسامة لضحكات صاخبة مع كل صفحة تمزقها.

 

 

– صوتكم عِلي شوية؟ قولي شويات يا شيخة، منكم لله من ساعة ما دخلتوا العمارة وانتم صدعتوني وقرفتوني في عيشتي وطلعتوا جيرة ما يعلم بيها إلا ربنا. – مين الولية دي؟ سألت سعاد وهي تنظر ناحية سميرة بعصبية بالغة، فسرعان ما ردت ناريمان: – دي الست سميرة جارتنا في الشقة اللي قصادنا. نظرت لها سعاد متحفزة وهي تقترب منها: – آااه، هو انتِ بقى الولية المجنونة اللي عمالة تصوت كل شوية في ودان ابني، اصبري عليَّ بس، أخلص من تدبيسة ابني السودا دي وأروق لك، ده أنا جاية لك مخصوص. ارتفعت همهمات الجيران مستنكرين إهانة سميرة أمامهم من السيدة الغريبة، بينما رفعت سميرة حاجبيها وهي تمسك بتلابيب سعاد وتجرها أمامهم: – مجنونة؟ أنا مجنونة… ده انتِ يومك مش معدي النهاردة. كانت سعاد تحاول تخليص نفسها من بين يدي سميرة، وفي تلك اللحظة دخل حسن لشقته ليجد مشهدًا عبثيًا يشبه تلك الأحلام التي يراها في قيلولته، يحاول شق الجمع بين الناس حتى شاهد والدته تحاول الخلاص من يد الجارة وتصرخ في وجهها: – احترمي نفسك يا ست انتِ وسيبيني باقول لك، أحسن والله هاضربك بالجز… لم تمهل سميرة فرصة لسعاد أن تكمل جملة واحدة، فتركتها فجأة ثم خلعت حذائها وانهالت عليها ضربًا، وعَضًا، ولم يفلح حسن أو حماه في تخليص سعاد من بين يديها بينما كانت ناريمان تقف بجوار والدتها تشاهدان الحدث في شماتة مستترة وتعاطف مصطنع، استطاع حسن ووالد ناريمان تخليص سعاد بصعوبة من بين براثن سميرة التي كانت تحاول أن تصل لجسد سعاد مرة أخرى لتستكمل ضربها: – وحياة ديني لو لمحتك في الشارع لأفرج الناس عليكِ ومحدش هيعرف ينجدك مني. ثم اتجهت لشقتها وهي تتمتم: – عاوزة تضربيني بقى! قال البيت
بيت أبونا والأغراب يبهدلونا. كان شعور سعاد في هذه اللحظة مريرًا، فقد تم الاعتداء عليها وإهانة كرامتها أمام ابنها وزوجته ووالديها، والجيران أيضًا، كيف ستنظر في عيني ناريمان مرة أخرى، وكيف ستواجه كل هذه الأعين التي شهدت قتل كبرياءها بعد دعسه تحت حذاء سميرة، وسرعان ما حملت حالها وغادرت منزل ولدها، وهي تخبره أمام زوجته أنها كانت السبب في إهانتها، وإهانته، وظلت تدعو عليه أن يظل فقيرًا محاطًا بالديون إن استمر بهذه الزيجة ولم يرد إهانة أمه. لم يجد والدا سميرة سببًا لتواجدهما في منزل ابنتهما، فغادرا بصمت تاركين ابنتهم في مواجهة مع زوجها الذي جلس صامتًا يحاول أن يلملم كبرياؤه الذ أهدرته سميرة بعد إهانة والدته، ويفكر بعمق بالغ في كلام والدته عن أن ناريمان هي سبب كل هذه المشكلات. اقتربت منه سميرة وجلست على مقربة منه ثم بدأت تتحدث له بارتباك: – حسن؛ على فكرة أنا ماليش ذنب في اللي حصل والله، انت عارف أكيد… صح؟ – ومالكيش ذنب في إيه كمان؟… أنا شوفتك على فكرة… شوفتك وانتِ بتحاولي تداري ابتسامتك لما سميرة كانت بتضرب أمي، يمكن مش انتِ السبب إنها عملت كده، لكن… مش قادر أسامحك على شماتتك فيها. نظرت له سميرة وضحكت بسخرية تعجب منها حسن: – بتضحكي تاني؟ – آه يا حسن، ما لو مضحكتش هاتجنن، فيه إيه في حياتنا مش بيضحك، ده أنا حياتي معاك ممكن تتعمل فيلم كوميدي، عارف الكوميديا السودا؟ حياتي معاك كده بالظبط، فيها بطلة حياتها مرار عايشة مع راجل مستهتر، متدلع، معندوش مسؤولية، شالته واتحملته ووقفت جنبه، سابت بيتها واتمرمطت وجت تعيش معاه في شقة معفنة علشان يسد ديونه اللي تراكمت عليه بسبب غباؤه، وبعدين تيجي أمه تهين
مراته وتشمت فيها، وتضحك عليها وهي شايفة ابنها عمال يقع ويوقعها معاه، علشان ممنعتهوش يحلم ويحقق طموحه، أمك بتهينني علشان سيبتك تحلم يا حسن، وفي الآخر ابنها جاي يلومني على فشله وفشلها في تربيته. – كل ده في قلبك وعايشة معايا؟ انتِ فعلًا ممثلة شاطرة. – أيوة صح، قدرت أمثل دوري كويس وضَحكت الجمهور عليَّ، ضحكت الناس عليَّ، بس كفاية بقى خلاص، كفاية مرمطة وقرف، اوعى تفتكر إني كنت عايشة معاك علشان مستفيدة من وراك حاجة، بالعكس، أنا كان ممكن أسيبك وأعيش حياة كويسة، أصرف على نفسي وعلى ابني وأكفي نفسي شر البهدلة. – وإيه اللي منعك؟ – علشان حبيتك، كنت شايفة فيك حاجة محدش شايفها حتى أمك، كنت شايفاك راجل عاوز يبني مستقبل، بيفشل كل مرة بس على الأقل بيحاول، ومش هاكدب عليك، مرضتش أحرم ابنك إنه يكبر معانا في حياة طبيعية، بس أنا غبية، علشان انت مبيطمرش فيك حاجة، يمكن اللي حصل ده خير ليَّ علشان أفوق وأبطَّل غباء. طوال هذا اليوم ظلت ناريمان بغرفتها مع صغيرها، بينما ذهب حسن لمنزل والدته التي استقبلته بفتور تام: – جاي ليه يا حسن، عاوز فلوس، ولا طردتك هي وأهلها؟ – عارفة أنا كنت عاوز أسيب شغلي وأفتح مشروع ليه؟ علشان كان نفسي مرة واحدة أعمل حاجة أنا عاوزها، كل مرة انتِ اللي بتعملي بدالي وتختاري مكاني، كلية مبحبهاش ووظيفة مش على مزاجي، حتى الجواز كان على مزاجك، كل حاجة، ولما عملت اللي أنا عاوزه وفشلت بقيتي فرحانة فيَّ. – اتفلق يا حسن… أنا عملت كده علشان مصلحتك وانت شوفت بنفسك لما مشيت بدماغك حصل إيه… بس اتفلق، سد ديونك واعمل اللي يعجبك. قام حسن ليتوجه إلى الباب مغادرًا ثم عاد مرة أخرى وجلس بجوار والدته باكيًا: – طيب ادعي لي… متدعيش عليَّ تاني. نظرت له بعينٍ دامعة، وهي تضع يدها على رأسه: – روح يا ابني ربنا يرضيك ويراضيك ويوفقك، أنا عمري ما دعيت عليك يا حبيبي، ولو عملتها في ساعة غضب قلبي مبيطاوعنيش أقول آمين. غادر حسن منزل والدته، وهو يشعر بالراحة لأول مرة، وقرر أن يظل مستقرًا في وظيفته، حتى تنتهي مدة سداد ديونه، وعادت الحياة تدريجيًا بينه وبين زوجته بعد فترة كبيرة من الفتور. لم يهدأ صياح سميرة على الجيران وأهل الشارع، لكنها ذات يوم طرقت باب شقة ناريمان، فاستقبلها حسن بجفاف شديد: – خير يا ستي؟ إحنا لا نضفنا ولا زعقنا ولا جينا جنبك خالص. – حقك عليَّ، ومراتك كمان حقها عليَّ. – وأمي اللي ضربتيها؟ – لأ… أمك لأ، أنا جاية أعتذر بس علشان انتم زي ولادي، وكنت سبب في مشكلة بينكم، أنا سمعت خناقتكم يوم ماضربت أم… ما علينا… يوم الخناقة، عاوزة بس أنصحك تخلي بالك من بيتك ومراتك، أنا عندي بنت في سنها كده سافرت وسابتني وبتكافح مع جوزها، وأنا متحملة غربتها، وأمه كمان متحملة غربته… الأهل بيحبوا يشوفوا نجاح عيالهم حتى لو هيبعدوا عنهم، خلي الكلمتين دول في بالك يمكن ربنا جعلك تيجي تسكن هنا علشان تسمعهم مني. منذ هذا اليوم تغيرت علاقة ناريمان وحسن بجارتهما، كان حسن يتعامل معها ببعض التحفظ، فهو لا زال غاضبًا منها بسبب ما فعلته مع أمه، على عكس ناريمان التي كانت تقضي معها الوقت الذي يكون فيه زوجها بعمله، وتتشاركان في عمل بعض أصناف الطعام، كان أهل الحي يتعجبون من التحول الذي أصاب سميرة، فلم تعد تتشاجر، وأصبحت أكثر هدوءًا كما كانت قبل وفاة زوجها، بينما اتخذت سعاد قرار بعدم الذهاب لشقة ابنها بحجة عدم الاحتكاك بسميرة… خوفًا منها، حتى رحلت سميرة عن الحياة في العام التالي، ولم تفكر سعاد في زيارة ابنها بشقته أبدًا، كانت تكتفي بزيارة حسن مع حفيدها بمنزلها، بعدما صارحت حسن بأنها لا تريد أن يكون لها صلة بزوجته مرة أخرى وكان هذا الأمر مريحًا لناريمان أيضًا وساعد على استقرار علاقتها بحسن. مرت الثلاث سنوات واستطاع حسن وناريمان سداد ديونهما، بل أنه وجد وظيفة أخرى براتب أعلى، وكانت زوجته تساعده براتبها في نفقات المعيشة، ورغم أن سعاد كانت سعيدة باستقراره في وظيفة ثابتة، لكنها لم تكن تعرف أنه ما زال يحاول جاهدًا أن يترك وظيفته ويدخل شريكًا في مشروعات لا يفقه عنها شيئا، لكن ناريمان كانت تقف له بالمرصاد. في صباح أحد الأيام كانت هناك سيارة كبيرة تقف أسفل منزلهم، ويقف حسن بجوارها ليشرف على العمال وهم ينقلون أثاثهم الراقي من شقتهم الفقيرة إلى السيارة، ليعودا به ومعه إلى شقتهما بعد غياب سنوات، أما ناريمان فكانت تتأكد من أنها انتهت من حزم كل الأشياء الصغيرة التي يمكن وضعها بصناديق كرتونية، لفت نظرها صندوقًا صغيرًا كان فوق خزانة الملابس غطته الأتربة ويبدو أنها لم تلتفت له منذ مدة، فتحته فوجدت به بعض الكتب والمجلات القديمة، وجدت بينهم كتابًا ذو أوراقٍ صفراء… كان الكتاب لرواية عنوانها “طُموح رجل تزوَّج” ابتسمت قليلا ثم تحولت تلك الابتسامة لضحكات صاخبة مع كل صفحة تمزقها.    
تم نسخ الرابط