بين الخديعة والهوى
انتفض كريم بغيظ فبدا كمن لسعه عقرب فجأة:
-أنا مش هسكتلها بنت الـ **** وهجيب حقي منها، أنا هروح لوصال أنا عرفت عندها مكتب محاماة وهخليها ترفع قضية…..
رمشت والدته بعدم فهم وهي تقول:
-يا حبيبي وصال أصلاً المحامية بتاعت سلوى وماسكة كل شغلها، ما هي اكيد عارفة باللي سلوى عملته! هي تنفع تمسك قضيتنا وتدافع عنها!
تساءلت والدته بحيرة وعدم فهم، لم يكن بحاجة إلى حرب جديدة، لكنه وجد نفسه فجأة وسط معركة لم يتوقعها، معركته لم تعد مع عدوته، بل مع قلبه الذي خانه عندما عاد يدق من جديد إليها.
***
في مساء اليوم التالي، جاءه اتصال من أحد أصدقائه يفيده بوجود وصال في مكتبها، توجه إلى هناك سريعًا، وجسده يتشنج غضبًا منها ومن استغفالها له ولطفلتيه، دخل إلى تلك الشقة الصغيرة التي استأجرتها، وكانت عبارة عن صالة صغيرة وغرفة كبيرة نسبيًا، في الصالة، وجد فتاة صغيرة الحجم والسن، تجلس خلف مكتب بني اللون، وأمامها ورقة واحدة وقلم ترسم به دوائر بملل واضح على ملامحها.
قال بصوت حاد:
-عايز أدخل لوصال!
رفعت رأسها وابتسمت بسخرية وهي تنظر إليه:
-وصال على طول كده، مفيش الاستاذة وصال؟!
ضيق عينيه وهو يستند فوق المكتب بكفيه قائلاً:
-اه وصال على طول، قوليلها كريم الشامي عايزك.
سألته ببرود:
-في ميعاد سابق؟
حسنًا، هي تريد استفزازه، أو ربما تتمنى أن تقوم بعملها ووجدته صيدًا ثمينًا، فاقترب منها قائلاً بتحذير:
-هتدخليني ولا لا،……
وقفت بقامتها الصغيرة التي تتناسب مع قامة ربة عملها، وخطت خطوات بطيئة ثم طرقت الباب طرقة واحدة وأدخلت رأسها تهمس بكلمات لم يفهمها، لم تمر سوى لحظات حتى التفتت إليه قائلة:
-الاستاذة وصال مستنياك، وبعد كده ماتجيش من غير ميعاد سابق.
لم يعرها أي اهتمام، ودخل إلى الغرفة، فوجد وصال تستقبله
-اهلاً يا كريم نورت.
جلس على المقعد قائلاً بهدوء لا يناسب حجم الغضب الذي يعتمل داخله:
-ده نورك، كنت محتاج ارفع قضية تزوير على حد، هتقدر تساعديني؟
ابتسمت بهدوء وهي تقول باهتمام:
-اه طبعًا، احكيلي عايز ترفعها على مين؟
وبملامح جامدة خالية من أي تعبير، وكأن الحياة انعدمت من وجهه، قال:
-سلوى أخت ليلى الله يرحمها، جت وعايزة تطردني من البيت وبتقول إن ليلى الله يرحمها كتبت البيت باسمها.
بهت وجهها ونالت الصدمة من ملامحها كافة، ونظرت إليه هامسة بتوتر ملحوظ:
-سلوى؟
أومأ برأسه بإيماءة بسيطة، ثم ابتسم بسخرية نارية قائلاً:
-اه صح نسيت إنك محاميتها، يعني شريكتها في الجريمة!
وقفت وصال بغضب وهي توجه إصبع السبابة نحوه بتحذير:
-ماسمحلكش يا كريم تكلمني كده، جريمة إيه؟ وبعدين ليلى فعلاً باعت البيت لسلوى وأنا اللي كتبت العقود بنفسي هنا في مكتبي وجت ومضت وسلوى اديتها ربع مليون جنية قدامي، ومفيش أي تزوير.
وقف هو أيضًا بصدمة بالغة، يشعر أن جدران الغرفة تضيق عليه، كيف تجرأت؟ كيف باعت بيتهما الذي طالما حلما معًا بشرائه دون أن تخبره وأخذت المقابل؟! ود أن يصرخ، أن يخرج كل ما بداخله من غضب ومرارة، لكن الصمت كان سيد المكان.
-كريم أنا فكرتك عارف وموافق، بس….
بترت جملتها عندما لاحظت اهتزاز ملامحه وتسارع أنفاسه، وقبضته التي تشنجت، كيف يمكن أن تكون قد رحلت وهي تحمل هذا السر؟ أي خديعة هذه التي لم يدركها إلا بعد فوات الأوان؟!
تحرك ليغادر دون أن ينطق بكلمة، حاولت إيقافه، لكنه لم يستمع إليها، كان في عالم آخر، يتذوق فيه مرارة الخذلان وخيبة الأمل، خرج من البناية وهو يجر ساقيه جرًا، حتى وجد سلوى أمامه تقف بانتظاره، تبتسم بسخرية، متخصرة بذراعيها الممتلئتين بالأساور الذهبية:
-اتأكدت إن أنا مش بكذب عليك!!
زمجر بغيظ قائلاً:
-اقنعيتها بإيه عشان تخليها تعمل كده من ورايا؟ هي كانت مغيبة وبتصدقك، وانتي اكيد وسوستي ليها.
شهقت بعنف وهي تقول باستنكار:
-أنا!! وهقنعها بإيه، هو ناقصني بيوت لامؤاخذة يا كريم، ما أنا عندي بدل البيت تلاتة، وبدل المحل تلاتة، هي بقى اللي كانت مُصرة، اعملها إيه؟ تحب نفتح قبرها يا اخويا ونسألها، عشان ترتاح وتتأكد!!
جاحدة، قاسية المشاعر، تتحدث ببرود عن أختها المتوفاة وكأنها شخص غريب لم يكن لها به أي مشاعر، رمقها باشمئزاز وقال:
-مهما تقولي أنا متأكد إنك ديب وأكيد مخططه لحاجة بس لسه هعرفها.
ارتسمت ملامح الحزن الزائف على وجهها وهي تقول:
-شوف انت بتتكلم عليا ازاي وأنا اللي كنت بفكر اقولك تعال اشتغل عندي، أصل لامؤاخذة عايزة حد يقف ويستقبل الزباين، ومش هلاقي أحسن منك يا بشمهندس كريم.
تقلصت ملامحه، وتجمدت عيناه في نظرة ملؤها الاشمئزاز، وكأن رؤيتها تثير في أعماقه حممًا من الغضب المكبوت، كان دمه يغلي في عروقه، فاشتدت قبضته، وانطبقت أسنانه بقوة، وكأنه يحاول أن يمنع نفسه من الانفجار في وجهها.
غادر سريعًا من أمامها وتوجه إلى منزله، وهو يشعر كأن الأرض انشقت تحته، وأن كل شيء عرفه ينهار بلا رجعة، همس لنفسه بقهر:
كنتُ أظنها شريكتي، فإذا بها تبيع حياتنا كلها وكأنها لا تعني شيئًا!
دخل إلى شقته فوجد والدته تبكي بحسرة، وحزن مزّق قلبه وهو يرى طفلتيه تبكيان معها، اقترب منها بلهفة، متسائلاً:
-مالك يا ماما؟
جففت دموعها وهي تقول بقهر لم تشعر بمرارته من قبل:
-روحت لعبد الغفور جوز سلوى الله يجحمه، اقوله على اللي سلوى ناوية تعمله، بس لقيته عارف ومبسوط بيها وطردني الكلب، الله يسامحك يا ليلى.
شعر بأن الحقد يتغلغل في صدره أكثر، يتضخم كوحش لا يشبع، ينهش بقايا صبره بلا رحمة، وانفجر يعاتب والدته:
انتفض كريم بغيظ فبدا كمن لسعه عقرب فجأة: -أنا مش هسكتلها بنت الـ **** وهجيب حقي منها، أنا هروح لوصال أنا عرفت عندها مكتب محاماة وهخليها ترفع قضية….. رمشت والدته بعدم فهم وهي تقول: -يا حبيبي وصال أصلاً المحامية بتاعت سلوى وماسكة كل شغلها، ما هي اكيد عارفة باللي سلوى عملته! هي تنفع تمسك قضيتنا وتدافع عنها! تساءلت والدته بحيرة وعدم فهم، لم يكن بحاجة إلى حرب جديدة، لكنه وجد نفسه فجأة وسط معركة لم يتوقعها، معركته لم تعد مع عدوته، بل مع قلبه الذي خانه عندما عاد يدق من جديد إليها. *** في مساء اليوم التالي، جاءه اتصال من أحد أصدقائه يفيده بوجود وصال في مكتبها، توجه إلى هناك سريعًا، وجسده يتشنج غضبًا منها ومن استغفالها له ولطفلتيه، دخل إلى تلك الشقة الصغيرة التي استأجرتها، وكانت عبارة عن صالة صغيرة وغرفة كبيرة نسبيًا، في الصالة، وجد فتاة صغيرة الحجم والسن، تجلس خلف مكتب بني اللون، وأمامها ورقة واحدة وقلم ترسم به دوائر بملل واضح على ملامحها. قال بصوت حاد: -عايز أدخل لوصال! رفعت رأسها وابتسمت بسخرية وهي تنظر إليه: -وصال على طول كده، مفيش الاستاذة وصال؟! ضيق عينيه وهو يستند فوق المكتب بكفيه قائلاً: -اه وصال على طول، قوليلها كريم الشامي عايزك. سألته ببرود: -في ميعاد سابق؟ حسنًا، هي تريد استفزازه، أو ربما تتمنى أن تقوم بعملها ووجدته صيدًا ثمينًا، فاقترب منها قائلاً بتحذير: -هتدخليني ولا لا،…… وقفت بقامتها الصغيرة التي تتناسب مع قامة ربة عملها، وخطت خطوات بطيئة ثم طرقت الباب طرقة واحدة وأدخلت رأسها تهمس بكلمات لم يفهمها، لم تمر سوى لحظات حتى التفتت إليه قائلة: -الاستاذة وصال مستنياك، وبعد كده ماتجيش من غير ميعاد سابق. لم يعرها أي اهتمام، ودخل إلى الغرفة، فوجد وصال تستقبله