طموح رجل تزوج
أفاقت ناريمان من شرودها على صوت صراخ يأتي من أعلى، لم تستطع أن تحدد مصدره حتى اتضح أنه قادمًا من الشقة المجاورة لشقتها، خرجت من الشرفة تسب أصحاب الأثاث وتلعن في جدودهم، ظلت ناريمان تنظر لأعلى وتنقل بصرها لزوجها الذي يقف أمامها لا يعرف كيف يتصرف ثم لكزته:
– واضح إنها جيرة كويسة جدا وواضح إنك سألت على الشارع والمنطقة كويس.
نظر لها بخجل وهو يبتسم، يحاول أن يفكر في مبرر مقنع:
– عاوزاني أخبط على بيوت الناس أعمل لهم كشف أخلاق؟
– لا أقنعتني… بص أنا عاوزة أرجع بيتي بقى ماليش دعوة.
– يا ستي والله حاضر بس لما نسد فلوس القرض، هو أنا لازم أغني الحكاية دي كل شوية، مش فاهم يعني كل شوية قلقانة كده… المفروض تكوني اتعودتي!
– اتعودت على القلق؟ عندك حق… ده القلق ده في موجود في البيت ومتوفر زيه زي الجبنة كده، حاجة أساسية، ما أنا قلت سبعتلاف مرة قبل كده اشتغل في اللي تفهم فيه يا حسن… بلاش القرض اللي هيخرب بيتنا يا حسن، وانت سادد ودانك ومغمي عنيك زي ال3 قرود بتوع لا أرى ولا أسمع..
باغتها ممازحًا:
– لسه فاضل واحد… بتاع لا أتكلم اللي عامل كده ده (ثم وضع يديه على فمه)
– أنا اللي لا أتكلم قصاد عنادك ومصايبك اللي بتليني بيها دي، وبطل كلام بقى واتفضل اطلع معايا نشوف الست دي عاوزة مننا إيه!
صعدا سويًا على درجات السُلًّم المتهالك، كانت ناريمان مع كل درجة تصعدها تشعر بأنها متجهة نحو مستقبل مجهول مع هذا الرجل، بينما هو لديه شعور قوي بالعجز والفشل لم يستطع أن يتوارى عنه.
استقبلتهما تلك المرأة الخمسينية أمام باب شقتها وبدأت باستكمال وصلة الصراخ،
– طالعة بكام منظر دي؟ هي مش كانت لسه في البلكونة دلوقتي؟
نظرت له ناريمان مستنكرة أسلوبه ولا مبالاته، ثم التفتت للمرأة التي أمامها محاولة تفادي ثورة غضبها الغير مفهومة:
– صباح الخير يا مدام… أنا ناريمان وده جوزي حسن، إحنا هنسكن معاكم في العمارة هنا في الشقة دي، إن شاء الله نبقى أصحاب.
طريقتها الهادئة وابتسامتها فاجئت المرأة وأربكتها، صمتت قليلًا ثم نظرت أمام باب شقتها وأشارت بيدها:
– وهو اللي بيعزل وينقل حاجته يعمل كده؟ مين اللي هيلم الورق والكراتين المرمية والكركبة دي؟
– إحنا يا مدام هنظبط كل حاجة متقلقيش خالص، هنفرش الشقة ونلم كل الكركبة، وترجع الدنيا أحسن من الأول كمان.
رمقتهما بغضب، ودلفت لشقتها وأغلقت بابها بعنف.
بدأت ناريمان تستكشف شقتها الجديدة لأول مرة، إنها في نفس مساحة شقتها السابقة، شرفتها تطل على شرفة أخرى علُّق أصحابها في سقفها بعض الأقمشة على هيئة ستائر، الأرضية عادية جدًا، والدهانات موحدة باللون الأبيض، ويبدو أنه قد تم طلائها حديثًا، بينما المطبخ ضيق للغاية، والحمَّام بدون حوض استحمام من الأساس.
نظرت لزوجها في يأس:
– 3 سنين يا حسن؟ منك لله.
انهمكت ناريمان في فرش شقتها، تحاول أن تتأقلم في أي وضع، فانتهت من توزيع الأساس على شقتها وترتيبه بمساعدة زوجة حارس عقار عمارة مجاورة لهم، كانت امرأة ماهرة وسريعة، قليلة الكلام، كثيرة العمل، لذلك كانت سببًا في إنهاء مهمة ناريمان بسرعة وسهولة، وبعد ذلك طلبت منها تنظيف الفوضى أمام باب شقتها، فجأة تذكرت أمر الجارة فسألتها عنها:
– هي الست اللي قصادنا دي على طول صوتها عالي كده؟
أخبرتها أن السيدة “سميرة” امرأة طيبة لكنها سريعة الانفعال و “روحها في مناخيرها” وزوجها كان رجلًا طيبًا للغاية، لكنه توفى منذ خمسة أعوام وبعدها ابتنها تزوجت وسافرت للخارج بصحبة زوجها ولا تأتي لزيارة أمها سوى كل بضعة أشهر، ومنذ أن غاصت في بحور الوحدة أصبحت بحال آخر، تتشاجر مع الناس لأتفه الأسباب، لكنها امرأة طيبة وأحيانًا تتدخل في حل نزاعات أهل الشارع، ولها كلمة مسموعة عند الجميع، لذلك يتغاضون عن عصبيتها الزائدة.
كانت الأيام تمر عادية اعتادت فيهم ناريمان على المنزل والشارع، كان شيء واحد فقط هو الذي يؤرق حياتها، فلم تتركها جارتها تنعم بيوم هاديء، فهي دائمة الشجار مع الباعة الجائلين، وزوجة حارس العقار المجاور، لم يسلم منها أحد، ورغم ذلك كان الجميع يتعايش مع وصلة الصراخ اليومية وكأنها عرضًا من عروض الأوبرا، ولسبب ما كانت ناريمان تتعاطف مع هذه المرأة، ربما لمعرفتها بظروفها التي أخبرتها عنها زوجة حارس العقار لكنها كانت تحاول قدر الإمكان تلاشي الصدام معها حتى حدث ما لم تكن راغبة في حدوثه، فقد عادت من عملها ذات يوم، وقررت أن تقوم بتغيير أماكن بعض قطع الاثاث، فبدأت بتحريك القطع بصعوبة مصدرة ذلك الصوت الناتج عن احتكاك الخشب بالأرضية، وما هي إلا ثواني حتى كانت الطَرقات على باب شقتها مدوية، فاتجهت نحو الباب لترى من الطارق وما هي المصيبة التي جعلته يطرق بابها هكذا، وسرعان ما اتجه جارتها مندفعة داخل شقتها دون أي مراعاة للخصوصية:
– بتعملي إيه يا حبيبتي، هو انتِ كنتِ عايشة في صحرا قبل ما تيجي هنا؟
تذكرت ناريمان منزلها الذي تركته، وكيف أدركت قيمته الآن، قبل أن تجيبها:
– معلش لو أزعجتك، بس باعمل شوية تغييرات في البيت.
– هو انتِ مش بتشتغلي؟ بتجيبي الصحة دي منين، باقول لك إيه يا بنتي ابقي نضفي بيتك ساعة الصبح كده يوم أجازتك علشان أنا في الوقت ده باحب أرتاح شوية وانتِ صدعتينا.
– بس أنا…
– متبسبسليش… أنا ست كبيرة ومابحبش حد يناهد معايا، وأنا واخدة بالي إنك بتتقي شري ومبسوطة منك، فبلاش تخليني أفرض شري عليكِ وأطفشك انتِ والمعتوه اللي متجوزاه ده.
انتظرت ناريمان زوجها حتى عاد من عمله الجديد، فقد وجد عملًا كموظف بخدمة عملاء أحد الشركات، ليقضي نصف اليوم تقريبًا داخل مقر الشركة، يعاني من إزعاج العملاء وصراخهم في وجهه، متحملًا الإهانة أحيانًا، ومتغاضيًا عنها لأن كما أخبره مديره:
أفاقت ناريمان من شرودها على صوت صراخ يأتي من أعلى، لم تستطع أن تحدد مصدره حتى اتضح أنه قادمًا من الشقة المجاورة لشقتها، خرجت من الشرفة تسب أصحاب الأثاث وتلعن في جدودهم، ظلت ناريمان تنظر لأعلى وتنقل بصرها لزوجها الذي يقف أمامها لا يعرف كيف يتصرف ثم لكزته: – واضح إنها جيرة كويسة جدا وواضح إنك سألت على الشارع والمنطقة كويس. نظر لها بخجل وهو يبتسم، يحاول أن يفكر في مبرر مقنع: – عاوزاني أخبط على بيوت الناس أعمل لهم كشف أخلاق؟ – لا أقنعتني… بص أنا عاوزة أرجع بيتي بقى ماليش دعوة. – يا ستي والله حاضر بس لما نسد فلوس القرض، هو أنا لازم أغني الحكاية دي كل شوية، مش فاهم يعني كل شوية قلقانة كده… المفروض تكوني اتعودتي! – اتعودت على القلق؟ عندك حق… ده القلق ده في موجود في البيت ومتوفر زيه زي الجبنة كده، حاجة أساسية، ما أنا قلت سبعتلاف مرة قبل كده اشتغل في اللي تفهم فيه يا حسن… بلاش القرض اللي هيخرب بيتنا يا حسن، وانت سادد ودانك ومغمي عنيك زي ال3 قرود بتوع لا أرى ولا أسمع.. باغتها ممازحًا: – لسه فاضل واحد… بتاع لا أتكلم اللي عامل كده ده (ثم وضع يديه على فمه) – أنا اللي لا أتكلم قصاد عنادك ومصايبك اللي بتليني بيها دي، وبطل كلام بقى واتفضل اطلع معايا نشوف الست دي عاوزة مننا إيه! صعدا سويًا على درجات السُلًّم المتهالك، كانت ناريمان مع كل درجة تصعدها تشعر بأنها متجهة نحو مستقبل مجهول مع هذا الرجل، بينما هو لديه شعور قوي بالعجز والفشل لم يستطع أن يتوارى عنه. استقبلتهما تلك المرأة الخمسينية أمام باب شقتها وبدأت باستكمال وصلة الصراخ،