بين الخديعة والهوى
فقد كريم أعصابه وهو يصيح بنبرة جهورية غاضبة:
-بيت إيه اللي ملكك يا سلوى انتي اتجننتي؟
-بيتك ده بقى ملكي أنا، وده يا أخويا لما المرحومة باعته ليا بيع وشرا.
شعر كأن روحه انسحبت من جسده للحظات، لم يكن الألم في كلماتها، بل في ثقته بزوجته، التي أصبحت مجرد وهم تحطم أمامه:
-إزاي ده حصل وفين اللي يثبت كده؟
سؤال قاتم خرج من الظلام الذي عاث بتفكيره المتجمد، فأجابت باستفاضة ساخرة وهي تُخرج عقدًا:
-دي صورة العقد اللي يثبت إن المرحومة باعته ليا من سنة، أما بقى حصل إزاي!! فده بإرادتها وبكامل قواها العقلية، لما حست إنك ملكش أمان وخافت على حياتها وحياة بناتها فقررت تبيعه ليا..
ضغطت والدة كريم فوق أسنانها بغيظ واستنكار:
-وانتي بنت حلال وجاية تطردي بناتها من البيت!! مش صح!!
لوت سلوى شفتيها بملل وهي تقول:
-الحي ابقى من الميت يا حاجة سعاد، والدنيا لامؤاخذة بتتغير.
نظرت سعاد إلى الطفلتين قائلة بتهكم:
-شايفين يا بنات مين اللي ماعندوش أصل وأمان؟!
تجاهلت سلوى النظرات النارية المحملة بالكرة والصدمة الموجهة إليها من قبل الطفلتين:
-مش هرد عليكي يا حاجة سعاد، هعمل بأصلي لغاية آخر وقت، وهسيبكم تلموا حالكم في أسبوع، أنا كده عداني العيب!!
لم يكن كريم يتوقع الطعنة، لكنها جاءت باردة، حادة، مستقرة في أعماق روحه، حيث لا يصل إليها ضوء التبرير، خطفت سلوى العقد ووضعته في حقيبتها المزركشة بألوان عديدة، وغادرت بعاصفتها الهوجاء، تاركةً خلفها أثر العبث الذي فعلته.
***
في صباح اليوم التالي..
في صباح اليوم التالي، خرج كريم من غرفة نومه صامتًا، وكان صمته أثقل من أي صراخ، عيناه المطفأتان تحملان حطام ثقة تهاوت فجأة تحت وطأة الخذلان.
غادر المنزل تاركًا خلفه نظرات ابنتيه ووالدته المستفسرة عن سر خروجه المفاجئ، بينما توجه مباشرةً
-عايزك في كلمتين!
نهضت عن مقعدها وهي تقول بنبرة شبه ساخرة:
-يا سلام تلت أربع كلمات ولا يهمك يا بشمهندس كريم.
ثم أشارت إليه بالدخول إلى غرفة صغيرة تقع في آخر المحل الواسع، تحتوي على مكتب صغير وخزينة ومقعدين، دخل خلفها وسألها مباشرةً:
-غرضك إيه من الكلمتين اللي قولتيهم امبارح يا سلوى؟
وضعت يدها على خصرها وقالت بنبرة مستنكرة وحادة:
-غرضي حقي لامؤاخذة!!
كز على أسنانه بغيظ شديد، ورد بصوت جهوري غاضب:
-حق إيه يا سلوى؟! ده بيتي وأنا مابعتش أي حاجة ليكي، ولا قولت لليلى الله يرحمها تبيع حاجة، وليلى نفسها مقالتش ليا حاجة!!
لوت شفتيها بعدم رضا، وقالت بهدوء يناقض احتدام الموقف:
-بس هي باعته ليا عشان البيت كان باسمها، هي كانت بتحفظ حقها وحق بناتها يا بشمهندس لما حست إنك خاين وعندك استعداد تتجوز عليها!
انعقد حاجباه باستنكار وهو يقول بانفعال:
-إيه التخاريف اللي بتقوليها دي، خيانة إيه وحق إيه؟ أنا مش مصدق واحد في الميه الكلام اللي بتقوليه، أكيد في حاجة تانية خلت ليلى تعمل كده، ده لو هي فعلاً عملت كده!!
ضحكت ساخرة وهي تضرب كفًا بآخر، فصدر صوت عالٍ عن تحرك الأساور الذهبية التي تملأ يديها:
-امال مين اللي عمل عفريتها!! ما تفوق يا بشمهندس، وصحصح كده.
اقترب منها خطوة أخرى، وردد بتهديد صارم:
-ده أنا هصحصح ومش هسيبك إلا لما تقولي حقي برقبتي يا سلوى، لو فاكرة ان الحكاية خلصت على كده، تبقى غبية عشان مش كريم اللي هيسكتلك وبيتي مش هسيبه.
مطت شفتيها ببرود، وقالت بقسوة، والتبجح يملأ ملامحها:
-بشوقك، متبقاش تزعل لما لما اجبلك البوليس يطردوك هما، أنا ورقي سليم وزي الفل!
حاول استفزازها لتفصح عما يعتمل داخلها، فعيونها المثخنة بالكُره والحقد لم تكن وليدة اللحظة:
-خليكي سكة ودوغري وقوليلي عايزة إيه بالظبط؟
ارتفعت نبرة صوتها باستنكار وهي تحرك يديها معًا:
-تاني هيقولي، عايزة إيه؟! عايزة بيتي يا حبيبي.
-طول عمري كنت حاسس إنك شخصية واطية، بس أول مرة أتاكد من إحساسي!، يا ما قولت لليلى الله يرحمها بلاش تسمعي كلامها في كل حاجة، هي مابتحبكيش ولا بتحبلك الخير، كانت تزعل مني اوي وتقولي لا دي أختي الوحيدة وعايزة مصلحتي، مكنتش بتسمع كلامي وأنا وعيالها حاليًا بندفع تمن غلطها ده، هي لو كانت عملتلك حدود من الاول في حياتها مكنتيش هتقدري تبخي سمك في ودانها وتضحكي عليها وتاخدي بيتي تمن تعبي وشقايا وغربتي، بس أقول إيه الواطي هيفضل طول عمره واطي وجبان.
لم تتأثر بكلماته الحادة والصارخة، بل كانت باردة، مبتسمة بسخرية، تستقبل كلماته بصدر رحب، وهذا ما استفزه أكثر، رمقها بنظرة مشمئزة، ثم خرج من المحل، تاركًا إياها في صمت، وما إن خرج، حتى أمسكت زهرية كبيرة وألقتها بقوة على الباب، ثم أخرجت هاتفها وأجرت اتصالًا بزوجها عبد الغفور، صاحب ورش تجارة الخشب، والذي كان سبب غناها الفاحش!
-أيوه يا عبد الغفور، الزفت لسه جايلي وسمعني كلام زي السم.
انتظرت لحظة ثم قالت بضيق:
-لا لا ولا تروحله ولا تعبره أنا أصلاً مش عايزاك تتدخل، بس لو جالك قوله الكلام اللي قولتهولك وسيبه ليا، سلام…سلام….سلام.
ألقت الهاتف فوق المكتب الصغير، ورغمًا عنها، تسللت إلى مخيلتها آخر ذكرى جمعتها بأختها المتوفاة…
**
دخلت ليلى إلى محل أختها بجسدها الضئيل مقارنةً بجسد سلوى، التي تكبرها بعام واحد فقط، لكن شخصيتيهما كانتا مختلفتين تمامًا؛ فليلى رقيقة، هشة، مذبذبة، وأحيانًا تنعدم شخصيتها أمام أختها، بينما سلوى عنيفة، حادة، باردة المشاعر!
فقد كريم أعصابه وهو يصيح بنبرة جهورية غاضبة: -بيت إيه اللي ملكك يا سلوى انتي اتجننتي؟ -بيتك ده بقى ملكي أنا، وده يا أخويا لما المرحومة باعته ليا بيع وشرا. شعر كأن روحه انسحبت من جسده للحظات، لم يكن الألم في كلماتها، بل في ثقته بزوجته، التي أصبحت مجرد وهم تحطم أمامه: -إزاي ده حصل وفين اللي يثبت كده؟ سؤال قاتم خرج من الظلام الذي عاث بتفكيره المتجمد، فأجابت باستفاضة ساخرة وهي تُخرج عقدًا: -دي صورة العقد اللي يثبت إن المرحومة باعته ليا من سنة، أما بقى حصل إزاي!! فده بإرادتها وبكامل قواها العقلية، لما حست إنك ملكش أمان وخافت على حياتها وحياة بناتها فقررت تبيعه ليا.. ضغطت والدة كريم فوق أسنانها بغيظ واستنكار: -وانتي بنت حلال وجاية تطردي بناتها من البيت!! مش صح!! لوت سلوى شفتيها بملل وهي تقول: -الحي ابقى من الميت يا حاجة سعاد، والدنيا لامؤاخذة بتتغير. نظرت سعاد إلى الطفلتين قائلة بتهكم: -شايفين يا بنات مين اللي ماعندوش أصل وأمان؟! تجاهلت سلوى النظرات النارية المحملة بالكرة والصدمة الموجهة إليها من قبل الطفلتين: -مش هرد عليكي يا حاجة سعاد، هعمل بأصلي لغاية آخر وقت، وهسيبكم تلموا حالكم في أسبوع، أنا كده عداني العيب!! لم يكن كريم يتوقع الطعنة، لكنها جاءت باردة، حادة، مستقرة في أعماق روحه، حيث لا يصل إليها ضوء التبرير، خطفت سلوى العقد ووضعته في حقيبتها المزركشة بألوان عديدة، وغادرت بعاصفتها الهوجاء، تاركةً خلفها أثر العبث الذي فعلته. *** في صباح اليوم التالي.. في صباح اليوم التالي، خرج كريم من غرفة نومه صامتًا، وكان صمته أثقل من أي صراخ، عيناه المطفأتان تحملان حطام ثقة تهاوت فجأة تحت وطأة الخذلان. غادر المنزل تاركًا خلفه نظرات ابنتيه ووالدته المستفسرة عن سر خروجه المفاجئ، بينما توجه مباشرةً