مارلين مونرو
حركتُ رأسي يإيماءة بسيطة ونهضتُ قائلة:
-اتفقنا كده كده أنا مش هقدر أسيب الشغل إلا بعد أسبوع أصلاً، هتسجلي انت العقود في الشهر العقاري عشان أنا بكره الفرهدة والزحمة والتلزيق.
ابتسم لي وهو يردد:
-مع أني هتعطل يوم كامل بس عشان خاطرك ماشي، أهو عامل الواجب وبزيادة يا ست مارلين لا واخد نسبة منك وهروح الشهر العقاري بنفسي اظبطلك العقد.
ابتسمتُ له برقة، ونظرة استعطافٍ قادرة على سلب لب أفئدة أعتى الرجال:
-تسلملي يا رامز بجد، أنت اجدع واحد عرفته في حياتي.
نتوقف لحظات هنا لأعرفكم على صفة أخرى بي، فأنا أمتلك نصف سذاجة وغباء العالم.
شكرًا، هذا ما أردتُ إخباركم به، لنعود إلى قصتي مرة أخرى…
****
مساءً…
عدتُ إلى المنطقة التي أسكن فيها، وجسدي يصرخ طالبًا الراحة بعد أن أنهكتُ نفسي بالعمل اليوم، سأواصل ذلك كل يوم حتى نهاية هذا الأسبوع لأتمكن من جمع مبلغ مالي لا بأس به، يساعدني على قضاء حاجاتي حتى أتمكن من افتتاح مشروعي، إذ إن كل أموالي المدخرة ذهبت في سبيل شرائه.
قابلتُ على الدرج جاري هشام، ذلك المتشائم الذي يعمل محاميًا لدى أحد أشهر المحامين في مصر، حصل على تلك الوظيفة بفضل تفانيه في عمله وذكائه الشديد، لكن طباعه حدث ولا حرج! متشائم يختزن بؤس العالم كله، وملامحه لا تعرف الابتسام أبدًا، وكأن السعادة لا طريق لها إليه. يعيش مع والدته، صفصف، المرأة الطيبة ولكن ذات الصوت العالي، التي لا تفوت فرصة للسخرية والتنمر على الآخرين. حتى أنا، التي لا أرى في نفسي عيبًا واحدًا، تستطيع أن تبرز أقوى عيوبي أمامي بفظاظة، وأحيانًا تجعلني مادة للسخرية والضحك، لها ولبقية الجيران!
-نور استنى.
حسنًا، أنا عائدة من عملي وليس لدي طاقة لأقنع ذلك المستفز بأن اسمي
-مارلين يا هشام، مــــارلـــــين مش نــور.
رفع أحد حاجبيه ونظر إليّ باستفزاز:
-اسمك في البطاقة إيه؟! نور يبقى نناديكي بنور، وفكك من جو الأفلام الأمريكاني ده!!
ضيقتُ عيني وقلتُ له بغيظ:
-انت لو بنت كنت قولت بتغير مني!!
-لا فكك من جو الغيرة القاتلة اللي انتي عايشة فيه يا محور الكون، انتي مابتدفعيش النور والميه ليه؟!
سألني مباشرةً باستفزاز، حسنًا، هو الوحيد القادر على إخراج أسوأ ما فيَّ، فقلت له بحنق طفيف:
-وأنت مالك؟
عقد ذراعيه أمامه وردد ببساطة قتلت آمالي في استفزازه:
-عشان ببساطة المُحصل جه هنا وزعق عشان حضرتك بتتهربي منه، وأم فتحي دفعتلك الفلوس وكانت حالفة لتجرسك في الحارة كلها، بس أنا دفعتهم وسكتها!
شعرت بإحراج شديد منه، وخفضت نظراتي، مستدعيةً هالتي الاستعطافية والرقيقة لأسيطر عليه، كما أفعل مع باقي الشباب الذين أعرفهم:
-بجد دفعتهم، ميرسي أوي يا هشام، أنت ذوق اوي…
بتر حديثي بنبرة مشمئزة وهو ينظر إليّ بانزعاج:
-باين اوي إنك فييك يا نور، متحاوليش معايا، أنا مش زي الناس اللي انتي بتعرفيهم.
نعم، أنت لا مثيل لك في فظاظتك، وددت أن أصرح بها، لكن لن أقابل معروفه بحماقتي التي تداعب طرف لساني.
وتلك صفة أخرى فيَّ؛ عندما أفقد أعصابي، أفقد السيطرة على لساني، فأمطر من أمامي بحماقة وقحة يستحقها تمامًا، أما رقتي ونعومتي، فحينها تذهبان إلى الجحيم، فالأهم هو الأخذ بثأري، وبالطريقة التي تريحني.
-انت فعلاً مش زيهم يا هشام، انت غيرهم وغير أي حد أعرفه، فريد كده من نوعك، ربنا ما يكتر من أمثالك…آآه أقصد ربنا يكتر من أمثالك، المهم انت عايزني ادفعهملك حاضر من العين دي قبل العين دي، بس آخر الشهر بقى عشان أنا مفلسة.
رفع جانب شفتيه باستهزاء واضح بي وهو يقول:
-أنا هاخد منك فلوس دفعتهالك، هو أنا من امتى أخدت منك قبل كده!!
-زلني بقى!
أشحت بيدي في وجهه بنزق، فأبعدها بضيق:
-مابزلكيش، بس أنا مستغربك بتتعاملي معايا وكأنك ماتعرفنيش، مع إنك عارفة عمري ما أخد منك فلوس أبدًا، عشان وصية أبويا…
قطعتُ حديثه بانزعاج وأنا أسترسل في الحديث نيابة عنه:
-وصية أبوك إنك تاخد بالك مني، وتقف جنبي حتى لو انت مش عايز كده، حتى لو مش بتطقني، أبوك اللي كان بيجبلي الحلويات وأنا صغيرة، وبوديني الملاهي مع أبويا، وكان بيجبلي السندوتشات المدرسة، خلاص حفظتها، انت وطنط صفصف بتسمعوها ليل ونهار!!
-تصدقي أنا غلطان أني عبرتك أصلاً، انتي ماتستاهليش حاجة.
قالها وهو يدفعني من أمامه ليكمل طريقه للأسفل، تلك مقابلتي مع هشام لم تنتهِ نهاية عادية، دومًا تنتهي بشجار لفظي، وأحيانًا تصل إلى قطيعة تمتد لأسبوع أو أسبوعين، حتى تنتهي بسبب إحدى مصائبي التي تنصب عليه دائمًا.
حركتُ رأسي بيأس، ودخلت إلى شقتي وأنا أعلم أن القطيعة قادمة لا محالة، ولكن جرس الباب رن، ففتحت الباب ولم أجد أحدًا، كدت أغلقه، إلا أنني وجدت مالًا موضوعًا على الأرض أمامي مباشرة، وكان عبارة عن ألف جنيه، ومعه ورقة مكتوب عليها:
“خليهم معاكي يا مفلسة”.
***
في صباح اليوم التالي، قررتُ قبل الذهاب إلى العمل أن أصعد إلى الطابق الذي يسكن فيه هشام مع والدته وأطرق الباب طرقتين فقط، حيث إن صفصف تكره الطرق المتواصل، بل يصل بها الحال أحيانًا إلى أن تصوب أحذية المنزل بأكمله صوب الطارق، فتصيبه بارتجاج في رأسه، أو يموت قهرًا وضربًا بالأحذية.
فتحت صفصف باب الشقة، وما إن رأتني حتى أشارت إليّ بلا مبالاة ووجهها عابس بشدة:
-هو أنتي يا مقصوفة الرقبة، ادخلي يا ست نور.
حركتُ رأسي يإيماءة بسيطة ونهضتُ قائلة: -اتفقنا كده كده أنا مش هقدر أسيب الشغل إلا بعد أسبوع أصلاً، هتسجلي انت العقود في الشهر العقاري عشان أنا بكره الفرهدة والزحمة والتلزيق. ابتسم لي وهو يردد: -مع أني هتعطل يوم كامل بس عشان خاطرك ماشي، أهو عامل الواجب وبزيادة يا ست مارلين لا واخد نسبة منك وهروح الشهر العقاري بنفسي اظبطلك العقد. ابتسمتُ له برقة، ونظرة استعطافٍ قادرة على سلب لب أفئدة أعتى الرجال: -تسلملي يا رامز بجد، أنت اجدع واحد عرفته في حياتي. نتوقف لحظات هنا لأعرفكم على صفة أخرى بي، فأنا أمتلك نصف سذاجة وغباء العالم. شكرًا، هذا ما أردتُ إخباركم به، لنعود إلى قصتي مرة أخرى… **** مساءً… عدتُ إلى المنطقة التي أسكن فيها، وجسدي يصرخ طالبًا الراحة بعد أن أنهكتُ نفسي بالعمل اليوم، سأواصل ذلك كل يوم حتى نهاية هذا الأسبوع لأتمكن من جمع مبلغ مالي لا بأس به، يساعدني على قضاء حاجاتي حتى أتمكن من افتتاح مشروعي، إذ إن كل أموالي المدخرة ذهبت في سبيل شرائه. قابلتُ على الدرج جاري هشام، ذلك المتشائم الذي يعمل محاميًا لدى أحد أشهر المحامين في مصر، حصل على تلك الوظيفة بفضل تفانيه في عمله وذكائه الشديد، لكن طباعه حدث ولا حرج! متشائم يختزن بؤس العالم كله، وملامحه لا تعرف الابتسام أبدًا، وكأن السعادة لا طريق لها إليه. يعيش مع والدته، صفصف، المرأة الطيبة ولكن ذات الصوت العالي، التي لا تفوت فرصة للسخرية والتنمر على الآخرين. حتى أنا، التي لا أرى في نفسي عيبًا واحدًا، تستطيع أن تبرز أقوى عيوبي أمامي بفظاظة، وأحيانًا تجعلني مادة للسخرية والضحك، لها ولبقية الجيران! -نور استنى. حسنًا، أنا عائدة من عملي وليس لدي طاقة لأقنع ذلك المستفز بأن اسمي