بين الخديعة والهوى

بين الخديعة والهوى
بين الخديعة والهوى

-سلوى أنا فكرت طول الليل ولقيت إن انسب حل عشان اضمن حق عيالي، هو إن اكتب البيت باسمك.

لمعت عينا سلوى كالذئب حين يرى انهزام ضحيته:

-وماله يا حبيبتي وحقك بناتك محفوظ.

ابتسمت لها ليلى بثقة وهي تقول:

-دي حاجة واثقة منها طبعًا، بس زي ما اتفقنا كريم ماينفعش يعرف حاجة خالص، ماتقوليش لجوزك عشان مايغلطش معاه في الكلام.

-لا هو عبد الغفور له كلام مع كريم إلا في المناسبات وبعدين دي أمور خاصة بيني وبينك.

-ربنا يخيب ظني يا سلوى بجد، عشان أنا قلبي واجعني.

دارت سلوى حول المكتب حتى وصلت إلى أختها، وربّتت على كتفيها، قائلةً باستنكار:

-نشفي قلبك يا بت كده، وتأكدي إنك مابتعمليش إلا اللي في مصلحتك عيالك وبس.

هزت ليلى رأسها متفهمة، وابتسمت بحزن شارد، بينما تراقصت السعادة على وجه سلوى، رغم محاولاتها إخفاءها وإظهار العكس.

 

**

عادت سلوى من شرودها، وتمتمت بوعيد ناري:

 

-وديني وما أعبد لاعلمك الادب يا كريم، واطفي نار قلبي وأنا بشوفك متدمر ومحلتكش جنية.

***

 

سار كريم في الطريق المؤدي إلى منزله، وارتعشت أنامله وهو يحاول التقاط أنفاسه، لكنه شعر بأن الهواء من حوله قد نفد، وكأن الصدمة انتزعت منه القدرة على التنفس.

كانت الضربة قاسية، ليس لأنها غير متوقعة، بل لأنها جاءت من يد لم يكن يظن يومًا أنها ستؤذيه.

استمع إلى صوت أنثوي يناديه من خلفه، يعرفه تمامًا، بل يحفظه عن ظهر قلب، وكيف لا يعرف صاحبة الصوت، وهو لا يزال يحتفظ بمشاعره نحوها داخل قلبه كأنها قوارير يخشى خدشها؟

ذكرياته معها لا تزال تترك رونقها في عقله، رغم أن نصيبهما لم يُكتب بسبب تعنت والدتها لأسباب لا يد له بها، فُرض عليهما الفراق، وتوقف قطار حكايتهما عند آخر محطة، فقرر الحفاظ على كرامته والزواج

بأخرى ليبني معها مستقبلاً، عل الأيام تنجح في طمس مشاعره القديمة،

لكن الحقيقة أنه تمسك بذكرياتهما داخل أروقة فؤاده، كأنها وُشمت فيه للأبد.

التفت وهو يحاول استعادة رزانته وثباته، مبتسمًا باقتضاب سرعان ما اختفى فور رؤيته لملامحها الرقيقة وهيئتها الرسمية، ببذلتها السوداء الأنيقة، كانت تعمل محامية وتملك مكتبًا خاصًا بها في نفس منطقتهم.

-إزيك يا وصال؟

اقتربت منه وصال بقامتها القصيرة مقارنةً بطوله الفارع، وهي تنظر إلى ملامحه بتوتر حاولت إخفاءه:

-الحمد لله، أنا ناديت عليك عشان اعزيك واقولك البقاء لله.

هز رأسه بيأس، وقد اكتسح الحزن نبرته الرجولية وهو يقول:

-ونعم بالله.

ساد الصمت لدقيقتين، قطعته أخيرًا بنبرة ارتباك وكأنها أدركت فداحة ما تفعله:

-عن إذنك، ابقى سلملي على البنات.

وقبل أن يرد، جاءه صوت “حنين” من خلفها بنبرة عاطفية بريئة:

-وحشتيني يا صولا، كده متسأليش علينا امبارح.

هبطت وصال إلى مستواها وجلست على ركبتيها أمام الطفلة، قائلة بحرج مقصود:

-حقك عليا فعلاً يا حنونه، بس كان عندي قضية كبيرة وقاعدة بحضرلها، وبعدين أنا ماجتش أنتي تعالي.

تعجب كريم من انسجام ابنته مع وصال، فهو يعلم أن ليلى لم تكن تتقبلها أبدًا، وكانت تحرص على عدم التعامل معها، فمنذ متى توطدت العلاقة إلى هذا الحد؟!

انتبه على صوت وصال وهي تطلب منه برجاء:

-لو سمحت يا كريم، ابقى خليها هي وهنا يجوا ويقعدوا معايا شوية.

هز رأسه موافقًا، كاتمًا تعجبه داخل دهاليز عينيه، وفور ذهابها، مال نحو ابنته وسألها مباشرةً:

-من امتى وانتي ووصال صحاب اوي كده؟!

تنهدت الصغيرة وهي تجيبه بهدوء عكس سنها الصغير، وكأنها تحمل في قلبها حكمة لم تكن لتكتسبها في هذا العمر لولا ما مرت به:

-ماما مكنتش بتحبنا نكلمها، ولما كانت وصال بتسلم علينا واحنا راجعين من المدرسة كانت خالتو سلوى تتصل تقولها وماما تضربنا، بس بعد وفاتها محدش كان بيسأل علينا إلا وصال وبتجبلنا حلويات كتير وكمان بتدوينا المدرسة بعربيتها.

مسح كريم على رأسها بحنو، فرفعت وجهها إليه متسائلة بقلق ممزوج برجاء صامت:

-بابا هو انت هتمنعنا نكلمها زي ماما، والله هي طيبة وحنية اوي.

-لا طبعًا مش همنعك وبعدين هي كتر خيرها أساسًا.

ترددت قليلاً قبل أن تسأله، لكن الدفء المنبعث من والدها شجعها على الحديث:

-عملت إيه مع خالتو سلوى؟

تعجب وهو يسألها:

-وانتي إيه عرفك إن أنا كنت عند خالتو سلوى؟

نظرت إليه بضعف وقلة حيلة وهي تجيبه بصدق:

-لما خرجت من البيت وانت متضايق قولت أكيد رايحلها ولما طولت قلقت ونزلت اشوفك.

ابتسم لها بحنو ودفء أبوي صادق، كانت بحاجة إليه في هذه الفترة المأساوية:

-ماتقلقيش عليا تاني أنا مش صغير، وبعدين ماتخافيش خالتو سلوى مش هتقدر تعملنا حاجة.

رسمت ابتسامة زائفة، وهي تنظر إليه بامتنان على وجوده في أهم وقت:

-أنا مش خايفة عشان عارفة إنك معانا.

قبّل وجنتيها بحب، ثم أخذها وسار بها باتجاه المنزل، مانعًا نفسه من التفكير في أي شيء سوى سلوى وخبثها، لكنه توقف فجأة وسألها باهتمام، عله يجد أي خيط يساعده على إثبات إدانتها:

-حنين، هي خالتو سلوى كانت بتيجي لماما كتير، وكانوا عاملين ازاي وانا مسافر، يعني في مرة سمعتي مثلا انهم اتخانقوا قالوا أي حاجة مثلا لفتت انتباهك؟

صمتت قليلاً تفكر، قبل أن تجيبه بتيه سيطر على عقلها الصغير:

-لا مكنوش بيتخانقوا، وكانت بتيجي كتير وماما كمان بتروحلها كتير، بس مكنوش بيتكلموا قدامنا، كانوا بيدخلوا جوه في الاوضة ويقفلوا على نفسهم، ولو أنا حاولت ادخل، كانت خالتو سلوى بتقولي لماما زعقي لبنتك وربيها، فماما كانت بتضربني.

كررت الصغيرة جملة “كانت بتضربني” عدة مرات، والسبب كان دائمًا “سلوى”، لذا اخشوشنت نبرته وسألها باستنكار:

-سلوى أنا فكرت طول الليل ولقيت إن انسب حل عشان اضمن حق عيالي، هو إن اكتب البيت باسمك. لمعت عينا سلوى كالذئب حين يرى انهزام ضحيته: -وماله يا حبيبتي وحقك بناتك محفوظ. ابتسمت لها ليلى بثقة وهي تقول: -دي حاجة واثقة منها طبعًا، بس زي ما اتفقنا كريم ماينفعش يعرف حاجة خالص، ماتقوليش لجوزك عشان مايغلطش معاه في الكلام. -لا هو عبد الغفور له كلام مع كريم إلا في المناسبات وبعدين دي أمور خاصة بيني وبينك. -ربنا يخيب ظني يا سلوى بجد، عشان أنا قلبي واجعني. دارت سلوى حول المكتب حتى وصلت إلى أختها، وربّتت على كتفيها، قائلةً باستنكار: -نشفي قلبك يا بت كده، وتأكدي إنك مابتعمليش إلا اللي في مصلحتك عيالك وبس. هزت ليلى رأسها متفهمة، وابتسمت بحزن شارد، بينما تراقصت السعادة على وجه سلوى، رغم محاولاتها إخفاءها وإظهار العكس.   ** عادت سلوى من شرودها، وتمتمت بوعيد ناري:   -وديني وما أعبد لاعلمك الادب يا كريم، واطفي نار قلبي وأنا بشوفك متدمر ومحلتكش جنية. ***   سار كريم في الطريق المؤدي إلى منزله، وارتعشت أنامله وهو يحاول التقاط أنفاسه، لكنه شعر بأن الهواء من حوله قد نفد، وكأن الصدمة انتزعت منه القدرة على التنفس. كانت الضربة قاسية، ليس لأنها غير متوقعة، بل لأنها جاءت من يد لم يكن يظن يومًا أنها ستؤذيه. استمع إلى صوت أنثوي يناديه من خلفه، يعرفه تمامًا، بل يحفظه عن ظهر قلب، وكيف لا يعرف صاحبة الصوت، وهو لا يزال يحتفظ بمشاعره نحوها داخل قلبه كأنها قوارير يخشى خدشها؟ ذكرياته معها لا تزال تترك رونقها في عقله، رغم أن نصيبهما لم يُكتب بسبب تعنت والدتها لأسباب لا يد له بها، فُرض عليهما الفراق، وتوقف قطار حكايتهما عند آخر محطة، فقرر الحفاظ على كرامته والزواج
بأخرى ليبني معها مستقبلاً، عل الأيام تنجح في طمس مشاعره القديمة، لكن الحقيقة أنه تمسك بذكرياتهما داخل أروقة فؤاده، كأنها وُشمت فيه للأبد. التفت وهو يحاول استعادة رزانته وثباته، مبتسمًا باقتضاب سرعان ما اختفى فور رؤيته لملامحها الرقيقة وهيئتها الرسمية، ببذلتها السوداء الأنيقة، كانت تعمل محامية وتملك مكتبًا خاصًا بها في نفس منطقتهم. -إزيك يا وصال؟ اقتربت منه وصال بقامتها القصيرة مقارنةً بطوله الفارع، وهي تنظر إلى ملامحه بتوتر حاولت إخفاءه: -الحمد لله، أنا ناديت عليك عشان اعزيك واقولك البقاء لله. هز رأسه بيأس، وقد اكتسح الحزن نبرته الرجولية وهو يقول: -ونعم بالله. ساد الصمت لدقيقتين، قطعته أخيرًا بنبرة ارتباك وكأنها أدركت فداحة ما تفعله: -عن إذنك، ابقى سلملي على البنات. وقبل أن يرد، جاءه صوت “حنين” من خلفها بنبرة عاطفية بريئة: -وحشتيني يا صولا، كده متسأليش علينا امبارح. هبطت وصال إلى مستواها وجلست على ركبتيها أمام الطفلة، قائلة بحرج مقصود: -حقك عليا فعلاً يا حنونه، بس كان عندي قضية كبيرة وقاعدة بحضرلها، وبعدين أنا ماجتش أنتي تعالي. تعجب كريم من انسجام ابنته مع وصال، فهو يعلم أن ليلى لم تكن تتقبلها أبدًا، وكانت تحرص على عدم التعامل معها، فمنذ متى توطدت العلاقة إلى هذا الحد؟! انتبه على صوت وصال وهي تطلب منه برجاء: -لو سمحت يا كريم، ابقى خليها هي وهنا يجوا ويقعدوا معايا شوية. هز رأسه موافقًا، كاتمًا تعجبه داخل دهاليز عينيه، وفور ذهابها، مال نحو ابنته وسألها مباشرةً: -من امتى وانتي ووصال صحاب اوي كده؟! تنهدت الصغيرة وهي تجيبه بهدوء عكس سنها الصغير، وكأنها تحمل في قلبها حكمة لم تكن لتكتسبها في هذا العمر لولا ما مرت به: -ماما مكنتش بتحبنا نكلمها، ولما كانت وصال بتسلم علينا واحنا راجعين من المدرسة كانت خالتو سلوى تتصل تقولها وماما
تضربنا، بس بعد وفاتها محدش كان بيسأل علينا إلا وصال وبتجبلنا حلويات كتير وكمان بتدوينا المدرسة بعربيتها. مسح كريم على رأسها بحنو، فرفعت وجهها إليه متسائلة بقلق ممزوج برجاء صامت: -بابا هو انت هتمنعنا نكلمها زي ماما، والله هي طيبة وحنية اوي. -لا طبعًا مش همنعك وبعدين هي كتر خيرها أساسًا. ترددت قليلاً قبل أن تسأله، لكن الدفء المنبعث من والدها شجعها على الحديث: -عملت إيه مع خالتو سلوى؟ تعجب وهو يسألها: -وانتي إيه عرفك إن أنا كنت عند خالتو سلوى؟ نظرت إليه بضعف وقلة حيلة وهي تجيبه بصدق: -لما خرجت من البيت وانت متضايق قولت أكيد رايحلها ولما طولت قلقت ونزلت اشوفك. ابتسم لها بحنو ودفء أبوي صادق، كانت بحاجة إليه في هذه الفترة المأساوية: -ماتقلقيش عليا تاني أنا مش صغير، وبعدين ماتخافيش خالتو سلوى مش هتقدر تعملنا حاجة. رسمت ابتسامة زائفة، وهي تنظر إليه بامتنان على وجوده في أهم وقت: -أنا مش خايفة عشان عارفة إنك معانا. قبّل وجنتيها بحب، ثم أخذها وسار بها باتجاه المنزل، مانعًا نفسه من التفكير في أي شيء سوى سلوى وخبثها، لكنه توقف فجأة وسألها باهتمام، عله يجد أي خيط يساعده على إثبات إدانتها: -حنين، هي خالتو سلوى كانت بتيجي لماما كتير، وكانوا عاملين ازاي وانا مسافر، يعني في مرة سمعتي مثلا انهم اتخانقوا قالوا أي حاجة مثلا لفتت انتباهك؟ صمتت قليلاً تفكر، قبل أن تجيبه بتيه سيطر على عقلها الصغير: -لا مكنوش بيتخانقوا، وكانت بتيجي كتير وماما كمان بتروحلها كتير، بس مكنوش بيتكلموا قدامنا، كانوا بيدخلوا جوه في الاوضة ويقفلوا على نفسهم، ولو أنا حاولت ادخل، كانت خالتو سلوى بتقولي لماما زعقي لبنتك وربيها، فماما كانت بتضربني. كررت الصغيرة جملة “كانت بتضربني” عدة مرات، والسبب كان دائمًا “سلوى”، لذا اخشوشنت نبرته وسألها باستنكار:
تم نسخ الرابط