بين الخديعة والهوى

بين الخديعة والهوى
بين الخديعة والهوى

-من امتى امك ولا أنا بنمد ايدينا عليكم؟ وليه دايمًا بتضربك ويكون بسبب كلام خالتك سلوى؟!

هزت كتفيها بعدم معرفتها، ثم قالت بصدق باكٍ:

-والله يا بابا أنا مبكذبش واسأل هنا اختي من ورايا، وفعلاً ماما مكنتش بتضربني خالص إلا لما أعمل غلط قدام خالتو سلوى وخالتو تقولها ربيها واكسري راسها، بنتك متدلعة تقوم ماما تضربني وتتنرفز عليا بس بعد لما بتهدا وخالتو سلوى تمشي أحيانًا كانت بتيجي تبوسني وتصالحني.

نظر إليها، إلى عينيها التي فاضت بالدموع، فشعر أنه لم يعد ذلك الرجل الهادئ، بل صار وحشًا مستعدًا لتمزيق مَن سولت لها نفسها أن تؤذي طفلته بسمومها الخبيثة، مستغلة ضعف شخصية أختها تجاهها.

-أنا مصدقك يا حبيبتي انسى اللي فات، ومتحاوليش تفكري في أي حاجة وحشة، أنا خلاص بقيت معاكي ومش هسيبك أبدًا.

احتضنته طفلته، وكأنها تعانقه للمرة الأخيرة، فلعن غربته التي كانت السبب في إرباك نفسية ابنته، لو كان موجودًا، لكان منع أمورًا كثيرة حدثت فقط في غيابه!

دخلت “وصال” إلى شقتها فوجدت والدتها تقف لها بالمرصاد:

-بردو عملتي اللي في دماغك وروحتي كلمتيه؟

توقفت في مكانها، تنظر إلى والدتها باستهجان غريب:

-عملت إيه؟ أنا قدمت الواجب لا أكتر ولا أقل!

تبرمت والدتها بانزعاج، قائلة بغيظ:

-واجب إيه يا ام واجب، ده واحد مراته ماتت من كام شهر لسه فاكرة تعزيه!

زفرت بضيق، ظهر جليًا على ملامحها، وهي تبرر للمرة الألف:

-عشان مكنتش شوفته وقتها، وبعدين مالك يا ماما ده مجرد واجب بسيط وكلمتين اتقالوا!!

انبثقت الأسباب التي أشعلت نيران غضب والدتها:

-الكلمتين دول يجروا حاجات كتير كلام في التليفونات ومقابلات زي زمان، وقول للزمان ارجع احنا مستنينك ومشتاقين!!

كانت ستدخل غرفتها، إلا أنها توقفت تحذر والدتها بحنق طفيف:

-‏ماما أنا مبحبش شغل التريقة عليا، وانتي

اهو اللي بتفتحي في زمان…

اقتربت منها والدتها، وهي تقول بتأفف وسخرية:

-عشان بنتي ماقفلتهوش ولسه بتفكر وعايشة على الأطلال!

لمعت عينا وصال بدموع القهر المحتجزة داخل مقلتيها:

-لا أنا قفلته من اللحظة اللي قررت اسمع برأيك ومزعلكيش، رغم إن ده كسرني وانتي بردو مش عاجبك!!

لم تنتبه والدتها لدموع ابنتها، فقد كان الغضب يعمي قلبها وبصيرتها عن رؤية الحسرة المتجسدة في ملامحها:

-كان هيعجبني لو حضرتك وقفتي على العرسان اللي مفيهاش غلطة واحدة واتجوزتي لكن اقول إيه بنتي قررت تترهبن من بعد كريم!

تنهدت بثقل وهي تجيب بنبرة متحشرجة:

-كل الحكاية مالقتش الشخص المناسب بس.

اختصرت والدتها المسافة بينهما، وربتت على كتفها، مبرزة عدم رضاها عن حال ابنتها الميؤوس منه:

-والله لو لقيتي يا وصال القلب في القلب، مع إنه راح ودور على الشخص المناسب بعدك على طول ومستناش وخلف كمان، يبقى ليه تربطي حياتك بحياته انسيه.

هنا، هبطت دموعها على ضياع حلم عمرها، فقالت بضيق محتدم:

-ماما أنا مش الريبورت، انا ليا مشاعر وصعب اتحكم فيها بس اللي اقدر اعمله ان ادفنها واحجمها.

-وانتي كده بتحجميها يا ضنايا!! لما تروحي تكلميه وتفكريه بيكي عشان يقول اه دي لسه مستنياني ما اتجوزها وتربي بناتي، بس لو كنتي فاكرة ان هوافق اني هوافق يا وصال تبقي غبية، زمان أنا رفضت عشان سبب واحد وهو ابوه دلوقتي أنا عندي الأسباب الكافية اللي تخليني ارفضه، فمتوجعيش قلبك وتجاهليه وتجاهلي بناته.

تساءلت باستنكار وعدم رضا:

-دول يتامى يا ماما ومحتاجين الحنية؟!

زمت والدتها شفتيها بغيظ وهي تقول بحزم:

-عندهم ستهم وكمان خالتهم…ربنا يهديكي، وحطي كلامي في بالك.

دخلت إلى غرفتها ولم تشعل الأضواء بل جلست في ركن غرفتها المظلم، تحضن وسادتها كما لو كانت بديلاً عن حضنٍ لن تناله أبدًا، والدموع تتساقط بصمت، تحرق وجنتيها بنار الحسرة.

في كل ليلة، كانت تستعيد كلماته، ووعوده، ونظراته المليئة بالأمل، قبل أن تسلبها والدتها ذلك الحلم، فتشعر بروحها تتلاشى كما يتلاشى القمر خلف الغيوم.

***

قضى كريم الليلة بأكملها يبحث داخل شقته عن أي دليل قد يدين سلوى، لكنه لم يجد شيئًا، حتى هاتف زوجته لم يكن به ما يثير الشك، فقط أمور عادية، بل أقل من العادية، تنهد بقوة وهو يجلس فوق الفراش، شاعرًا بالعجز يتسلل إلى كل إنش في جسده.

لم يشعر بدخول والدته إلى الغرفة، فقد كانت خطواتها هادئة، ونظرة الانكسار في عينيها تعكس ضياع تعب وشقاء ابنها الوحيد، ضاعت سنين غربته هباءً بسبب شيء لا يعلمه إلا الله وسلوى وليلى – رحمها الله، تُرى، هل تستحق الرحمة بعدما ظلمت زوجها بهذا الشكل؟ وهو بالمقابل كان يثق بها ثقةً عمياء.

-إيه يا حبيبي عملت إيه؟ لقيت حاجة؟

انتبه إلى وجود والدته بجانبه بعدما كان يضع رأسه بين راحتيه، وكأن هموم العالم بأسره تتربع فوق كتفيه:

-مالقتش.

تنهدت بثقل وهي تقول بحيرة:

-طيب والعمل ؟!

أجاب بضيق:

-هروح اوكل محامي واحاول ارفع قضية اتهمها بالتزوير ما أنا مش هقعد ساكت أبدًا ليها.

ضربت كفًا بآخر بحيرة وعدم رضا:

-لا حول ولا قوة إلا بالله، بقى معقولة ده يحصل!! وليه ليلى عملت كده!، تدي البيت لاختها كده وهي عارفة إنه من فلوس وتعبك وشقاك، طيب هي لو كانت دافعة فيه اقولك هي خافت على مستقبلها وبتأمنه، بس دي مكنتش دافعة مليم أحمر فيه، ومكنش يبان عليها الغدر.

نظر إلى والدته بأسف:

-حقك عليا يا ماما أنا بردو خليتك تبيعي شقتك وتدخلي معايا في البيت، اهو ضاع من ايدنا.

-يا حبيبي ما هو الشقة كانت هتبقى ليك بردو، بس ارجع واقول لو كانت موجودة كنا روحنا قعدنا فيها بدل ما احنا مش عارفين هنقعد عند مين ولا هنروح فين!

-من امتى امك ولا أنا بنمد ايدينا عليكم؟ وليه دايمًا بتضربك ويكون بسبب كلام خالتك سلوى؟! هزت كتفيها بعدم معرفتها، ثم قالت بصدق باكٍ: -والله يا بابا أنا مبكذبش واسأل هنا اختي من ورايا، وفعلاً ماما مكنتش بتضربني خالص إلا لما أعمل غلط قدام خالتو سلوى وخالتو تقولها ربيها واكسري راسها، بنتك متدلعة تقوم ماما تضربني وتتنرفز عليا بس بعد لما بتهدا وخالتو سلوى تمشي أحيانًا كانت بتيجي تبوسني وتصالحني. نظر إليها، إلى عينيها التي فاضت بالدموع، فشعر أنه لم يعد ذلك الرجل الهادئ، بل صار وحشًا مستعدًا لتمزيق مَن سولت لها نفسها أن تؤذي طفلته بسمومها الخبيثة، مستغلة ضعف شخصية أختها تجاهها. -أنا مصدقك يا حبيبتي انسى اللي فات، ومتحاوليش تفكري في أي حاجة وحشة، أنا خلاص بقيت معاكي ومش هسيبك أبدًا. احتضنته طفلته، وكأنها تعانقه للمرة الأخيرة، فلعن غربته التي كانت السبب في إرباك نفسية ابنته، لو كان موجودًا، لكان منع أمورًا كثيرة حدثت فقط في غيابه! دخلت “وصال” إلى شقتها فوجدت والدتها تقف لها بالمرصاد: -بردو عملتي اللي في دماغك وروحتي كلمتيه؟ توقفت في مكانها، تنظر إلى والدتها باستهجان غريب: -عملت إيه؟ أنا قدمت الواجب لا أكتر ولا أقل! تبرمت والدتها بانزعاج، قائلة بغيظ: -واجب إيه يا ام واجب، ده واحد مراته ماتت من كام شهر لسه فاكرة تعزيه! زفرت بضيق، ظهر جليًا على ملامحها، وهي تبرر للمرة الألف: -عشان مكنتش شوفته وقتها، وبعدين مالك يا ماما ده مجرد واجب بسيط وكلمتين اتقالوا!! انبثقت الأسباب التي أشعلت نيران غضب والدتها: -الكلمتين دول يجروا حاجات كتير كلام في التليفونات ومقابلات زي زمان، وقول للزمان ارجع احنا مستنينك ومشتاقين!! كانت ستدخل غرفتها، إلا أنها توقفت تحذر والدتها بحنق طفيف: -‏ماما أنا مبحبش شغل التريقة عليا، وانتي
اهو اللي بتفتحي في زمان… اقتربت منها والدتها، وهي تقول بتأفف وسخرية: -عشان بنتي ماقفلتهوش ولسه بتفكر وعايشة على الأطلال! لمعت عينا وصال بدموع القهر المحتجزة داخل مقلتيها: -لا أنا قفلته من اللحظة اللي قررت اسمع برأيك ومزعلكيش، رغم إن ده كسرني وانتي بردو مش عاجبك!! لم تنتبه والدتها لدموع ابنتها، فقد كان الغضب يعمي قلبها وبصيرتها عن رؤية الحسرة المتجسدة في ملامحها: -كان هيعجبني لو حضرتك وقفتي على العرسان اللي مفيهاش غلطة واحدة واتجوزتي لكن اقول إيه بنتي قررت تترهبن من بعد كريم! تنهدت بثقل وهي تجيب بنبرة متحشرجة: -كل الحكاية مالقتش الشخص المناسب بس. اختصرت والدتها المسافة بينهما، وربتت على كتفها، مبرزة عدم رضاها عن حال ابنتها الميؤوس منه: -والله لو لقيتي يا وصال القلب في القلب، مع إنه راح ودور على الشخص المناسب بعدك على طول ومستناش وخلف كمان، يبقى ليه تربطي حياتك بحياته انسيه. هنا، هبطت دموعها على ضياع حلم عمرها، فقالت بضيق محتدم: -ماما أنا مش الريبورت، انا ليا مشاعر وصعب اتحكم فيها بس اللي اقدر اعمله ان ادفنها واحجمها. -وانتي كده بتحجميها يا ضنايا!! لما تروحي تكلميه وتفكريه بيكي عشان يقول اه دي لسه مستنياني ما اتجوزها وتربي بناتي، بس لو كنتي فاكرة ان هوافق اني هوافق يا وصال تبقي غبية، زمان أنا رفضت عشان سبب واحد وهو ابوه دلوقتي أنا عندي الأسباب الكافية اللي تخليني ارفضه، فمتوجعيش قلبك وتجاهليه وتجاهلي بناته. تساءلت باستنكار وعدم رضا: -دول يتامى يا ماما ومحتاجين الحنية؟! زمت والدتها شفتيها بغيظ وهي تقول بحزم: -عندهم ستهم وكمان خالتهم…ربنا يهديكي، وحطي كلامي في بالك. دخلت إلى غرفتها ولم تشعل الأضواء بل جلست في ركن غرفتها المظلم، تحضن وسادتها كما لو كانت بديلاً عن حضنٍ لن تناله أبدًا، والدموع
تتساقط بصمت، تحرق وجنتيها بنار الحسرة. في كل ليلة، كانت تستعيد كلماته، ووعوده، ونظراته المليئة بالأمل، قبل أن تسلبها والدتها ذلك الحلم، فتشعر بروحها تتلاشى كما يتلاشى القمر خلف الغيوم. *** قضى كريم الليلة بأكملها يبحث داخل شقته عن أي دليل قد يدين سلوى، لكنه لم يجد شيئًا، حتى هاتف زوجته لم يكن به ما يثير الشك، فقط أمور عادية، بل أقل من العادية، تنهد بقوة وهو يجلس فوق الفراش، شاعرًا بالعجز يتسلل إلى كل إنش في جسده. لم يشعر بدخول والدته إلى الغرفة، فقد كانت خطواتها هادئة، ونظرة الانكسار في عينيها تعكس ضياع تعب وشقاء ابنها الوحيد، ضاعت سنين غربته هباءً بسبب شيء لا يعلمه إلا الله وسلوى وليلى – رحمها الله، تُرى، هل تستحق الرحمة بعدما ظلمت زوجها بهذا الشكل؟ وهو بالمقابل كان يثق بها ثقةً عمياء. -إيه يا حبيبي عملت إيه؟ لقيت حاجة؟ انتبه إلى وجود والدته بجانبه بعدما كان يضع رأسه بين راحتيه، وكأن هموم العالم بأسره تتربع فوق كتفيه: -مالقتش. تنهدت بثقل وهي تقول بحيرة: -طيب والعمل ؟! أجاب بضيق: -هروح اوكل محامي واحاول ارفع قضية اتهمها بالتزوير ما أنا مش هقعد ساكت أبدًا ليها. ضربت كفًا بآخر بحيرة وعدم رضا: -لا حول ولا قوة إلا بالله، بقى معقولة ده يحصل!! وليه ليلى عملت كده!، تدي البيت لاختها كده وهي عارفة إنه من فلوس وتعبك وشقاك، طيب هي لو كانت دافعة فيه اقولك هي خافت على مستقبلها وبتأمنه، بس دي مكنتش دافعة مليم أحمر فيه، ومكنش يبان عليها الغدر. نظر إلى والدته بأسف: -حقك عليا يا ماما أنا بردو خليتك تبيعي شقتك وتدخلي معايا في البيت، اهو ضاع من ايدنا. -يا حبيبي ما هو الشقة كانت هتبقى ليك بردو، بس ارجع واقول لو كانت موجودة كنا روحنا قعدنا فيها بدل ما احنا مش عارفين هنقعد عند مين ولا هنروح فين!
تم نسخ الرابط